في قصص التاريخ والأمم لم تُعرف طريقةٌ واحدةٌ لخلع الطغاة، كل طاغية رَحَلَ بطريقة مختلفة، ربما تتشابه بعض الظروف، لكن يبقى المشترك الثابت أن جميعهم ظنوا أنَّ بإمكانهم الاستمرار في الحكم مدى الحياة.
ليست هذه عِظتنا لنظام السيسي، إنما هي عظات التاريخ لكل من طغى وتجبَّر، ومن بين هذه العظات ما نطق به رئيس مجلس النواب علي عبد العال، وبشكل عفوي أمس، وذلك في افتتاح أولى جلسات دور الانعقاد الأخير لمجلسه، “هتلر كانت له أخطاء.. لكنه وضع بنية أساسية قوية للدولة الألمانية”، حسب قوله.
تلك كانت عِظة رجل النظام للشعب المقهور ليَقَعَ بها رغمًا عنه في فخ تشبيه مسيرة السيسي بعهد الديكتاتور الألماني، المعروف ارتباطًا في شروع كل منهما بتدشين المشروعات العملاقة، مقابل ما شهدته البلاد من قمع ومجازر .
وعلى وقْع الحراك الشعبي المطالب برحيل السيسي، تعهَّد عبد العال بانفراجة قريبة في ملف الإصلاح السياسي والاقتصادي والإعلامي، مشددًا على ضرورة نبذ الخلاف والشقاق والاستماع لمطالب الشارع .
صوتٌ بات يُسمع كثيرًا في مضامين المحتوى الإعلامي المحسوب على النظام، منذ الخميس الماضي، عبر رسائل تبدو واضحة في التلويح بحالة من الانفراج السياسي وتحميل الأداء الحكومي أسباب الغضب الشعبي المتراكم، ما يفضح لجوء السيسي لاستراتيجيات مبارك المبتذلة بالهجوم على الوزراء، في محاولات عبثية لامتصاص غضب الشارع.
اجتماع استثنائي لافت عقده عبد الفتاح السيسي، أول أمس الثلاثاء، وحضره كلٌّ من رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية ورئيسي جهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية .
الاجتماع الذي يلفت النظر إليه بحضوره في المستوى وبتعدد اختصاصات المسئولين فيه، عزاه مراقبون إلى مساعي السيسي إلى إحكام سيطرته على المشهد المتأزم، والاطلاع على تقديرات الموقف من الأجهزة المختلفة ورؤيتها للمستجدات التي حدثت مؤخرًا مع صعود الحراك الشعبي.
وكما توقعت مصادر، في تصريحات سابقة، بدأ السيسي محاولاته الدعائية لامتصاص غضب الشارع من قراراته الاقتصادية، وذلك بإعلان وزارة التموين إعادة قيد مليون و800 ألف مواطن ممن جرى استبعادهم من منظومة البطاقات التموينية في وقت سابق، فيما تتحدث مصادر عن مشاورات جارية لتعديل وزاري جديد في إطار الحملة الجارية لتحميل الحكومة أسباب الغضب الشعبي.
قناة مكملين ناقشت، عبر برنامج قصة اليوم، كيف لجأ السيسي إلى استراتيجيات مبارك بالهجوم على الوزراء والتلويح بالإصلاحات, وإمكانية أن ينهي التعديل الحكومي أزمات البلاد.
مسكنات إعلامية
الدكتور ممدوح المنير، مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، يرى أن هذه التصريحات للاستهلاك المحلي؛ لأن الوضع الاقتصادي في مصر مأزوم للغاية، ونظام السيسي في ورطة اقتصادية كبيرة جدًّا، ولا يستطيع سداد الديون التي اقترضها من الخارج.
وأضاف المنير أن تلك التصريحات مسكنات إعلامية؛ لأن الإصلاحات الاقتصادية المزعومة لن تحدث، وإذا حدثت ستتم بشكل سيئ وسيتم تفريغها من مضمونها، مضيفا أن نظام السيسي فاشي مستبد، ولا يسعى حتى لتوفير الحد الأدنى من الخدمات، بعكس نظام مبارك .
ودعا المنير المواطنين إلى عدم اليأس ومواصلة الحراك، لافتا إلى أن السيسي يستعد لقمع هذه التظاهرات منذ 2011 حتى لا تتكرر ثورة 25 يناير، وسبق أن أكد السيسي ذلك علانية، مضيفا أن السيسي لديه 18 جهازًا أمنيًّا تسعى جميعها لوأد الحراك الشعبي لكنها ستفشل، وسيكون مصيره مثل مبارك.
انكسار الثقة
الدكتور عبد التواب بركات، مستشار وزير التموين بحكومة هشام قنديل، قال إن الدعم التمويني وسيلة للتغلب على فشل الحكومة في تحسين أوضاع المواطنين، مضيفا أن التراجع عن حذف مليون و800 ألف مواطن من منظومة الدعم، يؤكد أن الحذف تم بطريقة عشوائية.
وأضاف بركات أن السيسي يتوهم أنه يمكن مساومة المصريين على كرامتهم بـ50 جنيهًا، مضيفًا أن المقررات التموينية في عهد مبارك كانت أكثر منها في عهد السيسي، وعلى الرغم من ذلك ثار الشعب على مبارك وأسقطه.
ونوه بركات إلى أن السيسي فهم الشعب بعد فوات الأوان، لافتا إلى أن نظام السيسي يعبر بفلتات لسانه عن مكنونات صدره تجاه الشعب المصري، الذي لا يقدر له أي حق ولا يقدم له أي احترام.
وأشار إلى أن ثقة الشعب المصري في السيسي ونظامه انكسرت ولن تنصلح، مضيفا أن المصريين خسروا كثيرا من مصادر دخلهم، وعودة المحذوفين من الدعم التمويني وخفض الأسعار وزيادة المنتجات المعروضة في المجمعات الاستهلاكية لن تفيد .
ولفت إلى أن تكلفة عودة مليون و800 ألف لمنظومة الدعم تساوي مليار جنيه، أي ما يقرب من نصف تكلفة فندق “تريموف” الذي شيَّده السيسي في التجمع الخامس، مؤكدا أن السيسي ينحني فقط للعاصفة ولا يُكنُّ أي احترام للشعب المصري.