رغم فشل إسماعيل نصر الدين، عضو برلمان العسكر، في جمع النسبة المقررة (خُمس النواب) لتقديم طلب بتعديل نص مادة الدستور، التي تجعل رئاسة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي 6 سنوات بدلا من 4 سنوات تجدد مرة واحدة، إلا أنها تعد المحاولة السادسة في غضون 3 سنوات، التي يحاول فيها نظام الانقلاب طرحها كبالون اختبار.
ولكن المحاولة الأخيرة جددت الجدل حول المادة 226 من الدستور الذي أقره الانقلاب، والتي تعرقل محاولات التمديد والتي لم تتوقف، لذلك تجري مناقشات في الصحف حول استفتاء وهمي لتعديلها.
حيث أثار مشروع تعديل الدستور، المقدم من النائب إسماعيل نصر الدين، تساؤلات عن إمكانية تعديل المادة الخاصة بمدة ولاية السيسي في ظل وجود المادة 226، التي تحظر تعديل النصوص المتعلقة بإعادة الانتخاب.
وأظهرت هذه المحاولات، ليس فقط عودة مصر للديكتاتورية ونفس مسلسل الحكم العسكري الذي لا يحترم أي دستور ولو وضعوه بأنفسهم، ولكن أيضا خوف السيسي من مجرد الدخول في انتخابات رئاسية ثانية عام 2018، رغم أنه تم "طبخ" مسرحية الانتخابات السابقة، بشهادة البرادعي.
كما أظهرت هذه المحاولات سعي السيسي– على غرار السادات- لتعديل الدستور كي يبقى في الحكم، حيث جرت حتى الآن 6 محاولات لتغيير الدستور في 3 سنوات قضاها السيسي في الحكم، وهو سيناريو عسكري لا يتغير، ويعود بمصر إلى ما قبل ثورة يناير 2011.
ومن شأن هذا التعديل الدستوري المتكرر أن يجعل عبدالفتاح السيسي في منصبه الذي تولاه 2014 في انتخابات رئاسية وهمية، حتى عام 2020.
لا توجد أي مادة دستورية عصية!
وتنص الفقرة الخامسة من المادة 226 على أنه "في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات"، وهو ما لا يمنع التعديل، ولكنه يطرح تساؤلات حول: من يحدد هذه الضمانات التي تقررها المادة؟.
ويرى خبراء قانون أن هذه المادة 226 بها ثغرة حقيقية، فهي لم تحظر تعديل مدة الرئاسة، واقتصرت فقط على حظر إعادة انتخاب الرئيس أكثر من المرتين المنصوص عليهما في المادة 140.
فليس هناك ما يمنع بالتالي في المادة 226 من تمديد فترة الولاية الواحدة للسيسي لتبلغ 6 سنوات أو أكثر، ما يعني إمكانية تنفيذ مقترح النائب إسماعيل نصر الدين، أو أي محاولة جديدة للتمديد للسيسي.
ولكن أهمية هذا النص كانت في ضمانه ظاهريا عدم تكرار التعديل الدستوري الشهير الذي أدخله مجلس الشعب عام 1980 على دستور 1971، برفع القيد عن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو التعديل الذي استفاد منه الرئيس المخلوع حسني مبارك للبقاء في السلطة لنحو 30 عاما.
ولذلك نقلت صحيفة الشروق عن الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة الخبراء العشرة، قوله: إنه "لا توجد أي مادة دستورية عصية على التعديل، بما في ذلك المادة 226 التي تحصن بعض المواد".
وأنه يجوز استفتاء الشعب على تعديلها لتسمح برفع القيد على نص حظر إعادة الانتخاب أكثر من مرة، بصحبة تعديل النص المذكور في المادة 140.
6 محاولات لدستور على مقاس السيسي
وهذه الدعوات والمطالب لتعديل الدستور مدفوعة من أجهزة سيادية، وتعد "بالون اختبار"، يروج لها إعلام السيسي، لجس نبض الشارع حول زيادة مدة رئاسة السيسي بـ«تعديل دستوري»، حتى إذا ما حققت أهدافها، ستجد من يؤيدها ويتبناها ويمررها لبرلمان السيسي ليوافق عليها.
وهو تراث قديم للحكام العسكريين الديكتاتوريين، أقدم عليه عبدالناصر، وفعله السادات في تعديل دستور 71 عام 1980، ولكن القدر لم يمهله فقتل في حادث المنصة، واستفاد منه مبارك، ولكن طول فترة حكمه وانتشار فساده أدى إلى ثورة يناير، ويسعى له السيسي أيضا.
