كما تدين تدان، وكما تشارك في الظلم سيصلك الظالم الذي حاربت معه وساندته؛ تصديقًا لـ”من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه”.. هذا هو حال قضاة مصر حاليًّا، بعد نحو 7 سنوات من الظلم الصارخ للمصريين إرضاءً للسيسي وانقلابه العسكري.
حيث وضع السيسي القضاة في دائرة نيرانه، مؤخرًا، بعد سلسلة من التشريعات التي مكنته من رقابهم؛ فتلقت دوائر قضايا الإرهاب تحذيرات واضحة من جهات عليا في الدولة، من تنحي القضاة عن نظر تلك القضايا.
التهديدات تضمنت إحالة أي قاضٍ يتنحى عن نظر قضايا الإرهاب للصلاحية، وإحالته للتقاعد، ووضعه تحت المراقبة، ويثير تكرار تنحي القضاة عن نظر القضايا، المتهم فيها سياسيون وحقوقيون، وقياديون في جماعة الإخوان المسلمين، جدلاً كبيرًا حول أسباب التنحي.
وحال تنحي القاضي، يتم إحالة الأمر إلى محكمة الاستئناف (الأعلى درجة) لتقوم بدورها بتحديد دائرة أخرى من محاكم الجنايات لنظر القضية، ويكفل القانون المصري للقضاة حق الاعتذار أو التنحي عن نظر أي قضية، لاستشعار الحرج، دون أن يلزمهم بالإفصاح عن الأسباب.
واستشعار الحرج مبدأ قانوني يعني عدم قدرة هيئة المحكمة على الفصل في القضية؛ بسبب وجود مانع من الموانع التي حددها القانون على سبيل الحصر، كأن يكون لأحد أطراف الدعوى صلة قرابة بأحد أعضاء هيئة المحكمة، أو أن يكون أحد أعضاء الهيئة متصلاً بالقضية، أو سبق له الحكم في شق منها، أو قام بالتحقيق فيها، أو أبدى رأيًا متعلقًا بها أو بأحد أطرافها في وسائل الإعلام.
انتقام مالي
والسبت الماضي، حرمت المجكمة الدستورية العليا القضاة من راتب الوزراء، ويأتي حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر، ليحسم أزمة معاشات رؤساء الجهات والهيئات القضائية الذين رفضت الحكومة تنفيذ فتوى قانونية صادرة عن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في يونيو الماضي بأحقيتهم إلى جانب رؤساء الجامعات في تقاضي معاش وزير.
وترجع أحداث القضية التي أصدرت على إثرها “الدستورية” حكمها إلى تقدم وزير العدل بطلب تفسير إلى المحكمة بعد أن تضاربت الآراء القانونية حول تطبيق المادة (31) من قانون المعاشات، التي تنظم كيفية حساب معاشات الوزراء عند حساب معاشات القضاة الذين يعاملون معاملة الوزراء ونواب الوزراء من حيث الدرجة الوظيفية من عدمه.
فبينما أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع (جهة إفتائية بمجلس الدولة) بأحقية رؤساء الجهات والهيئات القضائية ونوابهم ومن في درجاتهم، في تقاضي معاش الوزراء، أفتت اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة (جهة إفتائية تابعة للقضاء العسكري) بعدم أحقية الضباط الذين يشغلون مناصب في القضاء العسكري بدرجة وزير في الحصول على معاش وزير.
وإزاء هذا الخلاف، تقدم وزير العدل في حينه بطلب تفسير للمحكمة الدستورية العليا، التي انتهت إلى ترجيح رأي اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة استنادًا لتضمن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي في آخر تعديل لها عام 2018 عبارة “من يشغل فعليًّا” إلى جانب تحديد المناصب المستحقة لمعاش الوزير على سبيل الحصر.
وتنص المادة (31) على أن “يسوى معاش كل مَن يشغل فعليًا منصب رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم والمحافظين ونوابهم، بواقع جزء من عشرة من أجر التسوية عن كل سنة خدمة قضيت فى المنصب، وذلك بمراعاة الآتى:
1- يقصد بأجر التسوية آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب أو آخر راتب سنوي بالنسبة لباقي الفئات وبما لا يجاوز صافي الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب.
2- يكون الحد الأقصى للمعاش بواقع 80% من أجر التسوية المشار إليه بالبند السابق.
3- إذا قلّ المعاش عن 25% من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة رُفع إلى هذا القدر، وإذا انتهى شغل المنصب بسبب الوفاة الإصابية أو العجز الكلى الإصابي فيكون المعاش بواقع 80% من الأجر المشار إليه فى البند (1) من هذه المادة.
4- يجبر كسر الشهر إلى شهر في حساب المدد المشار إليها.
ومؤخرا ساد تململ كبير في أوساط القضاة، بسبب مجموعة من التعديلات القضائية والتشريعية التي أعطت للسيسي صلاحيات اختيار رؤساء الهيئات القضائية وتعييين النائب العام، ورئاسته لمجلس القضاء الأعلى، وفرض قرارات السيسي لقبول القضاة الجدد بتلقي دورات تدريبية بأكاديميات الشباب التي تديرها المخابرات والجهات العسكرية، بجانب حرمان القضاة من حقوقهم في الترقيات والمكافات المالية.
وهو ما يثير غضب القضاة من السيسي، مهددين بعدم المشاركة في نظر القضايا المهمة، سواء كانت سياسية أو قضايا الدولة، وهو ما يمثل قمة الصراع بين السيسي والقضاة الذين دعموه على طول الخط بالظلم والقرارات الانتقامية من معارضي السيسي.