الفقر والفساد يردان على خرف الانقلابيين بأن “الشعب ادلع كتير”!

- ‎فيتقارير

لم تمر أسابيع على انقلاب عبد الفتاح السيسي العسكري على الرئيس محمد مرسي، حتى وقف منتشيا بانقلابه متوعدا الشعب المصري بالفقر، ويظهر عما في قلبه ناحية هذا الشعب الذي طحنه بغلاء الأسعار وارتفاع فواتير الكهرباء والمواصلات والوقود والطعام.

من “يحنو عليه” إلى “ادلع كثير”

لم يخجل السيسي الذي قال يوما إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، من أن يقول: “أنا معرفش حاجة اسمها ببلاش، ولازم يا مصريين تتعودوا “تاخد خدمة تدفع تمنها”، ثم يزيد قائلا: “الشعب ادلع كثير ولازم يتفطم”، ومنذ ذلكاليوم لم يجد الشعب المصري طريقا سوى الفطام عن الطعام والشراب والمسكن والملبس.

إلا أن الأخطر أن رموز الانقلاب العسكري ومنظريه جعلوا من عبارة السيسي شعارا لهم، يرفعونه في وجه كل جائع يتألم من الجوع، ليشعر المواطن أن ما كان يعيشه في ظل دول العسكر بدءا من عهد عبد الناصر وحتى مبارك، كانت فترة من الرفاهية آن الأوان لتنتهي بعد أن حل الخراب للبلاد نتيجة هذا الدلال الذي كان يدلله الرؤساء السابقين للشعب المصري.

ومن بين هؤلاء الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، وسكرتير حسني مبارك، الذي دائما ما يبرر القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الانقلاب بأنها قرارات صعبة ولكنها ضرورية، معتبرا أن طريق الجوع هو الطريق الصحيح.

وفي المحاضرة، التي ألقاها مساء أمس الإثنين في المركز الثقافي المصري في لندن، عن “المرحلة الثقافية الجديدة لمصر ودور مكتبة الإسكندرية” قال الفقي: “الشعب المصري كان مدللا على مدى ثمانية عقود بسبب سياسات الدعم المتبعة، وحان الوقت أن نتخذ قرارات اقتصادية صعبة لأنه ليس من المقبول على مصر أن تستمر في الاعتماد على القروض من المؤسسات الدولية والدول الصديقة”.

30 عاما من الفقر

وتناسى رموز الانقلاب العسكري الذي يتهمون الشعب المصري بأنه مدلل، حصائد الفساد في دولة مبارك، التي انتشر فيها الفساد والفقر، فلن نتحدث عن الفقر في زمن عبد الناصر نظرا للحروب التي خاضها وجعل منها مبررا لإفقار المصريين تحت شعارات وهمية، كما لم نتكلم عن الفقر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات نظرا لتسليح الجيش والتركيز في معركة العبور ونصر 6 أكتوبر.

ولكن سنكتفي في هذا التقرير بالحديث عن دولة الفقر في عهد حسني مبارك، والتي كان ختامها ثورة أطاحت به نتيجة انتشار الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، لننظر للشعب المدلل الذي يتحدث عنه نظام السيسي، مع الوضع في الاعتبار أن الوضع منذ 2013 حتى الآن أسوأ بمراحل مما كان عليه خلال عهد المخلوع مبارك.

تحت خط الفقر

20 مليون مصري، تحت خط الفقر، يعيشون بدولارين يوميا، أو أقل، 12 مليون يعيشون في مدن الصفيح، أو العشوائيات، 22 مليون أمّي لا يعرفون القراءة والكتابة، 800 مليار جنيه مجموع الديون الخارجية والداخلية. هذا هو حال مصر باختصار خلال عهد مبارك الطويل.

كان الفقر والبطالة، وانتشار الأوبئة، وغياب السكن، وهو المناخ الذي يسود في المناطق والأحياء الشعبية، وتحديدا في العشوائيات التي شاهد الملايين، بعض صورها، المهربة عبر السينما، في أفلام خالد يوسف أحد رموز الانقلاب حاليا.

