يضرب قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، أروع الأمثلة في تعذيب المصريين داخل وخارج السجون، إلا أن الأمر يشتد ألما في المعتقلات، بعد أن زكمت انتهاكات السيسي ونظامه الأنوف، ووصلت لمسامع العالم، حتى أن آخر تقرير أعده حقوقيون بريطانيون ووثقوا في ٢٦٩ صفحة الانتهاكات الحقوقية في مصر، وأعلنوا ملخصه بأن مصر تعيش حاليا حالة من “العدالة الغائبة”، في ظل سطوة السلطات الأمنية والعسكرية وتغولها على القضاء، إضافة لتهاوي منظومة العدالة والقضاء.
ولم يذكر التاريخ المصري، نماذج من التعذيب كالتي شهدها العصر الحالي على مدار خمس سنوات من انقلاب السيسي، والتي أصبحت امتدادا للتعذيب في سجون عبد الناصر، على يد ضباط المخابرات الحربية.
وحذرت مئات المراكز والمنظمات الحقوقية من تدهور الأوضاع الإنسانية في مصر، بما يهدد بكارثة إنسانية، كنتيجة طبيعية لتوسع عسكرة السياسة، والفشل في إيجاد حلول سلمية وجذرية لنزاعات المنطقة الداخلية والدولية، وتجدد مشروعات الحكم السلطوي منذ تأزم ثورات الربيع العربي.
وافتقد نظام السيسي بعد الفاشية التي حكم بها معارضيه ومؤيديه، لشعبيته المزعومة، ووصلت لهجوم بعض مؤيدي الانقلاب، لعبد الفتاح السيسي، ووصفه بالفاشي.
وكان من بين المهاجمين الكاتب والأديب علاء الأسواني، الذي قارن في بحث مطول بين عصور التعذيب التي تعيشها مصر في حقبة الحكم العسكري، والمعاملة في سجون الملك فاروق والاحتلال الإنجليزي.

سجون الاحتلال البريطاني
وقال الأسواني خلال بحثه إن أباه الأديب الراحل عباس الأسواني، تم اعتقاله مرات عديدة لمعارضته للاحتلال البريطاني فتم اعتقاله بشكل متكرر، وحكت له جدته انها كانت دائما تستقبل الضابط الذي يأتي لاعتقال أبيه في حجرة الجلوس في الدور الأول، وترجوه أن يلتزم الهدوء حتى توقظ أبي بغير أن تفزع أخوته، والضابط كان يستجيب إلى طلبها بل ويعتذر لأبيه لأنه ينفذ التعليمات، ومع ذلك لم يتعرض للتعذيب قط بل وعادة ما كان يقضى الليلة الأولى في مكتب مأمور القسم يتسامر مع الضباط الساهرين الذين كانوا يخاطبونه بلقب “الأستاذ عباس”.
وأضاف الأسواني: “عندما اعتقل أبي بتهمة ملفقة هي الاشتراك في حريق القاهرة وظل مسجونا لشهور في سجن الأجانب لم يتعرض للتعذيب مطلقا؛ بل انه اشترك مع زملائه المعتقلين في مباريات كرة قدم وقدمواعروضا مسرحية وكان الطعام الساخن يأتيه يوميا من البيت، وأحيانا من باب التغيير كان يطلب الطعام من مطعم جروبي الشهير بالاضافة إلى سجائره المفضلة من نوع “لاكي سترايك “.
نفس المعاملة الإنسانية تحدث عنها أنور السادات عندما كان مسجونا عام 1946 أثناء محاكمته بتهمة الاشتراك في اغتيال أمين عثمان (وزير المالية في حكومة الوفد) يشكو السادات في مذكراته من حادثتين اعتبرهما انتهاكا صارخا لحقوقه: أولا عندما تأخرت إدارة السجن في تسليمه حقيبته الشخصية مما أدى إلى عدم حلاقة ذقنه وغسيل أسنانه، والواقعة الأخرى عندما أيقظه مأمور السجن أثناء الليل وأخرجه في الفناء لمواجهته مع بعض المتهمين وكان الجو باردا لدرجة قد تؤذي صحته. عدا ذلك كان أنور السادات مثل أبي الراحل يطلب طعامه من أفخر مطاعم القاهرة وقد أصدر مع زملائه المساجين مجلة وزعوها في السجن وقدموا عرضا مسرحيا قام فيه السادات بدور هارون الرشيد”.
