قبل شيطنة الضحية لصالح الجلاد.. ماذا تعرف عن التعذيب في السجون؟

- ‎فيتقارير

ربما يجهل الكثير أحوال آلاف المعتقلين، في سجون الانقلاب، فيجلس في غرفته المكيفة ليتحدث عن أخطاء الثورة التي اختطفها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، أو يكرر أسطوانة أخطاء جماعة الإخوان المسلمين، ليبرر صمته تجاه الانتهاكات والجرائم اليومية التي تحدث في السجون والمعتقلات، ويحمل الضحية التي يتم تعذيبها في هذه السجون، مسئولية اختطاف الثورة، حتى تصل مبررات البعض تجاه هذا الصمت، إلى حالة انتقامية تدين الضحية وتشرعن لانتهاكات الجلاد.

لا يتصور أحدنا أوضاع المعتقلين في سجون الانقلاب، رغم مئات الأخبار التي تتحدث يوميا عن حالات الوفاة التي تحدث نتيجة التعذيب في السجون، أو انتزاع الاعترافات أو وسائل العقاب التي يتعامل بها الجلادون مع المعتقلين لهزيمتهم نفسيا، أو الإهانات التي يتعرض لها ذوو المعتقلين خلال زيارتهم في السجون، وعلى رأسهم الرئيس المختطف الدكتور محمد مرسي، أو الأمراض التي تنتشر بين المعتقلين نتيجة الإهمال الطبي، أو حالات الاختناق والوفاة التي تحدث نتيجة تكدسهم فوق بعضهم، في ظل ارتفاع درجات الحرارة بفصل الصيف، أو الكثير من الناتهاكات التي تحدث تحت مرأة وسمع وبصر الملايين من البشر في العالم أجمع، دون أن يحرك أحد ساكنا.

ولكي تتصور ما يواجهه المعتقلون من خلال آلاف الشهادات التي أدلى بها المعتقلون السياسيون على اختلاف توجهاتهم الفكرية، وعلى مر عصور من التعذيب، قمنا بجمع هذا الميراث الذي رصد كيف يتم معاملة المعتقلين سياسيا، قبل أن توجه لهم أصابع اتهامك، وتشارك في جلدهم، في الوقت الذي تتحول فيه أخطاء المظلوم إن كان حقا مخطئا لجريمة تعاقبه عليها أناء الليل وأطراف النهار.

كيف تنتزع اعترافا من السجين؟

ما يدور من تعذيب داخل السجون هدفه كسر المعتقل ودفعه إلى الانهيار عبر عملية التحقيق، كي يقبل ويقتنع بكل ما يقوله المحقق، ثم يوقّع طواعية على جرائم لم يرتكبها.

يقول تقرير حقوقي منشور على مدونات الجزيرة نت، إن الوصول لمرحلة الاعتراف تلك، تدفع المحقق لابتكار شتى الأساليب للوصول إليها، فالسجين، وقبل وصوله لمحبسه، تبدأ رحلته بالتعرض للمهانة والصفع والضرب المبرح والسياط والهروات، كي تنهار إرادته، حيث يكون المعتقل حينها مجردا، لا يحمل معه سوى إرادته، فجسده مستباح، وإن لم تنتصر إرادته وتصمد، فقد خسر المعركة.

بدأ الرحلة نحو التحقيق عندما يتم “تكبيل المعتقل ب”الكلبش” لحظة الاعتقال، ويداه خلف ظهره، وتُغمى عينه بحيث لا يتمكن من رؤية شيء، وينتقل تحت وابل من الضرب والشتم والإهانة إلى فرع الأمن، وهناك يسلم ما يملك من أوراق ونقود، وساعة يد، وبطاقة هوية، ويُنقل إلى الزنزانة عبر جندي مختص إلى أقبية التحقيق، حيث يبدأ التعذيب.

يمكث المعتقل في أجواء التحقيق أو في الزنازين أسابيع أو شهورا، هذه الفترة تشكل ضغطا شديدا على نفسيته وأعصابه، ففي كل صباح يحضر المحققون، ومع حضورهم تصفق الأبواب وتفتح وتغلق، ويظهر جندي وسجان من خلف الباب وينادي المطلوبين للتحقيق، وفي أروقة غرف التحقيق نفسها يكون الجو مشحونا بالترقب والحذر والخوف، في كل لحظة يشعر الأسير أنه سيكون المطلوب وهذا القلق يضغط على الأعصاب”.

أساليب التحقيق

يستخدم المحقق ذلك الأسلوب في حالة أنه لا يملك معلومات أكيدة حول موضوع معين أو تهمة يريد إلصاقها بالسجين، لكنه يشك فقط في السجين بسبب توقعات غير مؤكدة، حينها، يقوم بجمع أكبر قدر من المعلومات حتى لو كانت ذات طبيعة عامة، عن طريق المرشدين والمخبرين، أو عن طريق حالات سابقة شبيهة بحالة السجين المعرض للتحقيق، ثم يعمد المحقق إلى تركيب صورة معينة، صورة افتراضية يرسمها المحقق بمخيلته عن طريق أجزاء متناثرة من المعلومات الافتراضية التي يسعى إلى تجميعها وتوثيقها عن طريق الأسئلة المباشرة وغير المباشرة التي يوجهها للمعتقل.