ومن غير المتوقع أن يواجه السيسي صعوبة في تمرير التعديلات داخل البرلمان، لا سيما بعد إعلان رئيس مجلس النواب علي عبدالعال عن موافقة هيئة مكتب البرلمان على تشكيل ائتلاف "دعم مصر" كأول ائتلاف تحت القبة، بواقع 315 نائبا من مجموع 596 عضوا بالمجلس، وبالتالي امتلاك الائتلاف الأغلبية النيابية.
وكانت (المحاولة الأولى) لتعديل الدستور على مقاس السيسي، قد اقترحها الصحفي أحمد المسلماني، الذي عينه السيسي متحدثا إعلاميا للطرطور عدلي منصور كرئيس مؤقت.
حيث طالب، في لقاء سابق له مع يوسف الحسيني، في برنامج «السادة المحترمون» على قناة «أون تي في»، بتعديل الدستور، بما يسمح بمد فترة الرئاسة إلى 6 أو 7 سنوات، مبررًا ذلك بأن "مصر لا تحتمل قصر الفترة الرئاسية".
وزعم المسلماني أن «هذا الوطن الذي توجد به ظلمات لا تنتهي من تراث سابق.. يعني رئيس الجمهورية يقعد 4 سنين، في فرنسا بيقعد 6 و7 سنوات.. 4 معناها إيه.. إن أي رئيس على ما يستوعب قصر الاتحادية والقصور الرئاسية ويدرك البروتوكول والقوى السياسية الموجودة، ويبدأ يبني حلفاءه يستغرق سنة".
وقد لاقت فكرة المسلماني تعليقات لاذعة حتى بين داعمي الانقلاب أنفسهم، حيث علق الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قائلا: "فكرة هبلة". ووصف نافعة هذا الطرح بأنه مخالف للدستور وغير قانوني.
ووصفها "هشام فؤاد" القيادي بحركة الاشتراكيين الثوريين بأنها "تعد توجيها للشعب المصري وعملية جس نبض للشارع والقوى السياسية تجاه هذا الأمر"، وتوقع المزيد من تلك الحملات التوجيهية لمد فترة الرئاسة، خصوصا عند الاقتراب من بداية المسرحية الجديدة للانتخابات الرئاسية.
(المحاولة الثانية) جرت في ديسمبر 2015، حينما طرح النائب السابق «توفيق عكاشة» الحديث عن نية بعض النواب فتح وإثارة مسألة تعديل المادة 40 من الدستور، المتعلقة بمدة انتخاب رئيس الجمهورية، وطالب في تصريحات للصحفيين بـ«تعديل 12 مادة من الدستور، في مقدمتها مد الفترة الرئاسية لرئيس الجمهورية، لتكون ست سنوات وليست أربع سنوات، ولفترتين فقط"، بحسب قوله.
وبرر "عكاشة"، الذي تم طرده من المجلس لاحقا، دعوته للتعديل بأن "ما تعانيه مصر من تراجع الوضع الاقتصادي، ومخاوف الإفلاس، يستوجب أن يمنح الرئيس فرصته كاملة لتحقيق الإنجازات والبرنامج الانتخابي المطلوب منه"، وكأن أربع سنوات، ومثلها في الفترة الثانية، ليست كفيلة بتحقيق برنامج السيسي.
(المحاولة الثالثة) كانت في مايو 2016، مع قرب الدورة الثانية للبرلمان، حيث كشفت مصادر سياسية حينئذ لصحف خاصة "بدء دوائر قانونية وتشريعية قريبة من رئاسة الانقلاب في التجهيز لتعديلات دستورية من المنتظر عرضها على مجلس النواب في الفصل التشريعي الجديد، والذي بدأ في سبتمبر 2016".
المصادر أكدت حينئذ أن "التعديل يستهدف في المقام الأول زيادة المدة الرئاسية لتصبح 6 سنوات بدلا 4 فقط، حيث تحدد المادة 133 من الدستور الحالي الفترة الرئاسية بأربع سنوات، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة الرئاسة المنقضية، ولا تجوز إعادة انتخاب الرئيس إلا لمرة واحدة".
وقالت المصادر إن "التعديلات تأتي بعد نصيحة من أجهزة أمنية باستغلال الفترة المقبلة، في ظل انشغال وسائل الإعلام والمواطنين بقضايا فرعية أخرى".