التعذيب قرين العسكر
وتابع: “هكذا كانت الدولة المصرية تعامل المعتقلين السياسيين حتى استولى العسكريون على حكم مصر عام 1952، فسيطرت المخابرات الحربية على المعتقلات وبدأ التعذيب بالكهرباء والكلاب البوليسية والضرب والتعليق وهتك الأعراض وقد أدى هذا القمع الوحشي إلى قتل كثيرين من أبرزهم المناضل، خريج جامعة كامبردج ، شهدي عطيه الشافعي الذى مات من التعذيب عام 1960”.
وأكد الأسواني أن “عبد الناصر المؤسس الأول لآلة القمع الجبارة التي سحقت معارضيه من كل الاتجاهات السياسية، ولم تتوقف آلة القمع يوما واحدا، على أن القمع في عهد السيسي هو الأسوأ في تاريخ مصر فالتقديرات تتراوح بين 40 و100 ألف معتقل تحت الحبس الاحتياطي لمدد مفتوحة أو يحاكمهم النظام بتهم مطاطة وهمية مثل نشر أخبار كاذبة والحض على كراهية الدولة”.

أقذر جرائم السيسي
وأشار إلى عشرات التقارير من المنظمات المستقلة الدولية والمحلية تؤكد التعذيب البشع الذى يتعرض له المعتقلون في مصر، مضيفا أن “جريمة هؤلاء المعتقلين الوحيدة انهم معارضون للسيسي أو أنهم غير معجبين بعبقريته ونبوغه”. واستعرض الأسواني حالة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (66 عاما) يتعرض للموت البطيء لأنه يحتاج إلى رعاية طبية بعد إصابته بالذبحة الصدرية لدرجة أنه لم يستطع الوقوف أمام القاضي الذي سمح له بالجلوس ورغم ذلك جدد حبسه لمدة 45 يوما ورفض احالته إلى المستشفى، مؤكدا أن هذه جريمة شروع في قتل يرتكبها نظام السيسي ضد معتقلين كثيرين فيحرمهم من حقهم في العلاج، إضافة إلى ذلك الإهانة والضرب والتعذيب والحبس الانفرادي غير القانوني.
وأكد أن ما يحدث في سجون السيسي جريمة ضد الانسانية ووصمة عار ستظل تلاحق المسؤولين في النظام وكل من يسكت على هذا الاجرام، موضحا أن في مصر شيء اسمه مجلس حقوق الانسان يعين النظام أعضاءه ويمنحهم مرتبات مجزية وهم للأسف لا يفعلون شيئا جديا لايقاف جرائم النظام في حق المعتقلين.
وأشار إلى أن إعلام السيسي التابع للمخابرات يؤكد أن آلاف المعتقلين إرهابيون ولذلك فهم بلا حقوق، موضحا أن هذه النظرية الفاشية تتجاهل عدة حقائق هي: أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته وأن حقوق السجناء في الدول المتحضرة لا تتأثر بالتهم الموجهة اليهم، كما أن هناك فرقا كبيرا بين الدولة والعصابة فالدولة تنفذ
القانون ضد مرتكبي الجرائم أما العصابة فهى ترد على الجرائم بجرائم مثلها.
أحوال دولة القمع
وكانت تقارير حقوقية كشفت حقيقة الأوضاع الإنسانية في مصر، في ظل دولة القمع التي يشرف عليها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، والانتهاكات اليومية التي تحدث في السجون والمعتقلات المصرية على مدار خمس سنوات من الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
واتهمت مراكز حقوقية دولة الانقلاب المصرية بأنها وجهت جزءًا كبيرًا من أدواتها اﻷمنية ووسائلها التشريعية، في مواجهة القوى السياسية والمدنية السلمية. وأوضح أن الظروف المروعة لوضعية حقوق الإنسان في مصر تعتبر جزءا من سياسة منهجية للإجهاز على القوى السياسية والمدنية التي ظهرت قبل وبعد ثورة يناير 2011، واستبعاد أي احتمال للتعبئة السياسية والاجتماعية مجددًا.
وأضافت: “وفر سياق مكافحة الإرهاب، ذريعة للحكومة لفرض إجراءات قانونية واسعة الصلاحيات، تتجاوز هدفها المعلن، ويجري توظيفها في التنكيل بالمعارضة السلمية، ونشطاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة بدلاً من استهداف الإرهابيين الحقيقيين”.
وأشارت إلى الإدانات المتكررة للانتهاكات التي تقوم بها سلطات الانقلاب بشكل متكرر، وعدم جدوى هذه الإدانات من جانب خبراء ولجان حقوق اﻹنسان في اﻷمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق اﻹنسان في اﻷمم المتحدة. ومع ذلك، لم يمنع استمرار القبضة الأمنية المقاومة السلمية والاحتجاجية، وإن كانت على نطاقات ضيقة، ممثلة في جماعات سياسية ومهنية واجتماعية ودينية مختلفة في مصر.