لا يكاد يصدق عاقل أن تستطيع الدول العربية على مستوى حكوماتها أن توقف قرارًا واحدًا اتخذته الإدارة الأمريكية الصهيونية بشأن القضية الفلسطينية . تلك القناعة تتجدد بصورة يومية، وسط خنوع غير مسبوق تعايشه النظم العربية في ثوبها الانبطاحي ، سواءً في السعودية أو الإمارات والبحرين ومصر للأجندة الصهيوأمريكية، دفعت لتقديم الدعم المالي غير المسبوق من دول خليجية لترامب، بل تجلى الأمر بفضيحة تقديم مصر أراضي سيناء رخيصة لإقامة وطن بديل للفلسطينيين لحل مشاكل الصهاينة.
يأتي ذلك في إطار الانحياز السيساوي للكيان الصهيوني؛ حيث يقدم أراضي سيناء خالية من سكانها وأهلها المصريين للصهاينة، فيما يغلق معبر رفح أمام المرضى الفلسطينيين والطلاب في أكبر جريمة دولية.
ويعقد وزراء الخارجية العرب، اليوم الخميس، اجتماعا طارئا فى القاهرة تحت شعار “لمواجهة العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطيني” وكذلك “مواجهة قرار الولايات المتحدة غير القانوني” بنقل سفارتها إلى القدس.
اجتماع اليوم، غير عادي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية ، بناء على طلب السعودية .
ومن المقرر أن يناقش وزراء الخارجية، مشروع قرار عربي يتضمن 15 بندًا لمواجهة أمرين، نقل واشنطن سفارتها من تل أبيب للقدس، والثاني مرتبط بوقف “المجازر الإسرائيلية”، بحق المظاهرات السلمية الفلسطينية المنددة بذلك.
ومن أبرز البنود المقترحة، قطع أو تخفيض العلاقات مع الدول التي ستحذو حذو واشنطن في نقل سفاراتها للقدس، ولا يشمل التهديد أمريكا نفسها بالطبع، ومطالبة مجلس الأمن بمنع قيام الدول بإنشاء بعثات دبلوماسية في القدس، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية بمجزرة غزة الأخيرة والتوجه للمحاكم الدولية ضد جرائم إسرائيل.
بنود روتينية
ويتضمن البند الأول بحسب نص مشروع القرار المقترح من جانب اجتماع المندوبين العرب في الجامعة بالقاهرة أمس، “التحذير من أن قيام واشنطن بنقل سفارتها يعتبر سابقة خطيرة تخرق الإجماع الدولي حول القدس وتشكل انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي”.
ويتطرق البندان الثاني والثالث للمشروع لـ”إعادة التأكيد على رفض وإدانة قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (في ديسمبر الماضي) باعتباره قرارًا باطلاً ومطالبتها بالتراجع عنه، والتأكيد على أن نقل السفارة الأمريكية للقدس في ذكرى نكبة فلسطين عدوان على حقوق الشعب الفلسطيني، واستفزاز لمشاعر الأمة العربية الإسلامية والمسيحية وزيادة في توتير وتأجيج الصراع”.
ويركز البند الرابع بالمشروع المقترح على “العمل على اتخاذ إجراءات رادعة لمواجهة القرار بما في ذلك قطع أو تخفيض العلاقات السياسية والاقتصادية مع أي دولة تقدم على نقل سفارتها”.
كما يتضمن البندان الخامس والسادس “دعم قرارات القيادة الفلسطينية بما في ذلك الانضمام إلى المعاهدات والمنظمات الدولية وإحالة الجرائم الإسرائيلية إلى المحاكم الدولية بما في ذلك ملف الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، فضلا عن مطالبة المجتمع الدولي بما في ذلك مجلس الأمن بعدم الاعتراف بأي قرارات أو إجراءات تهدف إلى تغيير طابع مدينة القدس ودعوة جميع الدول للامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في القدس”.
وتتطرق البنود من السابع إلى الحادي عشر إلى توجيه الشكر للدول الرافضة للخطوة الأمريكية وإدانة إعلان قلة من الدول نيتها نقل سفاراتها إلى القدس، وكذلك إدانة مشاركة بعض الدول في فعاليات نقل السفارة الأمريكية الاثنين، وتقديم التحية للشعب الفلسطيني ونضاله المشروع وإدانة الجرائم الإسرائيلية التي ترقى إلى جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وتطالب البنود من الثاني عشر وحتى الخامس عشر، مجلس الأمن والأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث غزة الأخيرة بإطار زمني محدد ومحاكمة المسؤولين الإسرائيلين عن هذه الجريمة ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لحماية المدنيين.
