قانون جديد للعمل الأهلي بمسحة رضا من الإدارة الأمريكية، وهو في الواقع تعديل لمشروع قانونٍ كان السيسي سيؤمم بموجبه أنشطة منظمات العمل الأهلي، حتى تلك التي تعمل تحت المظلة والدعم الأمريكيين، إلا أن عبد الفتاح السيسي رضخ للضغوط الأمريكية، وأعلن خلال المنتدى العالمي للشباب، العام الماضي، عن توجيه الحكومة لتعديل التشريعات المثيرة للجدل.
وأول أمس الأربعاء، وافقت حكومة الانقلاب خلال اجتماعها الأسبوعي على المسودة الأخيرة لمشروع قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي الجديد، بعد الموافقة على خطط استبدال قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية المثير للجدل بعد اعتراض أمريكا وأوروبا عليه، وفق ما جاء في بيان قرارات أمس.
وتوقع مراقبون أن يلغي مشروع القانون المكون من 98 مادة عقوبات السجن بسبب انتهاكاتٍ للقانون، ويقضي بإنشاء هيئة واحدة مكلفة بالإشراف على منظمات المجتمع المدني، فضلا عن تفاصيل أخرى أعلن عنها الشهر الماضي، عقب مشاورات عامة مع عدة منظمات غير حكومية محلية ودولية.

رهينة للأمريكان
وتعديل القانون الذي وضعه ترزية السيسي يعد نموذجًا واضحًا لكيفية تأثير القوى الأجنبية على القرار السياسي في مصر ورهنه للضغوط الأجنبية. وكان قانون الجمعيات الأهلية الصادر في 2017، يفرض قيودًا صارمة على المجتمع المدني المصري، وواجه انتقادات من العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، وكذلك في الصحافة العالمية، وعملت الحكومة على تعديل القانون منذ أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية إحدى مواده في يونيو 2018.
واعتبر متابعون أن هذا هو التنازل الوحيد لسلطة الانقلاب فيما يخص الجمعيات الأهلية، وجاء بسبب ضغوط أمريكيا وتجميدها أجزاء من المعونة العسكرية، وضغوط أوروبا على السيسي لرفع التضييق عن جمعياتهم الأهلية الأجنبية، مقابل حمايتهم ودعمهم له، وليس بسبب رغبة الانقلاب في التخفيف من قيود العمل الأهلي.

التفاف متوقع
وتوقع محللون أن تقوم سلطة الانقلاب بالالتفاف على هذا القانون وتطبيقه فيما له صلة بالأجانب أو الجمعيات الأهلية الخارجية، ولكنه لن يضيف جديدًا في مجال الحريات للمجتمع المدني المصري.
وذكر التقرير الأخير لمنظمة “فريدوم هاوس”، أن مصر من الدول التي لديها تدابير عدائية للمنظمات غير الحكومية، وأن تلك التدابير أخذت في الانتشار في بعض الدول الإفريقية الأخرى، مما ينذر بأوضاع قاتمة مقبلة، بحسب موقع صوت أمريكا.
ومن المتوقع أن يلغي مشروع القانون المكون من 98 مادة عقوبات السجن بسبب انتهاكات للقانون، ويقضي بإنشاء هيئة واحدة مكلفة بالإشراف على منظمات المجتمع المدني، فضلا عن تفاصيل أخرى أعلن عنها الشهر الماضي، عقب مشاورات عامة مع عدة منظمات غير حكومية محلية ودولية.

اعتراضات سابقة
وكان القانون بمثابة النكسة لعمل المنظمات الأهلية في مصر، والعمل على تجريم العمل الأهلي، والتهديد بحبس العاملين فيه.
وتتلخص أهم الانتقادات والاعتراضات على المشروع الجديد؛ بقيامه على مبدأ الهيمنة والوصاية على الجمعيات الأهلية، وفرض قيود على إنشاء وإشهار الجمعيات، وحصرها في الميادين التنموية. كما يعطي المشروع موظفي الشئون الاجتماعية الحق في دخول الجمعية، والتفتيش في أوراقها، والتدخل في إدارتها.
والعائق الأكبر هو شرط ارتباط التمويل الخاص بالجمعيات بموافقة اللجنة التنسيقية المكونة من خمس وزارات، هي: وزارة التضامن، والخارجية، والتعاون الدولي، والداخلية، والعدل، وثلاث جهات هي: هيئة الأمن القومي، والمخابرات العامة سابقا، والبنك المركزي، ومجلس الدولة، وفق المادتين 14 و48.
من جهته، انتقد الباحث القانوني في الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، حسين حسن، مسودة مشروع القانون، وقال: “في كل مرة يتم فيها تعديل القانون يسير من سيئ إلى أسوأ”، مشيرا إلى أن مشروع القانون الحالي “تحاول الدولة فيه ممارسة سلطة مطلقة على عمل منظمات العمل المدني”.
وأكد أن “الأزمة الحقيقية في القانون هي جعل العمل المدني وتمويله كله تحت إشراف ومراقبة وسلطة الجهات الأمنية، مع أنه من المفترض أن هذا مجتمع مدني ومعظمه خيري، ولا تمثل الجمعيات الحقوقية سوى العدد الأقل”، متسائلا: “كيف يغلق المجال العام أمام مئات الجمعيات الخيرية، ويجعلها في دائرة التهم والشبهات، بدلا من تشجيعها وفتح المجال أمامها؟”.
ورَفَضَ نهج الحكومة في وضع مشروع القانون، قائلا: “عندما أقرت الحكومة المسودة لم تأخذ برأي المنظمات والجمعيات، ولا بتوصياتها، وسارت قدما في نهجها، بالتضييق عليها بما يخالف الدستور المصري والاتفاقات الدولية والتوصيات التي قبلتها مصر أمام الأمم المتحدة في العام 2014”.
وهاجم بقوة ما تضمنته التعديلات الجديدة بشأن العقوبات، مشيرا إلى أنها “لا تقتصر على فرض غرامات على المنظمة أو الجمعية، أو حتى إغلاقها، بل هناك عقوبات تصل إلى الحبس”، مضيفا أن الدولة “ترفض مراقبة الجمعيات الأهلية ورصدها أخطاء جهات الإدارة، سواء كانت تتعلق بحقوق السجناء أو المرأة أو الطفل، وأن تنأى بنفسها عن الجهات الأمنية”.