كتب: حسام حسن
جاءت تسريبات "ويكليكس" الجديدة لتزيد الطين تحت أذرع الانقلاب العسكري بلة، وخرج الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، يشتكي من "الرز" الخليجي المسرب إلى بلاعة إعلام الانقلاب في مصر، مطالبًا بلاده بضرورة إعادة النظر في "الرشاوى" المالية، التي تقدم لعدد من الإعلاميين والسياسيين العرب، مشيرًا إلى أن تمويلهم يأتي من المملكة ومن سواها.
تمويل الإعلام العربي وتوجيهه ليس بجديد على عمل الدبلوماسيين السعوديين وأولوياتهم، تدفعهم إلى ذلك جملة من "الأوامر السامية" التي تصدر من "أعلى"، وتحدد الخطوط العامة للسياسة الإعلامية وحدود المسموح والممنوع.
فمثلاً الأوامر السامية 883 و2166 هي من بين قرارات عديدة صدرت لمواجهة إيران، تطلب "تجاهل احتجاج الحكومة الإيرانية والاستمرار… مع عدم التعرض للشأن الداخلي الإيراني ورموز الدولة بشكل لافت".
أما الأمر السامي 7796 فهو يتعلق بالسياسة الإعلامية في مصر؛ حيث أجرت السعودية بعد سقوط مبارك عملية إعادة تقييم شاملة للإعلام المصري، ووضعت إستراتيجية جديدة تتضمن "التعاقد مع شركة إعلامية مصرية متخصصة يقوم عليها العديد من الإعلاميين المصريين ذوي الخبرة العالية والتأثير الكبير لمواجهة الإعلام السلبي"، واستمالة الفاعلين في الجو الإعلامي الجديد بمصر، وتوجيه دعوات السفر إليهم ومحاولة "احتوائهم". الأكاديمي السعودي، محمد عبد الله العزام، يقول إن "مجرد تفكير عدد من السياسيين والإعلاميين في مصر ولبنان، بطلب مساعدة مالية من السعودية والاعتقاد بأن أموال المملكة سائبة هو إساءة للمملكة"، مضيفًا: "إن صحت التسريبات، فهي تؤكد أن عيون السعودية مفتوحة في عواصم العالم وأن الجميع يتسابقون لطلب مودته".
وكانت الخارجية السعودية قد علقت على بعض وثائق "ويكليكس" المنسوبة إليها، بالقول "إن موقعها تعرض لهجوم إلكتروني، وأن الكثير من الوثائق المنسوبة إليها تعرضت للفبركة"، محذرة من تداولها أو نشرها.
أما الإعلاميون العرب الذي يبغون الدعم والتمويل يفهمون أيضًا عداوات السعودية وهواجسها، ويخاطبونها عبرها، فنجد نقيب الصحافة اللبنانية، الإعلامي عوني الكعكي، يطلب الدعم المالي تحت شعار مجابهة إيران.
وبالأريحية ذاتها، يتوجه الانقلابي "مصطفى بكري" إلى السفير ليبلغه أن الإيرانيين قد "بدءوا في الاتصال به"، طالبًا دعم السعودية لعدة مشاريع تخصه، بينها تشكيل حزب سياسي و"إطلاق قناة فضائية تكون صوتًا قويًا ضد الشيعة وتساند مواقف المملكة".
أكثر ما يخيف القيّمين على تنفيذ "الأوامر السامية" هو جوّ إعلاميّ حرّ في المحيط العربي، لا تضبطه الحكومة ولا يمكن توقع ما ينشره.. تستفظع برقية، تناقش وضع الإعلام المصري بعد سقوط مبارك، أن الإعلام لم تعد تديره "السلطة الأمنية والسياسية"، وصار "يتحرك مع الرأي العام" بدلاً من أن "يقوده"!.
الهمّ المركزي للسعودية يتمثل في ملاحقة أي نقدٍ ولو في أقاصي الدنيا، هذا ما نلمسه أيضاً عبر النشاط السعودي المحموم في تونس بعد الثورة، حين قررت السلطات السعودية إعادة بناء العلاقات مع البلد والتواصل مع راشد الغنوشي، طالبت الوزارة بإعادة تقويم شاملة للساحة الإعلامية التونسية الجديدة، بدءًا بـ"تقديم الدعم المالي للمؤسسات الصحفية المؤثرة في تونس". وللسعودية، بالتأكيد، طريقتها في "ضبط" صحافتها داخل المملكة وخارجها: الإعلام المحلي "تضبطه" الأوامر السامية، مع لجان تجتمع أسبوعياً لمراجعة ما يرد فيه و"التعامل مع الكتابات المسيئة" لمصالح المملكة. الإعلامي السعودي خاشقجي، يؤكد على ملف "الرز" السياسي والإعلامي المفتوح على مصراعيه، بالقول: "ماذا يستفاد من تسريبات الخارجية؟ إعادة النظر في سياسة الشيكات لإعلاميين وساسة عرب أثبتوا غير مرة أنهم غير مفيدين ويقبضوا منا ومن غيرنا".
ويبقى السؤال الأهم: هل تظل أجولة الأرز السعودي بعد تسريبات ويكليكس مشاعًا للقابضين عليها في مصر؟