غيض من فيض فساد مدبولي.. لماذا لا يعيّن السيسي إلا اللصوص؟

- ‎فيتقارير

في الوقت الذي يزعم فيه محاربة الفساد، لا تخرج اختيارات قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في تشكيل أي حكومة منذ استيلائه على الحكم بقوة الانقلاب العسكري، عن مجموعة الفسدة الذين يتم الاستعانة بهم لتنفيذ أجندته ضد المواطن الفقير، بدءا من حازم الببلاوي المتهم في وقائع فساد هيئة السياحة وأراضي الأوقاف، مرورا بالمهندس إبراهيم محلب المتهم أيضا بالفساد أثناء توليه إدارة شركة “المقاولون العرب”، وانتهاء برئيس الوزراء المستقيل شريف إسماعيل المعروف بـ”الواد الصايع“.

ثم يكلف قائد الانقلاب من بعده فاسدًا جديدًا هو وزير الإسكان والمرافق العامة مصطفى مدبولي، لتشكيل الحكومة الجديدة خلفا لشريف إسماعيل، الذي شغل المنصب منذ سبتمبر 2015، وقدم استقالة حكومته إلى السيسي، أمس الأول، عقب تأدية الأخير اليمين الدستورية عن فترة ولايته الثانية أمام مجلس النواب، السبت الماضي.

لماذا مدبولي؟

يعد مصطفى مدبولي على علاقة وطيدة بدولتي الإمارات والسعودية، الداعمتين للسيسي، بسبب إشرافه على أعمال العاصمة الإدارية الجديدة، التي تنفذها شركة مساهمة بين الهيئة الهندسية للجيش، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، كما أن السيسي اصطحب مدبولي في فعاليات القمة العربية التي انعقدت في السعودية في أبريل الماضي، رغم أنه لم يكن نائبا رسميا لرئيس الوزراء، لبحث خطوات استكمال وتنفيذ العديد من المشروعات والمنتجعات المدعومة خليجيا، سواء الجاري إنشاؤها شرق العاصمة القاهرة، أو المزمع تدشينها خلال الفترة المقبلة.

في الوقت الذي تؤكد مصادر مقربة من نظام السيسي أن مدبولي يتمتع بثقة السيسي الشخصية، ودوائر صناعة القرار داخل النظام الحاكم، كونه “سكرتيرا تنفيذيا بامتياز”، ويطيع الأوامر الصادرة من قياداته، دون أن يجادل بشأن جدواها، مشيرة إلى أنه لم يكن يبدي أي اعتراضات حول سيطرة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على أعمال وزارته، وتنفيذها كافة المشروعات والإنشاءات الكبرى، مع اكتفاء الوزارة في عهده بدور “المقاول“.

وجاء اختيار مدبولي لرئاسة الحكومة، برغم مسئوليته الرئيسية، سواء بصفته وزيرا للإسكان، أو رئيسا سابقا لهيئة المجتمعات العمرانية، عن غرق ضاحية “التجمع الخامس” شرق القاهرة، تحت وطأة الأمطار الكثيفة التي ضربت العاصمة المصرية نهاية أبريل/نيسان الماضي، إذ خرج السيسي بعدها في “مؤتمر الشباب” الذي عقد الشهر التالي بفندق “الماسة” التابع للجيش، رافضا توجيه الاتهام له بذلك، بالقول “لا يجب أن نأكل رجالنا“.

فساد مدبولي في الإسكان

ويتهم مدبولي بـ”تحويل الدولة لتاجر شققٍ وأراضٍ”، على خلفية استغلال الوزارة في عهده لأراضي الدولة، وبيعها للمستثمرين بأسعار باهظة، لتوظيف ذلك في مشروعات لا تتفق مع الأولويات الاقتصادية للدولة، بما يحمل الموازنة العامة أعباء إضافية، بشكل دفع الحكومة للجوء إلى تخفيض أوجه الدعم الموجهة للفقراء، وإعداد خطة للتحلل منه نهائيا بحلول العام 2022.

