لا يحتاج المحلل إلى جهد كبير وهو يلْمح تصاعد نبرة خطاب المجلس العسكري بالسودان تجاه الثوار في الميدان، بل ويصر على تطلعاته للقفز بالثورة من بين أيدي تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، بعد تأكيده أن الغلبة في المجلس السيادي ستكون له!.
ويلمس الشعب السوداني تلاعبًا في ألسنة القادة العسكريين، فأفعالهم وزياراتهم شيء، وتصريحاتهم شيء آخر، فكان أبرز تصريح لنائب رئيس المجلس العسكري، الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، يشبه إلى حد بعيد تصريحات المنقلب السيسي فقال: “نقسم بأننا لن نسلم السودان إلا إلى أياد أمينة”.
وزعم “لدينا القاعدة الجماهيرية الأكبر في السودان”، و”سنحاسب المتورطين في الفساد والملف في صميم مسئوليتنا”.
وادعى أنهم كعسكريين لن يغلقوا باب التفاوض، ولكن يجب إشراك الآخرين في الحراك السوداني!.
المحلل السياسي إبراهيم الحمامي أكد هذا المعنى، وقال “عسكر السودان بدأ يكشف حقيقته بعد زيارة أزلامه لأبو ظبي والرياض والقاهرة.. لا يمكن ومن المستحيل أن يترك العسكر الحكم طواعية.. ما حدث كان انقلابًا مرسومًا لوأد الحراك السوداني والالتفاف عليه تمامًا كما فعل عسكر مصر.. قلت ذلك منذ اليوم الأول!”.
وأمام هذه التدخلات السافرة قال د.أمجد فريد، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين متحدثا لـ”BBC”: إن “الشعب السوداني استطاع وحيدًا منفردًا وسط تجاهل عالمي أن يسقط البشير، ما نريده هو ألا تُقحم أي دولة مصالحها في شأن السودان”.

كما بدأ اليوم الإضراب العام، المقرر أن يستمر يومين، للضغط على المجلس العسكري في السودان لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وقالت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان إنهم اتخذوا خطوة الإضراب بعد تعثر المفاوضات مع المجلس العسكري، الذي يصّر على تمثيله بأغلبية المجلس السيادي ورئاسته”.
وأعلنت قوى مختلفة منها “تجمع المهنيين السودانيين”، ولجنة أطباء السودان المركزية، وتجمع التشكيليين، تأييدهم لترتيبات الإضراب والعصيان المدني “لاستكمال وتحقيق أهداف الثورة، فيما أعلن حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي عن مقاطعة الإضراب ومعه نقابة العمال في السودان.
وأكدوا أنه “ليس لدينا أي سلاح (بحسب زعم القادة العسكريين) سوى الحراك المدني وسنتخذ خطوات باتجاه العصيان المدني”، منتقدين تصريحات المجلس العسكري بأنه هو الضامن للثورة، وقالوا “نحن نرى أن الشعب هو الضامن”، ودعوا إلى الإسراع بالوصول إلى “اتفاق هو ما نصبو إليه وأي تلويح بعقد انتخابات يعد أمرًا سلبيًّا”.
وجرى اتهام المجلس العسكري بـ”محاولة الوقوف أمام الثورة وإفراغها من محتواها، من خلال تمسّكه بعسكرة مجلس السيادة”.
ألغام الثورة
من جانبه، حذر الكاتب حازم عبد الرحمن، في مقال له بموقع (الشارع السياسي) بعنوان “ألغام في طريق الثورة السودانية”، من سلبيات من الطرفين وهي:
أولا: بالنسبة للمجلس العسكري:
1 ـ سلوكه كطرف مقاوم للتغيير في السودان، بينما واجبه يفرض عليه دعم الانتقال الديمقراطي والتغيير السلمي، دون مساومات ومماطلات، تعني في التحليل النهائي أن الجنرالات يمارسون السياسة.
2 ـ فتح الطريق أمام السعودية والإمارات والانقلاب في مصر لإفساد التغيير في السودان، ما يعني تكرار تجربة الانقلاب الدموي في مصر ووقف المسار الديمقراطي ليتصدر الجنرالات السياسة، ويستولوا على الحكم، وهو هدف واضح لمحور الثورة المضادة بقيادة محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.