وقالت إن "التعديلات الجديدة سيتم التسويق لها عقب يونيو 2017، بحملة إعلامية ضخمة يقوم خلالها السيسي باستعراض ما يسميه مشروعات قومية وإنجازات بمناسبة مرور 3 أعوام على فترة حكمه". وأن مسئولين في جهات سيادية أشاروا على السيسي بهذا التوقيت لأنه سيكون الأنسب، ولا سيما أن الحملة الإعلامية الترويجية التي ستبدأ لإعادة ترميم شعبية السيسي، والتي تراجعت.
(المحاولة الرابعة): في يوليه 2015، ظهر شخص مجهول يدعى "ياسر التركي"، رئيس جمعية مغمورة لحقوق الإنسان الدولية والتنمية في المنيا جنوب مصر، ليعلن عن حملة لجمع توقيعات 40 مليون مصري لتمديد فترة رئاسة السيسي 8 سنوات بدلا من 4 سنوات الحالية، ثم ذابت أخباره وأخبار حملته ولم يعلن عن أي توقيعات.
وفي اليوم التالي مباشرة لنشر مجلة الإيكونوميست البريطانية ملفا كاملا عن مصر بعنوان "تخريب مصر بعد الربيع العربي"، و"القمع وعدم كفاءة عبدالفتاح السيسي يشعلان الانتفاضة القادمة"، وإعلان المستشار العلمي السابق للطرطور والباحث بوكالة ناسا الفضائية، عصام حجي، عن طرح مبادرة "الفريق الرئاسي" لانتخابات 2018، عاد ياسر التركي 7 أغسطس 2016، ليعلن في مؤتمر صحفي أنه جمع 120 ألف توقيع في محافظته الجنوبية فقط، وأن حملته مستمرة.
ورجح الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تكون حملة جمع توقيعات مد فترة رئاسية ثانية للسيسي "مدعومة من بعض الأوساط داخل النظام الحالي؛ بسبب الشعور لدى البعض بتآكل شعبية السيسي، وشعور النظام بخطورة خوضه انتخابات الرئاسة 2018".
(المحاولة الخامسة): كانت في ديسمبر الماضي 2016، بحجة مواجهة الإرهاب، والغرض هو زيادة مدة الرئاسة، وقد أثارها الإعلامي المقرب من السلطة إبراهيم عيسى، ربما في سياق صراع الأجهزة، وما يتردد عن سيطرة أجهزة على وسائل إعلام، وسيطرة أخرى على وسائل ثانية، وعدم رغبة البعض في التجديد للسيسي بعدما أصبح عبئا عليهم.
وقد اضطر رئيس المجلس علي عبدالعال لنفي ما تردد عن تعديل الدستور بمد فترة الرئاسة، وهاجم بعنف إبراهيم عيسى ودعا لمحاكمته، وانتهي الأمر بإبعاده عن قناة القاهرة والناس ووقف برنامجه، قبل أن يعود المجلس للدخول في معركة جديدة مع عيسى؛ على خلفية ما نشره في صحيفته (المقال) واصفا إياه بأنه "كاريكاتير".
(المحاولة السادسة): كانت في فبراير 2017، بإعلان النائب المستقل إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان والمرافق العامة بمجلس النواب، تقدمه بطلب إلى رئيس البرلمان، بشأن تعديل بعض مواد الدستور المتعلقة بمدة حكم الرئيس، وطريقة تكليف رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، واختصاصات مجلس الدولة.
نصر الدين قال: إن التعديلات المُقترحة من قبله تتعلق بزيادة مدة ولاية السيسي لتصل إلى (6) سنوات بدلا من (4) سنوات، كما ستطول المواد الخاصة بمجلس الدولة، بحيث يقتصر دور مجلس الدولة على مراجعة مشروعات القوانين قبل إرسالها إلى مجلس النواب، بما يعني أن ترفع مشروعات القوانين إلى رئيس الجمهورية مباشرة عقب موافقة البرلمان عليها.
ومثلما أعلن عن مبادرته فجأة، عاد النائب إسماعيل نصر الدين ليعلن فجأة أنه قرر إرجاء تقديم طلب تعديل مادة الدستور المتعلقة بطول فترة المدة الرئاسية؛ بدعوى "مراعاة التوقيت والظروف الحالية التي يمر بها المناخ السياسي، زاعما أن قراره جاء بناء على مراجعته لنفسه فيما يخص توقيت العرض ونصائح بعض زملائه النواب.