هكذا، ينتقل المحقق من سؤال إلى سؤال، ومن إجابة إلى أخرى لتوضيح الصورة أكثر، فالأسلوب الافتراضي في التحقيق “يقوم على إتقان لعبة ماكرة من الخداع والمراوغة والإيهام بمعرفة كل شيء، وهنا، تبرز قدرة المعتقل وذكاؤه في فهم تلك اللعبة وتجنب منزلقاتها، أما إذا اقتنع أن المحقق يعرف كل شيء، فهو يقوم بالاعتراف بكل شيء وإثبات التهم على نفسه وتعريض نفسه لمزيد من التعذيب والسجن والانزلاق في مزيد من الاعترافات”.

وأهم عنصر في أسلوب التحقيق الافتراضي هو “زرع الشك في نفس الأسير والعمل على إفقاده الثقة بزملائه، عن طريق توظيف هذه المعلومات ليظن أن زملاءه قد باعوه لجهاز الأمن”.

تغطية عين المعتقل

يأمر المحقق بتغمية السجين بكيس قماشي أسود لا يسمح للضوء بالدخول من خلاله، ومع مرور الوقت يفقد المعتقل إحساسه بالوقت، ويحيا في زمنه الداخلي الذي تمر الدقائق خلاله كأنها ساعات، وتتوقف حينها كل الحواس عن العمل، وتنشط حاسة السمع، فيسمع المعتقل أصوات الصراخ والتعذيب وأصوات الأبواب الحديدية، وأصوات الضرب والتهديدات والتنهيدات، وآهات المعذبين وأنين المنهكين، ويشعر المسجون بعزلة وانفصال رهيب عن العالم، ثم يتلقى الركلات والصفعات كل فترة، فيظل يفكر متى ستأتيني الركلة والصفعة القادمة، فيزيد توتره، ومع الوقت يشعر المسجون بالاختناق وصعوبة في التنفس وضيق في الصدر، وقد يستمر وضع الغماية على الرأس والوجه لأيام وأسابيع.

بعد مدة، إن لم يحرك المسجون الغماية ليستطيع أن يرى أو يتنفس، سينهار، وحينها سيتقبل أي شيء يقوله المحقق كي يتخلص من هذا العذاب، لكن الصبر والاحتمال ومقاومة الغماية بمحاولة تحريكها، قد يساعد السجين في التحمل.

التشكيك

أسلوب التشكيك هو نوع من لعب الخداع “التي يمارسها حاو ماهر يحاول من خلالها تجميع جزيئات صغيرة صحيحة ليقدم حقيقة كاذبة، ليخدع عقل السجين وتهتز شخصيته”، وكلما وجد المحقق استجابة شعورية ونفسية من السجين، يزيد من خداعه وألاعيبه اللفظية وأكاذيبه وحكاياته ليأخذ من السجين ما يريده.

الابتزاز بإحضار الأهل

من الوسائل التي يستخدمها الضابط إن فشل في إخضاع المعتقل أو دفعه إلى الاعتراف والانهيار، هي مسألة تهديده بإحضار أهله إلى السجن (زوجته، ابنته، أخته، أمه، خطيبته)، وهي مسألة تمثل نقطة ضعف لأي إنسان، فالضابط يستغل حساسية هذا الأمر، ويهدد السجين بشرفه وعرضه وسمعته، وأمام هذا التهديد يقف السجين عاجزا، ما بين إرادته وثباته ورفضه لما يمليه عليه المحقق، وبين الخوف من تعرض أهله للأذى، وكم تعرضت نساء في السجون العربية للاغتصاب والأذى والتعذيب.

الإيهام بالقتل

يعتمد هذا الأسلوب على التعذيب بالصعق الكهربائي بشكل أساسي، وإن صحبته وسائل أخرى بشعة مثل إطفاء السجائر في جسد السجين، ووضع أصابعه عند مفصل الباب الحديدي، ووضع رأسه في كيس ووضع قطة أو فأر داخله ثم بدأ الضرب فتنهش القطة في جسد السجين.

أما عند صعق المعتقل بما يسمى “المنفلة”، وهي عبارة عن مولد كهربائي يخرج منه طرفان، فيقوم الضابط بوضع طرف في العضو الذكري للسجين والطرف الآخر في أحد أصابع قدمه، “والمعتقل نائم على ظهره على الأرض عاريا موثق اليدين من الخلف وموثق القدمين، ثم يقوم الضابط بإدارة ذراع في المولد فتتولد منه الكهرباء، وعلى قدر سرعة إدارة الذراع على قدر قوة الكهرباء المنبعثة منه، ثم يستريح ويطلب منه عدم الإنكار كي ينقذ حياته، فإذا أصر السجين على الإنكار، يزيد الضابط لهجة التهديد بأنه سيقتله، ويتخلص منه”.

التحقير والإذلال

يحاول المحقق أن يحطم نفسية المعتقل وأن يغرس المذلة في قلبه وأن يهز قناعاته فيعمد إلى إهانته وتحقير أفكاره وإشعاره أنه شيء حقير لا قيمة له، “ويحاول المحقق أن يهين المعتقل بالبصق عليه أو حلق شعر رأسه أو وجهه، أو حلق جزء وترك جزء، وقد يطلب منه أن يمشي مقلدا الكلب أو أن يمشي على أربع”.