3 ـ محاولات فض الاعتصام بالقوة، وتوجيه الاتهامات بأن هناك مندسين في الاعتصام، يهدفون إلى عمليات تخريب، وهو سيناريو مشابه لما جرى في مصر أثناء الاعتصام السلمي في ميدان رابعة العدوية الذي راح ضحيته الآلاف.
4 ـ اللجوء إلى إظهار قوى تطرح مطالبات غير موضوعية، لا تدعم التغيير السلمي، بل بهدف تعطيل أي مسار حقيقي للثورة، وتوجيه طاقة قوى التغيير إلى خلافات ونزاعات، تبدد الجهود وتنشر الفوضى، وهي الفكرة المنقولة حرفيا عن الائتلافات الثورية التي صنعها العسكر في مصر بعد ثورة 25 يناير.
5 ـ عدم الشفافية بخصوص العلاقات مع السعودية والإمارات وقائد الانقلاب في مصر لتطمين الشعب السوداني الذي يخشى من هذه العلاقات وردد هتافات ضدها منها: “يا سيسي ده السودان.. حدودك بس أسوان”.
6 ـ عدم وضوح المجلس العسكري في تطمين قلق السودانيين حيال المطالب الملحة التي تدعوه للتقدم نحو المرحلة المقبلة وتأمين تسليم السلطة للمدنيين، حيث إنه في أجواء انتظار تحقق هذا المطلب، برز توجه سلبي تجاه المجلس وأدواره، ما يحتاج إلى خطاب يحمل توضيحا لرؤيته بشأن موضوعات عديدة تشكل عقبة في طريق العلاقة بينه وبين قوى الحرية والتغيير، أبرزها رؤيته لمواصفات الحكومة القادمة، إذ ما زال موقف المجلس يكتنفه الغموض.

ثانيا: بالنسبة لقوى الحرية والتغيير:
كان من أبرز أخطائها:
1 ـ النهج الإقصائي الذي تمثل في الهجوم على الإسلاميين، واعتبارهم جميعا ضمن حزب المؤتمر الوطني الذي كان يرأسه البشير، وهي مغالطة خطيرة تضر بالثورة ووحدة القوى المؤيدة للتغيير؛ وكذلك توجيه الانتقادات إلى جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت تأييدها المبكر للحراك السلمي، وحق الشعب في التظاهر للمطالبة بحقوقه، ورغم ذلك راحت بعض الأصوات تروج لزوال ما أسمته حكم الإخوان المسلمين، مثل ما جاء على لسان مريم المهدي ابنة رئيس حزب الأمة الصادق المهدي ونائبة رئيس الحزب، والتي كانت في زيارة إلى الإمارات بحجة تقديم الشكر لها، وهي زيارة تلقي بظلال من الريبة؛ لكونها تأتي في أعقاب ثورة يتربص بها محمد بن زايد.
2 ـ دخول سفراء ومندوبين من دول الثورة المضادة إلى مقر الاعتصام وتناول الإفطار مع المعتصمين، وهو اختراق خطير من جانب أجهزة هذه الدول التي وقفت وراء مذابح الثوار في مصر من قبل، ولا تخفى أهدافها لتطويق الثورة السودانية وكل ثورة عربية مقبلة.
3 ـ عدم الإعلان عن توسيع المشاركة لتشمل كل القوى والأحزاب المؤيدة للتغيير.
4 ـ الصمت عن التدخل الإماراتي السعودي رغم الكشف عن زيارات سرية لوفود من الدولتين، خاصة محمد دحلان، المفصول من حركة فتح ومندوب محمد بن زايد في إشعال الثورات المضادة والانقلابات.
6 ـ اعتقاد قوى الحرية والتغيير أنها أمام فرصة تاريخية لتشكيل المسرح السياسي وفقا لرؤيتها الخاصة، دون اعتبار للقوى السياسية الأخرى ودون أي تفويض انتخابي، وتقديم الإيديولوجي على السياسي وصدور تصريحات تكشف عن فصيل محدد يرغب في تولى السلطة المدنية، دون توافق مع باقي مؤيدي التغيير.