أيُّ عيدٍ للسودان في خواتيم الشهر الفضيل يغدر الممسكون بحكم البلاد باعتصام الخرطوم المطالب بمدنية الدولة؟ هذه خديعة أسقطت كل الأقنعة، يقول سودانيون.
فبغلٍّ واضحٍ لا يفهمه كثيرون، ينزلق “العسكري الانتقالي” بالمشهد إلى دموية طاردت الناس حتى إلى داخل المشافي، لا أحد يقنعه الكلام عن مهاجمة منطقة متفلتة قريبة للاعتصام نفسه، والحقيقة أن نذر هذه التطورات المروعة بانت للبعض منذ فترة، بحسب تقرير بثته قناة “الجزيرة” مساء الاثنين.
كيلُ الاتهامات لقوى التغيير والثوار، والتقليل من شأن الإضراب الأخير، والتوعد بمجابهة الفوضى، ثم إبعاد وسائل إعلام بعينها، إنه فعل انقلابي كما بدا لقوى الحرية والتغيير التي أوقفت كل الاتصالات السياسية مع المجلس العسكري، كما صعّدت ثوريًّا بعصيان مدني شامل حتى إسقاط المجلس.
لم تُخطئ عين متابعٍ انتقاء القوى السياسية السودانية حتى المهادنة منها حتى وقت قريب على وضع جريمة الفض الدامي لاعتصام قيادة الجيش على عنق العسكر بطريقة ما، تفعل ذلك بعض المواقف الدولية، فهي تتراوح بين المطالبة بالكف عن استخدام القوة ضد المتظاهرين والتسريع بتسليم السلطة للمدنيين، وتقول بذلك المفوضية الأوروبية، ووصف ما حدث بالخطأ الذي يجب أن يتوقف، كما جاء في تغريدة للسفارة الأمريكية، وصولًا إلى توعد “العسكري السوداني” بمحاسبته من المجتمع الدولي، وذاك هو الموقف البريطاني.
لم يسمع السودانيون عن مواقف مماثلة من دول في الإقليم حاولت أن تدخل على خط الأزمة السودانية، بل إن ثمة من يضع المشهد الحالي امتدادًا لزيارات قام بها قادة المجلس العسكري السوداني أخيرًا إلى تلك الدول، فيما عُدَّ محاولة لإعادة تأهيلهم كسلطة أمر واقع، فمن هناك عاد “العسكري” بضوء أخضر لإجهاض أماني الشعب السوداني، كما عاد بوعود التمويل والتسويق له دوليًّا.
ليس سرًا أن ذلك المحور يقف على الطرف النقيض لاختيارات الشعوب، لا تعنيه في ذلك أي أيديولوجية أو توجه، مع أنه قد يتحجج بمعاداة الإسلام السياسي، لا يصح ذلك في الحالة السودانية، وحتى الأمس القريب كان هذا مثلا موقع الرئيس السوداني المعزول بين هؤلاء، وحين دنت نهاية البشير في الحكم تخلت عنه الدول الإقليمية ذاتها التي تتهم الآن بالانقلاب على أحلام شعبه من خلال العسكر، فما يخشاه أولئك هي عدوى الديمقراطية إذا استحكمت في أي بلد، يرى محللون أن المتمرسين في الثورات المضادة يعملون على عسكرة الحكم حيثما أرهبتهم مطالبة الشعوب بالحرية، لكن ما يخدم مشاريعهم أكثر برأيهم هو حكم عسكري خانع لهم بالكامل يوجهونه خدمة لمصالحهم.
في حالة السودان قد يسهم بروز من تسميهم قوى التغيير بالشرفاء من الجيش والقوى الأمنية في إحباط تلك الخطط، لكن طول النفس الثوري هو وحده القادر على فرض نقلة نحو دولة مدنية.