الديمقراطية تسير بخطى ثابتة رغم العراقيل في المنطقة العربية، ومن تونس جاءت الديمقراطية برئيس أكاديمي وقانوني نظيف اليد، ورغم عراقيل العسكر في الجزائر إلا أن الثوار ينتزعون حقوقهم باحترافية، خطوة تلو الأخرى، بعكس مصر التي أدخلها العسر في سلسلة من القمع والاستبداد الذي ينعطف بها في مستنقع عميق من الفساد والاستبداد والتخلف.
حيث أقرت الحكومة الجزائرية قانونا جديدا يمنع العسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية والنيابية والعمل الحزبي في السنوات الخمس الأولى التي تلي تقاعدهم من الجيش، تلافيا لاستغلالهم مناصبهم السابقة وعلاقتهم مع المؤسسة العسكرية في أي عمل سياسي.
وصادق مجلس الوزراء المنعقد، الأحد الماضي، على مقترح قانون تقدم به قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بصفته السياسية نائبا لوزير الدفاع الوطني. وبحسب بيان الرئاسة الجزائرية، فإن قائد الجيش اعتبر أنه “يصبح من الضروري سن أحكام تقيد حق العسكريين المقبولين للتوقف نهائيا عن الخدمة والمحالين على الاحتياط، في ممارسة نشاط سياسي حزبي أو في الترشح لوظيفة انتخابية عمومية”.
لا سياسة للعسكر
ويلزم القانون الجديد كل العسكريين الذين يتوقفون نهائيا عن الخدمة في صفوف الجيش بعدم ممارسة أي نشاط سياسي حزبي أو أن يترشح لأية وظيفة سياسية انتخابية لفترة مدتها خمس سنوات ابتداءً من تاريخ التوقف.
ويعني القانون الجديد إبقاء العسكريين في وضعية ملحقة بالجيش، ومتعارضة مع أي نشاط سياسي حزبي أو الترشح لوظيفة انتخابية عمومية.
وقال قائد أركان الجيش: إنّ “هذا التعديل يأتي لمنع أي مساس بشرف واحترام مؤسسات الدولة وكذا بالسمعة المميزة للمؤسسة العسكرية، كون العسكري العامل المقبول للتوقف نهائيًا عن الخدمة، يحال إلى الاحتياط في وضعية احتياط، مما يضعه تحت تصرف الجيش لمدة خمس سنوات، حيث يمكن خلالها أن يتم استدعاؤه في أي وقت”.
وكانت شخصيات عسكرية قد أعلنت عن ترشحها لانتخابات الرئاسة بعد فترة قصيرة من خروجها للتقاعد من الجيش، على غرار القائد السابق للقوات البحرية محمد الطاهر يعلى في انتخابات عام 2009 والضابط السابق في الجيش علي غديري الذي كان قد ترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أبريل الماضي، قبل أن يتم إلغاؤها بسبب التظاهرات الشعبية.
أين مصر؟
ويثير القرار الجزائري شجونا مصرية عدة، إذ إن الانقلاب العسكري كسر كل قيود وقواعد العمل السياسي ووأد الديمقراطية في مهدها؛ حيث بات للعسكريين الكلمة الفصل في السياسة المصرية، فعقب الانقلاب العسكري في 2013 وتأكيدات السيسي أنه لا رغبة لديه ولا للجيش في العمل السياسي أو حكم مصر، أعلن السيسي في العام 2014 مرتديا زيه العسكري ترشحه لهزلية الرئاسة، في كسر للقانون والدستور.
ومنذ ذلك الحين جرى غرس الأنياب العسكرية في مفاصل الدولة التي تحولت لمجرد كتيبة عسكري تدار بالأمر العسكري، ولا يراد أن يسمع فيها إلا كلمة “تمام ياافندم” وهي الجملة التي ضيعت مصر واهدرت مكانتها الدولية، وتوالت الكوارث بسببها على مصر في كافة المجالات، من عطش قادم وتراجع حصة مصر من مياه النيل بسبب العجزز المائي الكبير بسبب سد النهضة، الذي أداره السيسي ومخابراته بلا خبرة فنية معتمدين على الأوامر العسكرية وعدم التقدير السياسي للأمور.
وأكد السيسي أكثر من مرة انه ليس له بالسياسة وأنه رجل عسكري، لا يفهم بالسياسة، فخرجت مصر من جميع تصنيفات جودة الخياة؛ صحة، تعليم، شفافية، تنافسية، عدالة، قانون.. بما يضعها في مجال الدول الفاشلة.
ولكن الغريب في الأمر، عندما أراد الفريق سامي عنان – وهو عسكري سابق، تمت إقالته على يد الرئيس الشهيد محمد مرسي، منذ نهاية العام 2012- الترشح لهزلية الرئاسة في 2018، منعه السيسي بذريعة أنه ما زال على ذمة الجيش، وانه لم يستاذن من المجلس العسكري، وتم الزج به في السجن رغم كبر سنه، وتاريخه العسكري، حيث كان قائدا للسيسي، وعمل تحت امرته.
فالمزاجية التي تدار بها مصر في زمن العسكر، لا قواعد لها إلا مصلحتها.
ومن جهة ثانية، امتدت عسكرة الدولة المصرية، وبات جهاز إدارة الدولة بكل مفاصله بيد العسكر، الذين يجري حشرهم يوميا في الوظائف القيادية بالدولة بعد احالتهم للمعاش، في وظائف وكالة الوزارات المدنية.
بل زاد توغل العسكر في الاقتصاد ليبتلع نحو 60% من الاقتصاد المصري، بما افقر المصريين ورفع نسبة البطالة لأكثر من 35% من المصريين، بجانب هروب الشركات الأجنبية من الاستثكار في مصر، وإغلاق الآلاف المصانع والمشروعات بسبب سياسات العسكر.
ولعل ما فعله عسكريو الجزائر مثالا يحتذى في حال تطبيقه، وأكثر ما يحتاج إليه المصريون الذين ذاقوا مرارة الحكم العسكري.