مثل حاسة الشم عند أسماك القرش التي تتبع الدم ولو على بعد مائتي ميل بحري، تحرك رائحة الدولارات جنرالات العسكر وبعد أقل من شهر على كشف القمص “عبد المسيح بسيط”، راعي كنيسة العذراء بمسطرد، عن اقتراب بناء أول كنيسة في السعودية، كشفت مصادر مطلعة عن قيام الحكومة السعودية بإسناد مشروع إقامة أول كنيسة في السعودية لشركة “المقاولون العرب” التي أممها العسكر.
وقالت المصادر إن إسناد هذا المشروع لشركة “المقاولون العرب”، يأتي لخبرتها الطويلة في بناء وترميم المساجد والكنائس في الداخل والخارج، ومن المقرر بناء أول كنيسة في المملكة خارج النطاق العمراني لمكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك في أعقاب ما تم كشفه عن محاولة “ابن سلمان” الضغط على علماء السعودية لإقناع الناس بأن مصطلح “جزيرة العرب” يقصد به “مكة والمدينة” فقط للالتفاف على الحديث النبوي الشريف “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”.
تعطيل الفتاوى
ووفقا للمصادر فإن الحكومة السعودية تفاضل بين العاصمة الرياض، ومدينة “نيوم”، شمال غربي المملكة، كموقع لاحتضان الكنيسة، وسط تكتم على تكلفة المشروع، يشار إلى أن السعودية لا يوجد بها أية كنائس أو دور عبادة لغير المسلمين، إذ تحظر المملكة بناءها، استنادا لآراء وفتاوى رجال الدين في البلاد.
وقبل أسابيع، شهدت السعودية أول قداس في المملكة، أقامه مطران مدينة شبرا الخيمة الأنبا “مرقس”، في أحد بيوت الأقباط في الرياض، وحضره عدد كبير من المسيحيين في البلاد، وأكد راعي كنيسة العذراء في مسطرد، القمص “عبد المسيح بسيط”، في مداخلة مع إذاعة “بي بي سي” البريطانية، اقتراب بناء أول كنيسة في السعودية، ووصف هذا التطور بأنه “خطوة ما كنا نحلم بها ولم تكن على البال ولا على الخاطر”.
وفي وقت سابق، أعرب بابا الانقلاب العسكري “تواضروس الثاني”، في تصريحات متلفزة عن رغبته وأمنيته في إقامة كنيسة في المملكة العربية السعودية، متسائلا: “لما لا نقيم كنيسة في السعودية، ما الذي يمنع إقامتها؟”، وكان “تواضروس” قد التقى الملك “سلمان بن عبد العزيز”، خلال زيارته للقاهرة في أبريل 2016.
كما التقى الملك “سلمان” وولي عهده البطريرك الماروني “بشارة الراعي” بالرياض في 14 نوفمبر 2017، في زيارة وصفت آنذاك “بالتاريخية”، وفي مارس 2018، زار ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، الكاتدرائية المرقصية في العباسية، وسط القاهرة، وهو أرفع مسئول سعودي يقوم بهذه الخطوة.
وأواخر نوفمبر الماضي، كشف “جويل روزنبرج” أحد أشد المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين دفاعا عن إسرائيل، أنه تلقى وعدا من “بن سلمان” خلال لقائه به في الرياض، بفتح كنائس في المملكة، وأوضح “روزنبرج” الذي ترأس وفدا مسيحيا إنجيليا لزيارة السعودية للمرة الأولى في أكتوبر الماضي، أن “بن سلمان” أخبر الوفد أنه لا يمكن الآن السماح بفتح كنائس في بلاد الحرمين، على اعتبار وجود حديث نبوي شريف يقول: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”.
سبوبة الجيش
غير أن ولي العهد السعودي وعد “روزنبرج” أنه سيطلب من علماء الدين في بلاده إشاعة أن جزيرة العرب الواردة في الحديث تعني فقط “مكة والمدينة”، ما يسمح لاحقا بفتح كنائس في البلاد، في حواراته الإعلامية يحاول السفيه عبد الفتاح السيسي أن ينأى بميزانية الجيش عن أي منافسة، ويقول: “خلوا الجيش لوحده، جيشنا قائم بحاله، زي الفل، مؤسسة قوية”، وعند سؤاله عن احتمالية مراقبة الشعب ومجلس النواب أو مجلس الأمن القومي، ارتبك السفيه واكتفى بالصمت، ثم تكلم فتلعثم، وخرج عن النص كعادته متجاهلاً السؤال.
تحدث السفيه السيسي أكثر من مرة ودافع عن الجيش، ثم تمنى أن يكون الجيش مسيطرًا على نصف الاقتصاد الوطني، قائلاً: “ياريت القوات المسلحة كانت تمتلك 50% من اقتصاد مصر، يا ريت تمتلك جزءًا كبيرًا من الاقتصاد المصري”، ويمكن أن ندرك الجانب المظلم من الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، بالنظر إلى العاصمة الإدارية الجديدة وأهدافها وتكلفتها والقائمين عليها، يضاف إلى ذلك افتتاح قاعة الماسة بالعاصمة الإدارية بتكلفة قاربت المليار جنيه، علاوة على افتتاح مركز المؤتمرات والمعارض الجديد بالقاهرة، وكلاهما حكرًا على القوات المسلحة.
ليست هذه النهاية، ففي آخر تصريح لمدير إدارة الشؤون المعنوية اللواء محسن عبد النبي، “يجرى حاليًا الإعداد لافتتاح عدد كبير من المشروعات القومية يصل عددها إلى 84 مشروعًا يشرف عليهم القوات المسلحة إلى جانب المشروعات التي تنفذها بالمشاركة مع القطاع المدني”، وهكذا تمتد جذور الإمبراطورية الاقتصادية للجيش حتى تصل إلى بناء الكنائس خارج الحدود.