وكذلك تكليف الأمانة العامة للجامعة بإعداد خطة تشمل الوسائل والطرق المناسبة بما في ذلك الوسائل والطرق القانونية والاقتصادية لمواجهة القرار الأمريكي والمجزرة الإسرائيلية وتعميم هذه الخطة (دون تفاصيل) وإبقاء مجلس الجامعة في حالة انعقاد والعودة للاجتماع في أقرب وقت ممكن لتقييم الأوضاع.
ليس في الإمكان ..
واعتبر خبراء سياسيون مقترح وزراء الخارجية ، مجرد إجراء برتوكولي دبلوماسي، صدر قبله ملايين القرارات والمناشدات العربية الساقة، دون أن يؤثر في الكيان الصهيوني أو أمريكا .
وأمس الأربعاء، قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حسام زكي، في مؤتمر صحفي إن اجتماع المندوبين الدائمين ناقش مشروع قرار يدعم الصمود الفلسطيني ويرفض القرار الأمريكي بشأن القدس.
وأوضح أن “مشروع القرار سيمثل أقصى المواقف السياسية التي يمكن أن يتخذها مجلس الجامعة العربية في دعمه للصمود الفلسطيني ورفضه للقرار الأمريكي”.
فانتازيا سياسية
وبحسب مسئولين فلسطينيين، فإن “هذا الاجتماع مطلوب منه وضع محددات أساسية تترجم الموقف العربي على أرض الواقع، بحيث تُشكل قوة ضغط على أمريكا للتراجع عن قراراتها المشينة، والتي تخالف قرارات الشرعية الدولية التي تحظر نقل السفارات والبعثات الأجنبية من تل أبيب إلى القدس”.
ولعل قمة الفانتازيا السياسية أن اجتماع اليوم سيطالب الدول التي أعلنت نيتها نقل سفارتها أو بعثاتها بألا تقدم على ذلك ، وهي لغة ما عادت تجدي من الضعفاء، في ظل إهمالهم أوراق الضغط التي بأيديهم، كالبترول والممرات المائية التي تمر بها حركة التجارة العالمية، أو تقديم دعم شامل وموسع للفلسطينيين، ووقف التعاون مع الدول المتعدية على الحقوق الفلسطينية؛ تطبيقًا لقرارات قمة عمان (عام 1980) التي تنص بشكل واضح على قطع العلاقات مع أي دولة تقدم على نقل سفارتها أو بعثتها.
قمة إسلامية أيضًا
وتعقد غدًا الجمعة قمة استثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي، دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ردًا على مجزرة إسرائيل على حدود قطاع غزة.
وسعت تركيا لنقل الجرحى والمصابين الفلسطينيين، كما قامت بإبلاغ السفير الصهيوني لديها بالمغادرة، وسحبت سفيرها من تل أبيب للتشاور، وهي إجراءات عجزت عن اتخاذها كل دول العرب.
فيما أكد متحدث الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن القمة الإسلامية الطارئة المزمع عقدها في مدينة إسطنبول غداً الجمعة، ستبحث مواقف وخطوات الدول الإسلامية من أجل الدفاع عن قضية فلسطين والقدس عبر التعاون والتضامن مع الدولة الفلسطينية وشعبها.
وأشار قالن إلى أن القمة الإسلامية ستبحث انتهاك الإدارة الأمريكية للقانون الدولي في نقل سفارتها من تل أبيب إلى مدينة القدس، فضلاً عن التطورات الخطيرة التي ظهرت بعد قتل الفلسطينيين الأبرياء المشاركين في مظاهرات سلمية في غزة.
وشدّد على أن الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية لا تهُم الدول الإسلامية فقط، إنما هي قضية مشتركة لكل المؤمنين بالقانون والعدل.
وأضاف متحدث الرئاسة: “ستشهد القمة الإسلامية الطارئة مناقشة الخطوات الرامية إلى تحريك الرأي العام العالمي من أجل إنهاء المظالم في فلسطين”.
ويسود توترٌ شديدٌ المنطقة الحدودية لقطاع غزة، عقب المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، بحق المتظاهرين السلميين في غزة، وأسفرت عن استشهاد نحو 62 شخصاً وجرح قرابة 3 آلاف آخرين.
وكان المتظاهرون يحتجون على نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، ويحيون الذكرى الـ70 لـ “النكبة”، ضمن مسيرات العودة.
وانطلقت تلك المسيرات في 30 مارس الماضي، قرب السياج الفاصل بين القطاع و”إسرائيل”؛ للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هُجِّروا منها عام 1948.