كما يتهم بالوقوف وراء ارتفاع أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي، التي تشرف عليها وزارة الإسكان لصالح توجيهها لمحدودي الدخل، بشكل جنوني، ما دفع سعر المتر المربع في مشروع “سكن مصر” إلى ما يزيد على خمسة آلاف جنيه، في حين دخلت الدولة كمنافس للمطورين العقاريين بما تملكه من مواقع مميزة، عبر مشروع “دار مصر”، الذي تجاوز المتر المربع في وحداته السكنية حاجز الثمانية آلاف جنيه.

وعقب عام من توليه منصبه، تورط مدبولي، مع “شركة صبحي حسين للمقاولات”، المسئولة عن تنفيذ 2088 بناية في مشروع الإسكان الاجتماعي بمدينة السادات، في تهديد حياة عشرات الآلاف من البسطاء، بعد تورط الشركة في حشو رقاب الأعمدة الخرسانية والكمرات بقوالب من الطوب، بدلا من الحقن بالخرسانة، وعدم انتظام رأسية الأعمدة بنواصي العمارات، وترحيل أعمدة الأدوار في مناور العمارات، بما يؤثر على نقل الأحمال لأساسات العمارة، ويُهدد بانهيارها.

وأفاد موقع “إسكان مصر”، المتخصص في شئون الإسكان في مصر، بأن قيادات الجهاز المركزي للتعمير التابع لوزارة الإسكان، وعلى رأسهم رئيس الجهاز، اللواء محمد ناصر، متهمون بالتستر على تلك الجريمة، بدلا من إحالة مرتكبيها للنيابة، خاصة مع تكرار كوارث المقاول المسئول عن التنفيذ، والذي صنفته الوزارة فيما بعد ضمن “القائمة السوداء“.

وفي يونيو 2015، كشفت صحيفة “التحرير” الخاصة، النقاب، عن مستندات وصفتها بـ”الخطيرة”، تكشف استيلاء مدبولي، وقيادات في الهيئة العامة للتخطيط العمراني التابعة لوزارته، وفي وزارة المالية، على ملايين الجنيهات، تحت مسميات مختلفة، وهو ما يضع وزير الإسكان آنذاك تحت طائلة القانون، بتهم الاختلاس والإضرار بالمال العام، بحسب المواد (112 و113 و115 و116) من قانون العقوبات.

وتقدمت العشرات من الأسر المصرية البسيطة، ببلاغ جماعي إلى النائب العام، نبيل صادق، تحت رقم 5630 عرائض النائب العام، في 13 مايو الماضي، ضد مدبولي، والرئيس التنفيذي لمشروعات الإسكان الاجتماعي، ورئيس صندوق التمويل العقاري، ورئيس جهاز مدينة السادس من أكتوبر، بصفتهم، لمخالفتهم قرارات التخصيص، والمواصفات، المعلن عنها في مشروع “ابني بيتك“.

وأفاد الشاكون بأنهم تقدموا بأوراقهم للمشروع في شهري يوليو/ ، وأغسطس/ 2015، وتم التخصيص لهم بمنطقة “ابني بيتك 6″، وهي عبارة عن وحدات سكنية في أماكن متفرقة حول بيوت “ابني بيتك” القديمة، التي تعاني في الأصل من الإهمال، وعدم توفر الخدمات الأساسية، وانهيار البنية التحتية، منذ عشر سنوات في غياب تام من المسئولين.

وأضاف الشاكون، في بلاغهم، أن مسؤولي وزارة الإسكان هدفوا من وراء إنشاء تلك الوحدات إخفاء المظهر الخارجي لمنطقة “ابني بيتك” القديمة، خاصة وأنها في الطريق المؤدي لمنطقة “دجلة بالمز” و”سكن مصر”، وغيرها من المناطق الاستثمارية التي تلقى اهتماماً خاصاً من الدولة، من دون النظر لحجم المعاناة التي سيواجهها هؤلاء، من جراء التخصيص لهم بمنطقة تواجه نقصاً في الخدمات، وبنية تحتية غير صالحة للمعيشة الآدمية.

