اعتبر عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” رجل سلام، ووصف اللقاء الذي جمعه به على هامش القمة الروسية الإفريقية، بالإيجابي في موقفٍ أعقب بأيام تلويح رئيس الوزراء الإثيوبي باستعداد بلاده للحرب دفاعًا عن سد النهضة إذا اقتضى الأمر.
ما دلالات وصف السيسي للقاء الذي جمعه بآبي أحمد بالإيجابي بعد أيام قليلة من تلويح رئيس الوزراء الإثيوبي بالحرب دفاعًا عن سد النهضة؟ وما الانعكاسات المحتملة للقاء على حاضر ومستقبل الأزمة القائمة بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة؟
لقاء مصري إثيوبي آخر أتاحه هامشٌ على قمة سوتشي الروسية الإفريقية، جمع بين السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ومعه تجددت الأسئلة عن مآل الأزمة بين البلدين بشأن سد النهضة، بعد دعوة الجانبين اللجنة الفنية إلى استئناف عملها بحثًا عن حل للخلاف بشأن ملء وتشغيل السد.
لقاء قال السيسي إنه إيجابي، واصفا آبي أحمد بأنه رجل سلام، رغم تلويح سابق لرئيس الوزراء الإثيوبي بالاستعداد للحرب دفاعًا عن سد النهضة، بحسب تقرير بثته “الجزيرة”.
رضوخ السيسي
يُهدَّد السيسي فيلتزم الصمت، بينما تكتفي خارجيته بالشعور بالصدمة، وفي أول لقاء يجمعه بآبي أحمد يمتدحه ويصفه برجل سلام .
السيسي أمام الأزمة الأكبر في حياته السياسية، وتلك أن تعطش بلاده ويتحول النيل الذي يشقها إلى مجرد قناة لا نهر يتدفق، يلتقي الرجلان في منتدى سوتشي، فلا يعبس السيسي بل يرضخ لأمر واقع أسهم هو- بحسب منتقديه- في تكريسه بتوقيعه على اتفاقية إنشاء سد النهضة.
يتفق مع “آبي أحمد” على استئناف اللجنة الفنية الخاصة كجزء من حل يعتقد أنه وعر ويتطلب وقتًا وتنازلات إثيوبية وهو ما يتعذر، فأديس أبابا وإن أظهرت حسن النية فإنها لا يمكن أن تكون ضد مصلحتها المغطاة قانونيًّا ودوليًّا، الأمر الذي قاله جهرا رئيس وزرائها الرجل القوي الحائز مؤخرا على نوبل للسلام، فلا توجد قوة تستطيع منع بلاده من استكمال بناء السد، وإذا كانت ستحارب من أجل ذلك فإنها تستطيع نشر ملايين كثيرة من أجل هذا الغرض.
يستبعد آبي أحمد هذا الاحتمال، فالحرب ليست حلا، لكنه يلتزم فعليًّا أمام برلمان بلاده بالمضي قدما في بناء السد بما يحقق مصالح إثيوبيا أولا.
احتواء تصريحات آبي أحمد
على ماذا يراهن السيسي مصر في مأزق يهدد وجودها كحضارة زراعية عبر التاريخ؟ وثمة حلول يسعى إليها السيسي، منها التوسط وهو ما عارضته إثيوبيا، أو إعادة التفاوض وهذا احتمال ربما يكون مستبعدًا إثيوبيًّا، أو إعادة البحث في بعض تفاصيل الاتفاق، وهو ما لا ترفضه أديس أبابا وما اتفق عليه باستئناف أعمال اللجنة البحثية الفنية المستقلة.
وترغب القاهرة في احتواء تداعيات تصريحات آبي أحمد في البرلمان، والتوصل إلى حل نهائي بشأن قواعد ملء وتشغيل السد الذي يفترض أن تبدأ إثيوبيا بملئه العام المقبل، وإذا حدث هذا فإنه سيؤثر جذريًّا على الحصة القديمة لمصر في مياه النيل، وربما يدفعها إلى البحث عن خيارات مائية أخرى بعد قرون من التمتع بمياه النيل وفقا لشروطها.
تضاؤل الفرص
خطأ السيسي بل خطيئته، وفق معارضيه، أنه أدار المفاوضات بذهنية “أقسم يمينًا بألا تضر بي” لا بذهنية الدول التي تخطط وتستبق وتحتوي الخطر قبل وقوعه، وبحسب هؤلاء فإن خيار المواجهة العسكرية مستبعد، لكن التفاهم يتعسّر بعد مُضي أديس أبابا في خطتها.
فإعادة التفاوض تتضاءل احتمالاتها مع قرب اكتمال بناء السد وتشغيله، حيث يُفترض أن يبدأ بتوليد الكهرباء العام المقبل، وأن يتم تشغيله بشكل كامل في 2020، ما يعني حقائق على الأرض على القاهرة التعامل معها، أو على الأقل تقليل أضرارها على بلاد تُعد أزمة السد واحدة من كبرى أزماتها، بكثير من الارتجال والمراهنة على دبلوماسية السيسي، أي الشخص لا الدولة، لإدارة أزمة تزداد تعقيدًا يومًا بعد الآخر.