تنص الرواية المقتضبة على أن جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، قام في 30 يونيو 2013 بالانقلاب على الشرعية، ممثلة بالرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي.
أما الرواية المختصرة التي يعتمدها أنصار الانقلاب تنص على أن الجيش، ممثلاً بقيادة السفيه السيسي، تحرك بعد تجاهل الرئيس مرسي مطالب متظاهري 30 يونيو، وبحسب هذا التاريخ تنقلب رمزية اليوم الذي كان يشير من قبل إلى أول مرة يقترع فيها المصريون ديمقراطيًّا لانتخاب رئيسهم.
شروع في الانقلاب
استغل العسكر التضحية بالمخلوع مبارك لتسويغ الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب مرسي، إذ ما دام قد انحاز إلى إرادة ثورة 25 يناير لماذا لا ينحاز إلى الانقلاب في 30 يونيو؟
المشكلة في هذه المقايسة إغفالها الفرق بين مبارك ومرسي: فالأول جاء من صلب المؤسسة العسكرية التي قامت بانقلاب 23 يوليو 1952، وكان الجنرال الرابع ضمن العسكر الذين حكموا البلد قرابة ستة عقود، ولعلَّ الرقمين يحكيان الحكاية مع التنويه بأن عبد الناصر ومبارك حكما ثلاثة أرباع هذه المدة، والأخير حكم بمفرده نصفها.
بينما أتى الرئيس المدني المنتخب الشهيد محمد مرسي على قاعدة نظرية هي انتهاء حكم العسكر. واحد من الفوارق بين الحالتين أن العسكر في حالة تنحية مبارك بدوا كأنهم يتنازلون عن سلطتهم أو جزء منها، بينما في حالة مرسي ينقضون وعدهم السابق.
تقول الناشطة دينا الحناوي: “فاكرة في ٣٠/٦ كنت راجعة البيت وفي الطريق قعدت على كرسي في قهوه بلدي على الشارع في ذهول أتفرج على اللي بيرقص ويغني وأحلل المنظر، باين الحزن على وجهي لحد ما جه واحد صدمني الصدمة الأخيرة قائلا: هو انتي مبترقصيش وزعلانه ليه، انتي إخوان؟ ولحظتها فهمت لعبتهم القذرة على الشعب الغلبان”.
ويقول الدكتور محمود عجمية: “نفس اللقطة كانت ١١ يونيو ١٩٦٧ حين رقص أعضاء مجلس الشعب لتنازل عبد الناصر وتراجعه عن التنحي وآلاف الشهداء دمهم لسه سخن فى سيناء غير المفقودين والأسرى.. واليهود لا يوجد بينهم وبين القاهرة أى بندقية.. نفس اللقطة فى مسرحية “كليوباترا” لشوقي.. احتفالات النصر لإخفاء هزيمة مصر فى أكتيوم”.
مزاعم الأخونة
قبل 30 يونيو، سلَّط العسكر آلة الإعلام وأموال الخليج في اتهام الرئيس الشهيد مرسي بما سُمي بـ”أخونة الدولة”؛ الحدث الأبرز على هذا الصعيد كان تعيين 8 محافظين إسلاميين من أصل 17 محافظا جديدا، ربما يتوجب التذكير بأن العادة قبل الرئيس الشهيد مرسي –وبعده- جرت على تعيين عسكريين متقاعدين كمحافظين، أخذت التظاهرات التي مولتها ورعتها المخابرات الحربية التخفي خلف التصدي لمحاولة الأخونة، وبدأت عجلة الانقلاب في الدوران خلال أيام ليُتوج في 30 يونيو.
مع تاريخ 30 يونيو والأحداث التي رافقته، قدّم العديد من مسئولي حكومة الرئيس مرسي استقالاتهم، الأهم أن التخطيط كان ينذر بالغدر بالرئيس مرسي كأمر واقع للانقلاب، فالقوى التي تصنع فرقاً في بلد مثل مصر وقفت مع المحتجين، وهي تحديدًا وزارتا الداخلية والدفاع.
أما التذرع بـ”الانقسام” في الشارع وأعمال العنف والفشل في الحكم، فلا تكفي لتبرير التسرع بالانقلاب العسكري، فالجيش نفسه صبر على مبارك لمدة أسابيع مارس فيها بلطجية الداخلية مختلف أساليب التنكيل بالمتظاهرين، وأوقعوا عددا كبيرا من القتلى في صفوفهم، ثم لاحقا ظهر عدم الاكتراث بعدد الضحايا في مذبحة اعتصام رابعة.
باختصار، كان الجيش يتلكأ قبل أن يحسم أمره إزاء ثورة 25 يناير، التي لم تكن مضمونة النتائج قبل موقفه، بينما تسرع في انقلاب 30 يونيو، وهو انقلاب مضمون النتائج، بسبب عداوة الجيش والداخلية والقضاء والمخابرات للرئيس مرسي، ولم يكن للرئيس مرسي منذ اليوم الأول القوة التي كانت في متناول مخلوع العسكر.
النتيجة هى أن السفيه السيسي انقلب على ثورة 25 يناير بزعم الانتصار لها، بينما كانت الروح المعنوية للمصريين في منتصف عام 2013 في أوجها، فهم قد تخلصوا من حكم مبارك، ثم واصلوا احتجاجاتهم ضد المجلس العسكري الذي استلم السلطة في المرحلة الانتقالية تحت شعار “يسقط حكم العسكر”، وخاضوا عملية انتخابية ديموقراطية لأول مرة في تاريخهم.
ابن النكسة!
الانقلاب العسكري هو الذي أعاد التاريخ إلى الوراء، أو إلى ما يفضّله العسكر على الدوام، مُختزلاً بـ”إما نحن أو الإخوان”، ولئن كانت هذه اليافطة فزّاعة للغرب فهي تعمل داخليا بشكل مزدوج، إذ تُسلّم للإخوان بشرعية شعبية لا تُمتحن في مواسم انتخابية ديمقراطية، وتُشرعِن قمع الجميع بوصفهم إخواناً!.
ربما ينبغي أن نضيف أن السفيه السيسي هو الابن النجيب لانقلاب يوليو 1952، وبالطبع من دون حنين للعهد للملكي، فإن مساوئ الملكية لم تبلغ الحد من قمع الحريات، الذي سيلي الانقلاب عليها.
ما تقوله تجربة الجنرالات زعماء هزيمة 1967، أسوة بتجربة حكم العسكر في المنطقة، أنهم لا يمكن أن يكونوا عونا للشعب، إلا في حال إجبارهم على فعل ما يكرهون، أي ممارسة دورهم المحدود في حماية البلد.