كما تقدم هاني محمد خاطر، وسماح سيد متولي، في 10 مايو/ 2015، ببلاغين إلى النائب العام الراحل، هشام بركات، حملا رقمي 9188 و9187 عرائض النائب العام، ضد مدبولي، بصفته وشخصه، ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة السابق، نبيل عباس، بصفته وشخصه، لاتهامهما باستغلال نفوذهما الوظيفي.

وذكر مقدما البلاغ أن وزارة الإسكان، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، قد أعلنتا في أكتوبر 2014، عن تخصيص وحدات مشروع “دار مصر” للإسكان المتوسط بنظام القرعة العلنية، تحقيقا للشفافية والمساواة، غير أن العمارتين 454 و455 بمنطقة “القرنفل” بضاحية القاهرة الجديدة جرى تخصيص وحداتهما السكنية بالأمر المباشر، من دون إجراء قرعة علنية، وتقعان على ناصية ذات مساحات خضراء شاسعة.

استغلال النفوذ

وأظهرت المستندات تعرض الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وقت أن كان يشغل رئاستها مدبولي، لعمليات واسعة من تبديد أموال الدولة، من جراء استغلال النفوذ، وهي المخالفات التي فتحت بشأنها النيابة الإدارية تحقيقات موسعة، وأرسلت عنها ملفا كاملا إلى مكتب رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، والذي غض الطرف عنها، كونه كان وزيرا للإسكان وقت شغل مدبولي لمنصبه.

وكشفت المستندات صرف سبعة من مسئولي وزارة المالية 27 مليون جنيه “مكافآت وبدلات” نظير انعقاد لجان “وهمية” للعاملين بالهيئة، من بينها مليون و400 ألف جنيه صرفها مدبولي مكافآت لنفسه، بعدما أساء استخدام السلطة، وكون 26 لجنة، إلى جانب 20 لجنة مشكلة بقرارات وزارية، بمجموع 46 لجنة، لتوسيع قاعدة المستفيدين من تلك البدلات، من المقربين إليه، حسب تحقيقات النيابة الإدارية.

وعُين مدبولي رئيسا لمجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، خلال حقبة وزير الإسكان السابق، أحمد المغربي، الذي واجه اتهامات بالفساد والتربح غير المشروع، وبيع أراضي الدولة في مدينة الغردقة السياحية بسعر دولار واحد للمتر المربع، قبل أن تقضي محكمة جنايات الجيزة المصرية ببراءته في ديسمبر الماضي.

كذلك، نشر موقع “إسكان نيوز” الإخباري حلقات عدة في وقت سابق، عن ملف فساد الشركات التابعة لوزارة الإسكان، والتي يستحوذ على مجلس إدارتها مجموعة من المقربين لمدبولي، وعلى رأسهم راندة المنشاوي، وخالد عباس، وعلي فياض، ومحمد الألفي، ويحصلون فيها على بدلات ومكافآت تعادل رواتب العشرات من قيادات الوزارة.

وكلف مدبولي بحقيبة الإسكان والمرافق في فبراير 2014، في الحكومة التي ترأسها إبراهيم محلب، واستمر في منصبه خلال فترة تولي شريف إسماعيل لرئاسة الحكومة. ويبلغ من العمر 52 عاما، وشغل منصب المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2012 إلى فبراير/شباط 2014، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، في الفترة من سبتمبر/أيلول 2009 حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

كما انتدب لمنصب رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، خلال الفترة من أبريل/ 2008 إلى سبتمبر/ 2009، وعُين نائبا لرئيس مجلس إدارة الهيئة، في الفترة من أكتوبر/ 2007 إلى أبريل/ 2008، فضلا عن شغله منصب المدير التنفيذي لمعهد التدريب والدراسات الحضرية بالوزارة، في الفترة من يناير 2000 إلى يونيو 2004.

وحصل مدبولي على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية (تخصص تخطيط مدن) من كلية الهندسة -جامعة القاهرة في العام 1997، ودبلوم الدراسات المتقدمة في مجال التخطيط العمراني وإدارة العمران من معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية (روتردام – هولندا) في العام 1993، وعمل كاستشاري للعديد من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، ومنظمة العمل الدولية، وهيئة التعاون الفني الكورية لوضع سياسات الإسكان والتخطيط.