في ظل الفشل الشامل الذي يواجهه نظام الانقلاب على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد ابتلاع أموال الرز الخليجي الذي أُضيف لحسابات قائد الانقلاب وشركائه، وبعد أن ابتزَّ المصريين بضرائب ورسوم لم تكن معروفة، بدأ السيسي موجة تصاعدية من المصادرات لكل ممتلكات وأموال المعارضين والإخوان وغيرهم من المستقلين، الذين باتوا جميعًا “إرهابيين” وفقًا لتلفيقات نيابات الانقلاب ودون انتظار أحكام باتة للمحاكم.
ويكشف ذلك التصعيد فبركة إعلام السيسي الذي حاول إيهام المصريين، بعد مظاهرات 20 سبتمبر الماضي، أن مرحلة من التهدئة ستشهدها مصر خلال الفترة اللاحقة لتظاهرات الشعب في 20 سبتمبر، وأنّ نظام الانقلاب وعى الدرس، وأن حوارًا مجتمعيًّا سينطلق، حتى تفاجأ الجميع بزيادة القمع الأمني والسياسي والاقتصادي ضد كافة البعيدين عن دوائر السيسي.
وأمس، أقرَّت الحكومة الانقلابية تعديلا جديدًا على القانون رقم 8 لسنة 2015، الخاص بتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، بغرض التوسع في تعريف “الأموال” في القانون، بحيث تشمل جميع الأصول المالية والموارد الاقتصادية، ومنها “النفط، والموارد الطبيعية الأخرى، والمُمتلكات أيا كان نوعها، سواء كانت مادية أو معنوية، منقولة أو ثابتة، أيا كانت وسيلة الحصول عليها، والوثائق والأدوات القانونية”.
وشمل تعريف “الأموال” كذلك “العملات الوطنية أو الأجنبية، والأوراق المالية أو التجارية، والصكوك والمُحررات المثبتة لكل ما تقدم أيا كان شكلها، بما في ذلك الشكل الرقمي والإلكتروني، وجميع الحقوق المتعلقة بأي منها، بما في ذلك الائتمان المصرفي، والشيكات السياحية والمصرفية، والاعتمادات المستندية، وأية فوائد أو أرباح أو مصادر دخل أخرى مترتبة على ذلك، أو متولدة من هذه الأموال أو الأصول، أو أية أصول أخرى يُحتمل استخدامها للحصول على تمويل أو منتجات أو خدمات”.
مزيد من القمع والمخالفات
ويؤدي هذا التعديل إلى مزيد من التضييق على جميع المعارضين، وفي مقدمتهم جماعة “الإخوان المسلمين”، والكيانات المدرجة على قائمة الإرهاب، بعد أسبوعين تقريبا من إصدار قرارات بالمصادرة النهائية لأموال أكثر من 120 شخصا من الملفقة لهم هزليات تمويل الجماعة. وذلك بعدما صدرت أحكام نهائية من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة برفض التظلّمات المرفوعة من المتهمين بتمويل “الإخوان” والإرهاب ضد قرار لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية، بنقل جميع الأموال والأملاك التابعة لهؤلاء المتهمين إلى الخزانة العامة للدولة.
ويصبّ التعديل في خانة توسيع سلطات الدولة في التعامل مع الإمكانات الاقتصادية المختلفة لدى العناصر المستهدفة بالمصادرة، باعتبارها أموالًا، فضلاً عن زيادة فرص الاستفادة من الممتلكات محل المصادرة بموجب قانون التحفظ والمصادرة رقم 22 لسنة 2018 الذي يتناقض صراحة مع المادة 40 من الدستور، التي تنصّ على أن “المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي”. فالمقصود بالمصادرة الخاصة هنا أن تحدد المحكمة الجنائية حصريا الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماما عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعا من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة “الإخوان”.
غياب العدالة
وبحسب مراقبين، يتنافى قانون “الكيانات الإرهابية” مع أبسط قواعد العدالة؛ كونه لا يشترط ثبوت ارتكاب كيان أو شخص ما لجرائم مُحددة في القانون، بل يكتفي باتهام النيابة، وصدور قرار من الدائرة المختصة للإدراج على قوائم الإرهاب، وهو ما وظف على مدار السنوات الخمس الأخيرة في التخلص من معارضي السيسي، بمعاقبة كثير منهم بالحرمان من تولي المناصب العامة أو النيابية.
وكان الشهر العقاري في مختلف المحافظات قد أنهى، في 2018، حصر كل الأملاك والعقارات المتعامل عليها، والتي كانت مملوكة للمتهمين، وتم إرساله إلى مكتب وزير العدل السابق حسام عبد الرحيم، استعدادا لنقلها إلى ملكية الخزانة العامة للدولة رسمياً، بعد صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة بتأييد المصادرة. وقد تم ذلك بالفعل خلال الأشهر الماضية بالنسبة إلى مئات الحالات، من بين أكثر من 1500 شخص مدرجين على القائمة الرئيسية لمتهمي تمويل “الإخوان”، ومن بينهم نجم الكرة السابق محمد أبو تريكة، والذي لم يتم إيجاد حل لوضعه حتى الآن رغم تدخل العديد من الوسطاء العرب.
وسبق أن استدعى جهاز الأمن الوطني في بعض المحافظات عددا من المتهمين بتمويل الجماعة من المدرجين في قائمة الإرهاب، ممن لم يدخلوا السجون في قضايا أخرى، وأبلغهم بضرورة تسوية الأوضاع المالية لشركاتهم وأملاكهم سريعا، تمهيدا لمصادرتها من قبل الدولة.
وأشارت المصادر إلى أنّ التعليمات الأمنية تضمّنت ضرورة الإفصاح عن جميع الأملاك المسجّلة باسم الشخص المدرج في قائمة الإرهاب بقضية التمويل، قبل تنفيذ قرار المصادرة، مع التهديد بتحريك قضايا ضريبية ومالية ضدّ من يخفون أملاكا أو ينقلون ملكيتها إلى أشخاص آخرين لحمايتها من المصادرة.
كذلك تم إعداد قائمة جديدة العام الماضي تضم نحو 30 شخصا زعمت تحريات الأمن الوطني أنهم تعاونوا مع بعض المتهمين لإخفاء ملكياتهم، أو نقلها إليهم أو إلى آخرين، وصدر قرار بالتحفظ أيضاً على أموالهم.
بيئة غير مواتية للاستثمار
وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن بيئة المصادرات غير القانونية والمخالفة لدستور الانقلاب نفسه، تمثل عقبة كؤودًا أمام الاستثمار في مصر، بجانب العراقيل الإدارية والبيروقراطية، وعدم الأمان على الأموال، وهو ما اشتكى منه مقربون من السيسي نفسه، ولقنوا السيسي درسا قاسيا في أبو ظبي مؤخرا، وهو ما جعله يسند الإشراف على استثمارات الإماراتيين وأموالهم في مصر لجهاز الاستخبارات، بعد سلسلة من السرقات والعراقيل التي عطلت مشاريع الاستثمار الإماراتي بمصر خلال الفترة الماضية.
وأدت عراقيل السيسي وسرقاته وبلطجة أجهزته إلى هروب استثمارات بنحو 7.7 مليار دولار من مصر، خلال أكتوبر الماضي، لترتفع قيمة الاستثمارات الهاربة من نير السيسي ونظامه العسكري الذي لا يفهم سوى في السرقة فقط، ودمار بيئة الاستثمار بمصر.