معارك لقمة العيش

كانت الأحياء الفقيرة، يشكل البحث فيها عن الخبز معركة يومية، كما أن 16 % من الأطفال في هذه المناطق، حسب تقديرات رسمية، يعانون من سوء التغذية، والآباء عاجزون عن توفير مناصب شغل دائمة، وإن وفروها فدخلها الشهري لا يزيد عن 200 جنيه مصري شهريا، حتى موظف الحكومة كان يتقاضى 300 جنيه في معظم الحالات !

الكاتب البريطاني المعروف، روبرت فيسك، زار القاهرة، وأحياءها الفقيرة قبل أشهر قليلة من ثورة يناير، وكتب قائلا: “حالة المصريين في صيف القاهرة الحار، وتحديدا من حي بولاق الدكرور واحد من أشهر الأحياء الفقيرة حيث ترتفع درجات الحرارة في القاهرة إلى 47 درجة مما أدى لجفاف مياه المجاري تاركة وراءها بقعة سوداء نتنة، تشبه حالة العراقيين أثناء الحصار الدولي عليهم والذي أمل الغرب أنه سيكون أداة ضغط عليهم للتخلص من صدام حسين، لكن المصريين قلقون من مخاطر أي انتفاضة ضد النظام ويريدون حماية عائلاتهم من الفقر أكثر من تعنت النظام”.

انتشار الفساد

في مقابل هذا الفقر المتوحش، تزايد الفساد ليعم كل أركان الدولة، حيث يقول، الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق وقتها، إن الفساد أصبح يشكل ما بين 15 و17 %، من الناتج المحلي في مصر حسب تقديرات عام 2005، ومع تزايد نفوذ رجال الأعمال وأنشطة الفساد توقع عبد الخالق أن يفوق الفساد هذه النسبة.

كما تراجع ترتيب مصر وفقا لمؤشر الشفافية العالمي لعام 2009، إلى 8,2 درجة، بعد أن كان 4,3 درجات في 2005، وذلك بسبب تفشي الفساد في أجهزة الدولة بأشكال متعددة.

قضية فساد كل دقيقتين

قالها زكريا عزمي للشعب المصري المقهور من على منصة برلمان الحزب الوطني، ولم يقلها زكريا عزمي لحسني مبارك الذي كان يدير مكتبه وقتها ويعد له التقارير اليومية عن حالة الشعب المصري.

كما أن تقرير هيئة الرقابة الإدارية لعام 2003، جاء فيه أن حجم قضايا الفساد المالي والإداري لذلك العام بلغ 2,63 ألف قضية فساد بواقع 211 قضية في اليوم، أي 35 قضية في الساعة، قضية فساد كل دقيقتين، بالإضافة لهذا، فإن هناك 100 مسؤول بدرجة وكيل وزارة قاموا باستغلال نفوذهم!

ولو أسقطت هذه الأرقام على كل عام مر على حكم مبارك، لأصبحت قضايا الفساد أكثر من مليون و500 ألف قضية، وهو الأمر الذي جعل تقرير البنك الدولي لعام 1999 يضع مصر في المركز السادس على مستوى العالم من حيث انتشار الفساد.

تهريب الأموال بالجملة

وبلغ إجمالي الأموال التي استولى عليها رجال الأعمال، والتي تم تهريبها إلى خارج البلاد في عهد مبارك، حسب تقديرات رسمية، 42 مليار جنيه، حسب التقديرات الرسمية و60 مليار جنيه حسب التقديرات غير الرسمية، أي ما يوازي 9 مليارات و13 مليار دولار بما يعادل ثلث الدين الخارجي لمصر البالغ 31 مليار دولار. ناهيك عن حجم التهرب الضريبي، الذي بلغ 8,7 مليار جنيه بشهادة وزير المالية آنذاك، وكشفت التقارير والدراسات الرسمية، عن أن هذه الأموال ضاعت على البلاد بسبب السياسات الإدارية والمالية السيئة لكبار المسؤولين، الذين قاموا بإقراض رجال الأعمال دون ضمانات كافية.