في مفاجأة لم يندهش لها إلا العرب وحدهم الذين لم يعتادوا على ديمقراطية محاكمة الطغاة، نشرت هيئة مكافحة الفساد الماليزية تسجيلًا صوتيًّا للمرتشي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، يثبت تورطه في قضية فساد، وسرعان ما انتشر التطبيل عبر اللجان الإلكترونية وإعلاميي البلاط أمثال عمرو أديب، عبر هاشتاج “كلنا محمد بن زايد”، بدلًا من المطالبة بعزله ومحاكمته على الملأ لثبوت خيانته للأمانة.
هذه المرة كانت الفضيحة علنية، إذ نشرت قبل أيام هيئة مكافحة الفساد في ماليزيا تسجيلا لمكالمتين هاتفيتين بين رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، والشيطان محمد بن زايد عدو الشعوب العربية والمسلمين، بشأن عملية تبييض أموال بالولايات المتحدة خاصة بالصندوق السيادي “ماليزيا واحدة للتنمية”، المعروف اختصارًا بـ”وان إم دي بي”.
المكالمتان أُجريتا يوم 22 يوليو 2016، ومن خلالهما طلب عبد الرزاق من الشيطان تحويل أموال لصالح رضا عزيز ابن زوجة الأول والمقيم في نيويورك، وذلك لحمايته من ملاحقة قضائية في الولايات المتحدة، بتهم غسل أموال تتعلق بالصندوق السيادي، وشركة إنتاج أفلام سينمائية في هوليود.
قانونية التجسس
ويُظهر التسجيل بالمكالمة الثانية أن الشيطان وافق على تمويل صوري للأفلام التي ينتجها رضا عزيز، وذلك من خلال تحويلات مباشرة منه أو من خلال شركة الأبرار التي يرأسها منصور بن زايد شقيق ولي عهد أبو ظبي.
وكان اسم شركة الأبرار ظهر أكثر من مرة في التحقيقات الماليزية بقضية الصندوق السيادي، إضافة إلى شركات إماراتية وسعودية، وتظهر التسجيلات حذر بن زايد وعبد الرزاق من الحديث بالتفاصيل عبر الهاتف، كما أن الأخير لم ينف المحادثة الهاتفية، إلا أنه حذّر من أن الكشف عنها من شأنه الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية والمصالح الوطنية، وتساءل عن قانونية التجسس على رئيس وزراء أثناء وجوده بالسلطة وتوقيت الكشف عنها.
وفي الوقت الذي تثير تسريبات ماليزيا التي تحاكم رئيس وزرائها السابق، دهشة الإعلاميين من طبالي سلطة الانقلاب بمصر، والساسة بائعي ضمائرهم خدم بلاط الطغاة العرب، سبقها إصرار النواب الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي على إجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت تجري مراسم محاكمة رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو.
قرار الديمقراطيين جاء بعد اعتراف ترامب بأنه قام فعلا بالحديث مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في يوليو الماضي، طالبا التحقيق مع جو بايدن وابنه، الذي كان يعمل في أوكرانيا، على أن تقوم الولايات المتحدة في المقابل بتقديم دعم عسكري لأوكرانيا، وهو أمر يعني أن الرئيس قام باستخدام منصبه لطلب تدخل دولة أجنبية ضد خصمه الرئيسي الذي يمكن أن يقف في وجهه في انتخابات الرئاسة عام 2020.
أما نتنياهو فقد قام بتقديم موعد انتخابات برلمان الاحتلال على أمل استباق لائحة الاتهام ضده بتهمتي الاحتيال وخيانة الأمانة، وحسب الصحافة الصهيونية، فقد كان يستعد لشن حرب على غزة قبل أسبوعين كي يؤجل الانتخابات، إضافة إلى الوعود الخطيرة التي ألقاها بضم مناطق من الضفة، ووسّعها لاحقا لتضم الضفة كلها.
والمعنى أن السلطة وبقاءها في يد نتنياهو لا تختلف عن السفيه عبد الفتاح السيسي، هي الغاية العليا التي تخاض لأجلها الحروب وتنجز الاحتلالات وتقام المستوطنات، أو تقام مجازر للمصريين في رابعة والنهضة وحفلات الإعدام الجماعية سواء في المعتقلات أو أمام قضاء الانقلاب.
من الغرابة أن أحد أكبر حلفاء ترامب أيضا، وهو رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خاض أيضا جولة محاكمة مع المحكمة البريطانية العليا، جراء لعبته السياسية الخطيرة بتعليق البرلمان البريطاني حتى 31 أكتوبر، وأنه خسر الدعوة واعتبر قراره غير قانوني.
ولجأ في اليوم الأول لعودة البرلمان، مثل نظيره الأمريكي والصهيوني والسفيه السيسي، إلى تأجيج النزعات المتطرفة رابطا مقتل النائبة البريطانية جو كوكس، التي اغتيلت على يد اليمين المتطرف، بضرورة خروج بريطانيا من أوروبا، مستخدما العبارات نفسها التي يستخدمها اليمين المتطرف خلال تنفيذ عملياته وتهديداته الإجرامية، من دون أن ينسى، كما فعل نظيره ترامب، أن يمتدح السفيه السيسي، في الوقت الذي تخرج فيه المظاهرات الشعبية مطالبة أيضا بعزله.
التصدِّي للطغاة
احتمال عزل ترامب ضعيف لأن نواب حزبه الجمهوري يسيطرون على مجلس الشيوخ الذي عليه أن يصادق على قرار العزل إذا تم إقراره في مجلس النواب، فيما يتجه نتنياهو إلى الاستمرار في استخدام ألعابه الجماهيرية، وكان آخرها طلبه بث الجلسة التمهيدية لمحاكمته على الهواء، في سعي ربما، لاستنهاض الغرائز الوحشية لدى الجمهور اليميني المتطرف، كما يفعل ترامب وجونسون.
قد يبدو الربط بين فضيحة الشيطان محمد بن زايد وفساد وإجرام السفيه السيسي ومحاكمة ترامب ونتنياهو ونجيب عبد الرزاق ضربا من المصادفة، غير أنه ليس من المصادفة وجود رابط أكيد بين شخصيات الطغاة في العالم، وطرق فهمهم وتعاملهم مع السياسة باعتبارها مطيّة للفساد، والاحتيال على الشعوب، وهدفا أعلى يجب ممارسة كل طرق الخداع للحصول عليه والاحتفاظ به.
كما أن من الضرورة الطبيعية والإنسانية والسياسية أن يتم التصدّي للطغاة، عبر كفاح عالميّ تمتزج فيه الأخلاق السياسية مع الدفاع عن حقوق الإنسان، والشعوب التي يقوم الطغاة بانتهاكها والسخرية منها عليها أن تقاوم وأن تسقطهم بكل الأشكال الممكنة.