لماذا يصمت عسكريو مصر على مغامرة السيسي بليبيا هربًا من أزماته الداخلية؟

- ‎فيتقارير

النيل ينضُب بعد تراجع منسوب المياه أمام بحيرة السد بنحو 10,8% وفق خبراء دوليين، بينما تتّفق اليونان وإسرائيل وقبرص على نقل الغاز الإسرائيلي- المسروق من الأراضي العربية بلبنان وفلسطين- إلى أوروبا عبر حدود بحرية كانت إلى وقت قريب قبل الانقلاب العسكري تتبع الحدود المصرية، وتم التراجع عنها لصالح قبرص، لتتمكن إسرائيل من عمل خط نقل الغاز لأوروبا عبرها، دون أن تستفيد مصر منها مليمًا واحدًا كرسومٍ.

بل إنَّ المخاطر الصهيونية تتزايد في الشرق بصورة متصاعدة، بجانب احتمالات تصاعد حرب أمريكية إيرانية شاملة قد تصل الحدود المصرية بضربات على الأراضي الفلسطينية المحتلة إسرائيليًّا انتقامًا من أمريكا، وغيرها من المخاطر الوجودية التي تهدد مصر، علاوة على أزمات الاقتصاد المصري المتفاقمة بسبب سياسات العسكرة وهروب المستثمرين الأجانب.

إلهاء القيادات العسكرية الوسطى

وبحسب خبراء، يأتي قرار السيسي بالاتجاه غربًا وتجييش الجيش المصري نحو عدوان صريح ومباشر على ليبيا، كمحاولة لإلهاء القيادات الوسطى المتذمرة من سياسات السيسي وفساده العسكري.

حيث تتصاعد وتيرة التململ العسكري من سياسات السيسي الاقتصادية والسياسية، وتوريطه المؤسسة العسكرية في وظائف غير مناسبة لتكوينها وتركيباتها البشرية والاستراتيجية.

“ميديا الانقلاب” لحرب مجهولة

وعلى طريقة الهواة والطغاة الذين يحفرون قبورهم بأيديهم، تشهد الساحة المصرية تجييش الفنانين والصحفيين واللجان الإلكترونية ووسائل الإعلام المختلفة، وتحت شعارات من قبيل “الحياد خيانة” و”100 مليون فدائي”، أطلق النظام المصري حملة إعلامية كبرى رفضًا للتدخل التركي في ليبيا.

ويرى مراقبون أن تصعيد الأذرع الإعلامية واللجان الإلكترونية لنظام السيسي ومحاولة تجييش المصريين وراءه فيما يتعلق بالملف الليبي، ما هو إلا محاولة للهروب غربا نحو ملف آمن، بدلا من مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية المستعصية التي تهدد نظامه، مع تصاعد الاحتقان الشعبي والغضب على سياساته، في ظل اقتراب موعد ذكرى ثورة يناير المؤرقة لأجهزته الأمنية.

ويعتقد هؤلاء أنه بسبب الخلافات بين السلطة في تركيا ومصر، فإن نظام السيسي يخشى الوجود التركي في ليبيا على نفسه لا على مصر، التي تتهددها أخطار أشد من الجنوب والشرق لا من الغرب.

وعلى الرغم من التصريحات المتصلبة لمسئولين إثيوبيين تجاه المطالب المصرية المتعلقة بأزمة نهر النيل وأثر سد النهضة الإثيوبي الخطير على مصر، فإن ألسنة النظام المصري الإعلامية ولجانه الإلكترونية لم تجد في تهديد مياه نهر النيل بالنقصان خطرا على الأمن القومي للبلاد.

ويركز الخطاب السائد حول سد النهضة- وهو خطاب موجه أمنيا في الأساس- على ضرورة التماهي مع خطاب التهدئة الرسمي الغالب، وضرورة التصرف بحكمة وهدوء مع الجانب الإثيوبي، واعتبارهم أصدقاء يمكن حل الأزمة معهم بالتفاهم.

فيما تناقلت عدة تقارير إعلامية، أن الجهات الأمنية المسئولة عن وسائل الإعلام طلبت من الصحفيين والفنانين حث المصريين وتجييشهم “للاصطفاف وراء القيادة السياسية فيما يتعلق بالقضية الليبية.

وتضمنت الرسائل أيضا محاولة تأكيد “ذكاء السيسي بشراء طائرات الرافال، وحاملة الطائرات الميستيرال ليوم كهذا”، وليس لشراء سكوت الاتحاد الأوروبي عن الانتهاكات التي تحدث في مصر، كما قال المنتقدون وقتها.

وطالبت الرسائل باتهام أي شخص يرفض قرار الحرب بـ”الخيانة والعمالة”، ووجوب “نبذه بل والإبلاغ عنه حال اقتضى الأمر”.

فيما تبث الفضائيات الانقلابية بشكل متكرر ومستمر مقاطع دعائية مصورة لمعدات الجيش المصري، وفي خلفيتها صوت السيسي يتحدث عن “الأخطار المحدقة بالوطن وتضحيات أبنائه”.

ورغم هذه التصعيدات، فإن مراقبين يرون أنها “محض تصعيد إعلامي”، إذ لم تصدر أي تصريحات من عسكريين مصريين تجاه الأزمة، بخلاف تحركات وتصريحات لقادة سياسيين وعسكريين أتراك بشأن الدعم العسكري لليبيا، مما يعني أن النظام المصري لا يعتزم التصعيد على الأرض فعليا، ولكن للتصعيد الإعلامي أهداف أخرى عند السيسي، حيث إن القوات المصرية موجودة بالفعل في ليبيا سرا، منذ وقت طويل، لدعم خليفة حفتر.

المرتزقة على أبواب مصر

ولعلَّ ما يثير الاستغراب هو صمت السيسي وعساكره عن الخطر الحقيقي الذي يتهدد مصر، إثر وجود مليشيات حفتر  المتعددة الجنسيات، التي تعد “التهديد الحقيقي” للأمن القومي المصري؛ لأنها أقرب لحدود مصر من طرابلس التي سيتواجد فيها الجيش التركي، وهو ما يعني أن هناك أهدافا أخرى للتجييش ضد التدخل التركي.

وبجانب الفشل السيساوي في إدارة شئون مصر بعقلية البيادة والمناكفات السياسية، فإن اتفاقية ترسيم الحدود التي أبرمتها تركيا مع ليبيا مؤخرا، مثلت فرصة حقيقية لمصر لاستعادة جزء كبير من مياهها الاقتصادية، والتي فقدتها بموجب اتفاقيتها مع قبرص واليونان، ورغم ذلك يرفضها السيسي.