السيسي مش بتاع سياسة .. هل تخرج الأمور عن سيطرته مع إصراره على طحن الفقراء ؟!

- ‎فيتقارير

مازالت تداعيات زيادة أسعار تذاكر المترو بشكل جنوني ووصول سعر التذكرة من جنيهين إلى سبعة جنيهات، حيث لم تتوقع حكومة الانقلاب ردة الفعل العنيفة هذه من قِبَل المواطنين في محطات مترو القاهرة، منذ اليوم الأول لتطبيق زيادة أسعار التذاكر.

حتى أن الأمر تجاوز الحد إلى درجة إغلاق محطات مترو واشتباكات مع قوات الأمن، وحتى عبور بوابات الدخول بدون تذاكر، وسيطرت حالة غضب شديدة على المواطنين عقب قرار وزارة النقل المصرية برفع أسعار تذكرة المترو، وتحولت حالة الصدمة التي اعتلت وجوه الركاب في أول يوم عمل بعد القرار، إلى مشاحنات داخل غالبية المحطات، واشتباكات مع أفراد الأمن المتواجدين داخل محطات المترو، حسب ما وثَّق نشطاء بمقاطع مصوّرة بثوها عبر الشبكات الاجتماعية.

وتعالت هتافات الركاب ضد عبدالفتاح السيسي في محطات مترو مصر، وخرج الأمر عن السيطرة في بعض المحطات، حين قرَّر الركاب إغلاقها تماماً.

وفي وسط زحمة الغضب، كشف تقرير صحفي أن جهاز الأمن الوطني كان متابعاً للأحداث بعين ترصد كل كبيرة وصغيرة، وتحدث منذ الساعات الأولى، ليرفع في نفس اليوم تقريراً إلى عبدالفتاح السيسي، و جاء في تفاصيل التقارير نقلا عن أحد المصادر المطلعة بجهاز الأمن الوطني إن الجهاز رفع تقريراً للسيسي، يوم السبت الماضي، عن تقديرات ردِّ فعل الشارع المصري حيال زيادة أسعار تذاكر المترو الجديدة.

التقرير نبَّه أن “الأمور على مشارف الخروج عن السيطرة”، وأن قرار الزيادة سوف يؤثر على الطبقات الأكثر فقراً، بشكل قد يقود إلى “انفجار عشوائي يصعب التكهن بحجمه أو مآلاته ” .

وأرفق بالتقرير عدد من الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها بواسطة عناصر أمنية، ظهرت فيها أعداد وُصفت بأنها “ليست بالقليلة” من الركاب، وهي تقتحم بوابات المحطات.

كما شمل التقرير مجموعة صور لمحطتي مترو “عزبة النخل” و”المرج”، وقد أغلقت تماماً بواسطة المواطنين، فيما يشبه إرهاصات العصيان المدني .

التقرير لم يتضمن توصيةً صريحةً بالتراجع عن الزيادات الأخيرة، هو فقط حذَّر من الغضب الشعبي، تاركاً القرار للسيسي، على حد تعبير المصدر الأمني، الذي أضاف “لم نتلق رداً من القيادة السياسية على تقريرنا، لكن الرد جاء مساء نفس اليوم على لسان وزير النقل هشام عرفات، الذي صرَّح لأحد البرامج التلفزيونية، أنه لا تراجع عن قرار زيادة تذاكر المترو الأخير”.

وعقب عميد الشرطة المتقاعد محمد صابر، على الموقف قائلاً، إنه – وبعيداً عن فحوى التقرير – فجهاز الأمن الوطني هو جهاز معلوماتي، وليس وظيفة الجهاز تحليل الموقف أو اتخاذ قرارات سياسية، لكن هدفه قاصر على رصد الموقف على الأرض، وجمع أكبر قدر من المعلومات ووضعها بين يدي متخذ القرار.

لكن ريمون عزيز، الباحث في الشؤون السياسية، علَّق على تقرير الأمن الوطني، قائلاً: “غالباً لن تستجيب الحكومة لمثل تلك التحذيرات، ولن تتراجع عن قرار زيادة الأسعار”. وفسّر رأيه هذا بأن مثل هذه الحكومات، التي وصفها بالقمعية، تدرك جيداً أن التراجع خطوة للخلف معناه فتح باب لن يمكن سده مستقبلاً، وعليه فالحل الأمثل الذي تلجأ له هو المضي قدماً في طريقها.

واستعاد عزيز تجربة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، مع “انتفاضة الخبز” عام 1977، حين تراجع عن قرار رفع بعض الأسعار، في أعقاب الهبَّة الشعبية. لكنه أكد أن قرار التراجع الذي اتَّخذه السادات لن يتكرر مع السيسي، “السيسي ليس السادات، فهو لا يملك قدرات المناورة السياسية التي كانت لدى سلفه، ولا وضعه هو نفس وضع نظام السادات”.

وأضاف أن صعود السيسي إلى الحكم جاء بطريقة مختلفة حولها علامات استفهام، وبدأ حكمه بإجراءات قمعية كبيرة ضد المعارضين، على حد تعبيره، وذلك عكس السادات الذي لم تكن شرعيته على المحك. وأضاف أن السيسي لا يحب السياسة بشكل عام، مستعيداً تصريحاً سابقاً له، قال فيه “أنا مش سياسي… أنا مش بتاع كلام”، واصفاً إياه بأنه يحكم بعقلية المقاتل العسكري الذي لا يتراجع ولا يتقهقر، وتلك إشكالية كبرى في بلد شديدة التعقيد مثل مصر.

وأوضح أن قرار السيسي الأخير بمضاعفة أسعار المترو يتسق تماماً مع فلسفة الرجل في الحكم، الفلسفة التي عبر هو صراحة عنها في العام الماضي، أثناء افتتاح عدد من المشروعات الخدمية والتنموية في محافظة قنا، قائلاً “لا توجد خدمات في الدنيا بمثل الأسعار التي توجد لدينا”.

وعن رؤيته للغضب الشعبي حيال قرارات رفع الدعم المتوالية، أوضح السيسي في اللقاء ذاته موقفه، قائلاً: “المواطن الذي نقول له إننا سنزيد عليك سعر التذكرة بمقدار جنيه، يرد قائلاً إنه غلبان وغير قادر… صحيح وأنا أيضاً غلبان وغير قادر”.

ليظل التحدي الأكبر مع فكرة رفع الدعم بشكل كامل عن الوقود والكهرباء، وهو ما بدأ فيه بشكل تدريجي بالفعل دون وقوع مشكلات تُذكر، حتى ظنَّ البعض أن الشارع المصري لن يُظهر أي معارضة وسط ارتفاع الأسعار الجنوني الذي حدث مع قرار تعويم الجنيه.

لكن قرار وزير النقل الأخير برفع قيمة تذاكر المترو غيَّر وجهة النظر هذه، وأعطى علاماتٍ على إمكانية تحرُّك الطبقة الفقيرة وتحت المتوسطة ضد الإجراءات الاقتصادية الصعبة هذه. السؤال الآن: إذا كان قائد الانقلاب وحكومته تجاهلت تقرير الأمن الوطني الأخير، وأصرَّت على زيادة الأسعار، وراهنت على قدرته على امتصاص غضب الناس وتجاوزه، فالمأزق الأكبر أمامه سيكون خلال شهرين، حين يرفع أسعار المنتجات البترولية، فهل يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة وقتها؟