تخيل أن تجد مسئولا عن إعالة أسرة كاملة، أو حتى تعول نفسك فقط، وتبذل يوميًا في مهنتك الوظيفية قصارى جهدك بمنتهى الشرف والإخلاص، وفجأة وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية طاحنة غير مسبوقة، تجد جهة عملك تستغنى عن خدماتك في لحظات خاطفة بمنتهى الدم البارد، دون أي سابق إنذار، ودون مراعاة لأى اعتبارات مهنية أو إنسانية.
هذه الجملة لم يكتبها محرر في موقع رافض للانقلاب؛ بل كتبها العميد محمد سمير، المتحدث السابق باسم العسكر، معلقا على تسريح مئات بل آلاف العاملين بالقنوات الفضائية التي عملت في بلاط السيسي، ثم انقلب عليها كعادته، إيمانا منه بأن الإعلام هو مادة مسمومة تهدد حلوق العسكر وتزلزل الكراسي من تحت عروشهم.
وبالتالي كان الأوجب أن يتم إغلاقها سواء كانت معه أو ضده، واكتفى السيسي أن يخرج للشعب المصري للتحدث معهم، انطلاقا من شعاره المعروف: ” ماتسمعوش كلام حد غيري”، خاصة وأن أعلن عن كراهيته للإعلام في مرات عديدة.
إلا أن الأهم هو خروج مسئول سابق بحجم العميد محمد سمير، للتعليق على الأزمة، في مقال نشرته صحيفة “فيتو” الانقلابية.
وقالت مصادر في تصريحات خاصة لـ “الحرية والعدالة” إن المقال الذي كتبه محمد سمير، تسبب له في أزمة كبيرة، أدت لإبعاده تماما عن الملف الإعلامي.
تصرف أحمق
وقال “سمير” في مقاله: “عندما تشكو أو تبدى استياء مشروعًا من هذا التصرف الأحمق اللا آدمى الذي يقطع عنك مصدر رزقك الوحيد الذي لا تملك غيره، تجد ردودًا متعجرفة وجاهلة، تدلك دلالة تامة عن مدى غلظة القلوب، وضيق الأفق، وعمى البصيرة الذي يتمتع به نفر من الناس، هم أول من يعلم أنهم لولا المصالح المشتركة التي تجمعهم مع (فلان بيه) ما كان يمكن أبدًا أن يكونوا في المناصب المؤسسية التي أنعم عليهم بها مؤخرًا، وهم بكل تأكيد لا يستحقونها”.
وسرح العميد سمير بخياله، وواصل الضرب من تحت الحزام قائلا: “ولكنها لعبة المصالح يا عزيزى التي أوصلت ممارستها البغيضة حال الإعلام في بلادنا إلى أن يصبح أكبر (صفر) في حياتنا، والنموذج الأفشل على الإطلاق بشهادة جميع المتخصصين النابهين، وبشهادة جموع المواطنين.. والدولة تعلم بالطبع عن طريق قياس الرأى العام بالأسلوب العلمى الصحيح حالة الاستياء الشديدة وفقدان الثقة المطلق من المواطن تجاه وسائل الإعلام الداخلية المختلفة”.
واعتبر سمير أن سبب الفشل هو إسناد الملفات إلى غير ذى خبرة، أو إلى أشخاص محدودي الإمكانيات والقدرات، أو ما كان يسمى بعد ثورة يوليو أهل الثقة أو الحظوة أو من تربطهم علاقة بشخصيات نافذة، فقد رأينا قديما وحديثا من يسند إليهم ملف الإعلام، وهم أبعد الناس عنه، أو لأنهم يتمتعون بعلاقات بعينها مع أشخاص بعينهم، دون أن تكون لديهم المهارات والقدرات المطلوبة في هذا الأمر، ثم نبكى على اللبن المسكوب ونتساءل: لماذا فشل الإعلام في تحمل مسئولياته؟!!.
ضرب تحت الحزام
واعتبر معلقون على مقال سمير، أن ما قاله هو ضرب في أساس حكم العسكر، حينما انتقد ثورة يوليو وهاج في حديثه نظرية “أهل الثقة”، التي يعتمد عليها العسكر في تعييناتهم.
وأكد سمير أن المقدمات والممارسات توحى دائمًا بالنهايات.. لذا كانت النتائج مروعة، فلقد تسبب البعض للأسف الشديد بممارساته اللا مسئولة في تدمير أخلاقيات المهنة، فغابت عن عمد معايير الكفاءة والاحتراف، وحل محلها معايير النفاق والتزلف والرياء، وأصبح عدد كبير ممن يعملون في المجال على قناعة تامة بأنه مهما بلغت درجة فشلك، وتواضع إمكانياتك المهنية، فإنه يمكنك بكلمة من فلان أو علان أن تعمل في التليفزيون والإذاعة والصحافة في توقيت واحد (والأمثلة حولنا كثيرة).
ليمثل كلام سمير مفاجأة من العيار الثقيل، طرحت عدة أسئلة حول تفسير هذا الهجوم غير المسبوق من عسكري ضد نظام ينتمي إليه، خاصة حينما ذهب لأبعد من ذلك وقال: “مهما بلغت درجة كفاءتك ومهاراتك ولم تكن من (شلة فلان أو حوارييه أومنافقيه) تستبعد من كل مكان، وسيتم محاصرتك وخنقك وظيفيا واجتماعيا”.
في الوقت الذي بدأ العميد سمير يرتدي ثوبا إصلاحيا جديدا، من خلال تلميعه في برنامج الداعية الذي ينتجه عمرو خالد وعلي جمعة، وظهر خلاله بشكل جديد، أقرب إلى النموذج الإسلامي.
تلميع للعسكر أم انقلاب داخلي؟
كما أثار هذا المقال الذي كتبه المتحدث العسكري السابق أسئلة، لم تخل في أغلبها من سوء الظن في صاحبها، حيث اعتبر بعض المعلقين لـ “الحرية والعدالة”أن هناك محاولة لتلميع قيادات الجيش وضباطه، بعد الإساءة إليهم، وتصدير صورة سلبية عنهم خلال مدة الانقلاب التي بدأت منذ 5 سنوات ومازلت مستمرة حتى الآن، وحصد منها ضباط الجيش آلاف حالات السخرية من تصريحاتهم وأقوالهم الساذجة.
وهو الأمر الذي يرى البعض أنه هناك محاولة إخراج جديدة لضباط الجيش، من أجل تصحيح الصورة وتحويلها بشكل إيجابي بعد أن دموتها صورة عبد العاطي كفتة.
ودللوا على ذلك بخروج لواء بحجم اللواء حمدي بخيت للظهور في اتصال هاتفي على قناة مكملين، للتعليق على فيلم “المسافة صفر” الذي أنتجته قناة “الجزيرة”.
واعتبر البعض أن هناك أشياء يعجز العقل عن تفسيرها في دولة الانقلاب، خاصة وأن ممارسات دولة المخابرات التي يديرها عبد الفتاح السيسي وتقوم على الخداع، علمت المصريين الدرس، إلا أن المستقبل ربما يكشف الكثير من الأسرار، حول موقف كثير من الضباط الذين أكدت مصادر أن هناك حالة من الضيق فيما بينهم من ممارسات السيسي، في حين ربما تحمل الأيام القادمة الكشف عن مزيد من الأسرار في دولة الانقلاب التي تخرج فيها كل النتائج عن التوقعات.