ما بين التفاؤل والتخوف، تلقت البورصة المصرية حديث جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي بعين الريبة، عندما قال إنه ينوي طرح بعض شركات القوات المسلحة في البورصة، داعيًا القطاع الخاص إلى تملك بعض أسهم تلك الشركات، إلا أن خبراء اقتصاد ومحللين أبدوا قلقهم وتخوفهم من التلاعب في البورصة لصالح بيزنس الجيش.
في حين استبعد آخرون حدوث ذلك، مؤكدين أن هدفه تقليل حدة الانتقادات الموجهة لسيطرة الجيش على الاقتصاد المصري، ودللوا على ذلك بحديث السفيه السيسي عن أن عملية الطرح قد تستغرق وقتًا طويلًا لاستيفاء المعايير المطلوبة.

توسع الجيش
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، أن إعلان السفيه السيسي عن طرح شركات القوات المسلحة في البورصة المصرية يأتي في إطار لهجة دفاعية تستهدف امتصاص الغضب المتصاعد محليًّا ودوليًّا حول توسع الجيش المصري في السيطرة على الاقتصاد المصري، وغياب الشفافية وقواعد الإدارة الصحيحة في شركات الجيش.
في الوقت الذي أبدى المحلل المالي، عمرو السيد، عدم تفاؤله من طرح شركات الجيش بالبورصة؛ كون عملية الطرح تحتاج إلى معايير شفافة و”حوكمة” تفتقدها الشركات التابعة للقوات المسلحة.
وقال السيد: “الحكومة المصرية فشلت حتى الآن في طرح شركات القطاع العام في البورصة، لأمور أيضا ترتبط بالشفافية والإفصاح، فما بالك بشركات القوات المسلحة التي لا يعرف أحد عنها شيئا، ولن يسمح بذلك في الوقت القريب”.
وفي حواراته الإعلامية يحاول السفيه السيسي أن ينأى بميزانية الجيش عن أي منافسة، ويقول: “خلوا الجيش لوحده، جيشنا قائم بحاله، زي الفل، مؤسسة قوية”، وعند سؤاله عن احتمالية مراقبة الشعب ومجلس النواب أو مجلس الأمن القومي، ارتبك السفيه السيسي واكتفى بالصمت، ثم تكلم فتلعثم، وخرج عن النص متجاهلا السؤال.
ودائمًا ما يدافع السفيه عن سبوبة الجيش، ثم تمنى أن يكون الجيش مسيطرًا على نصف الاقتصاد الوطني، قائلًا: “يا ريت القوات المسلحة كانت تمتلك 50% من اقتصاد مصر، يا ريت تمتلك جزءًا كبيرًا من الاقتصاد المصري”.

نكسة اقتصادية
ويمكننا أن ندرك الجانب المظلم من الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، بالنظر هنا إلى العاصمة الإدارية الجديدة وأهدافها وتكلفتها والقائمين عليها، يضاف إلى ذلك افتتاح قاعة الماسة بالعاصمة الإدارية بتكلفة قاربت المليار جنيه، علاوة على افتتاح مركز المؤتمرات والمعارض الجديد بالقاهرة، وكلاهما حكرٌ على القوات المسلحة.
ليست هذه النهاية، ففي آخر تصريح لمدير إدارة الشئون المعنوية المصرية اللواء محسن عبد النبي، “يجرى حاليًا الإعداد لافتتاح عدد كبير من المشروعات القومية يصل عددها إلى 84 مشروعًا تشرف عليها القوات المسلحة، إلى جانب المشروعات التي تنفذها بالمشاركة مع القطاع المدني”.
ومنذ بزوغ شمس يوليو 1952، تعاقب على مصر رؤساء عسكريون بدءًا من جمال عبد الناصر وانتهاءً بالسفيه السيسي، غير أن “عملية العسكرة” تعاظمت عقب اتفاقية كامب ديفيد مع “إسرائيل” في 1978، والتي قلّصت المهام القتالية للجيش ودفعته نحو مهام السيطرة الداخلية.
وأدى مزيج من مكاسب السلام بعد معاهدة عام 1979 بين مصر و”إسرائيل” إلى تقليص ميزانية الدفاع، حيث انخفض الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 6.5% في عام 1988 إلى 1.8% في عام 2012، وذلك وفقًا لمؤشرات البنك الدولي.
وبُعيد الاتفاقية، أصبحت القوات المسلحة مضطرة لإيجاد مصادر دخل جديدة، فاتجهت ككتلة إدارية من العمل العسكري البحت إلى السيطرة على ملفات الاقتصاد الداخلي وريادة الأعمال، وتوغلت داخل قطاعات الاقتصاد المدني، عندما أصدر السادات القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 1979 بإنشاء جهاز “مشاريع الخدمة الوطنية” الذي سمح للقوات المسلحة بإنشاء مشاريع هادفة للربح.
