بعيدًا عن الأنظار وفي غياب صاحب الحق، خطَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آخر خطوط المشروع الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.
الخطة التي سمّاها ترامب صفقة القرن ووعد بها الاحتلال منذ 2017، عبر الاعتراف بكل شبر تصل إليه آلياته، باتت قاب قوسين أو أدنى من خطوة الإعلان الرسمي؛ استنادًا إلى سياسة الأمر الواقع، وبعد خطوات مثّلت تطبيقًا فعليًّا للكثير من بنودها على الأرض، حسبما وصفتها كثير من التقارير الأمريكية والعبرية المطلعة على تفاصيل الخطة .
الإعلان الذي جرى إرجاؤه مرارًا في محاولة ترتيب البيت الداخلي يراهن به ترامب الآن على علاقات تطبيع عربية تنافس الحقوق الفلسطينية تمامًا، كما يراهن على صك العبور من أزمته السياسية مع الديمقراطيين، فيما تنكفئ السلطة الفلسطينية على محاولات ترتيب بيتها في مواجهة ضغوط هائلة من الشارع لاتخاذ إجراءات صارمة ضد هذا المشروع، وتفعيل قراراتها المعلنة مرارا بإنهاء مساوئ التنسيق الأمني مع الاحتلال.
ضغوط يدرك المحتل جيدا أن أحاديث السلام المزعومة لن تجدي في محاولة كبح جماحها، ليعلن عن خطة عاجلة لاستنفار قواته بطول خطوط التماس على الأراضي المحتلة، وبين محاولة استثمار الخطة كورقة انتخابية أمريكية إسرائيلية وإجراءات فرضها على أرض الواقع، يبقى للشارع الفلسطيني ومقاومته الكلمة الأولى والأخيرة في الرد على هذه الخطة.
تترقب العاصمة الأمريكية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بزعمه، والمعروفة إعلاميًّا بصفقة القرن، بعد 3 سنوات من إبداء نيته طرحها، وبعد اتخاذه العديد من الخطوات التي مثلت- بحسب مراقبين- تطبيقًا فعليًّا للكثير من بنود هذه الصفقة، خاصة ما يتعلق منها بمصير القدس وهضبة الجولان.
وقد أفادت وسائل إعلام عبرية بأن جيش الاحتلال بدأ خطة الاستعداد لمواجهة التوترات المرتقبة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن بنود الصفقة، والتي يأتي على رأسها الاعتراف بالأمر الواقع وبضم المستوطنات والأراضي الخاضعة لسيطرة الاحتلال بالضفة الغربية، حيث أكدت إذاعة جيش الاحتلال أن القيادة المركزية نشرت 6 كتائب في الضفة الغربية تحسبًا لحدوث هجمات، في حين جدد مسئولون فلسطينيون تهدديهم بالانسحاب من اتفاقية أوسلو في حال الإعلان عن الخطة.
قناة “مكملين” ناقشت، عبر برنامج “قصة اليوم”، الإعلان الجديد عن طرح الخطة الأمريكية ودلالات التوقيت والجدوى وردود الأفعال.
إبراهيم المدهون، الكاتب والمحلل السياسي، رأى أن ما يجري اليوم من مناوشات بشأن صفقة القرن يشبه ما تم عام 1947 بشأن تقسيم فلسطين، حيث تم وضع اقتراحات مجحفة حتى يرفضها الفلسطينيون والعرب ويظهر الطرف الصهيوني بموقف قوي .
وأضاف المدهون أنه حتى لو قبل الطرف الفلسطيني ممثلا في السلطة الفلسطينية، سيعود الاحتلال الإسرائيلي للمراوغة والتذرع بحجة أن السلطة لا تمثل كل الشعب الفلسطيني، فهناك قطاع غزة والضفة والشتات وهناك انقسام فلسطيني.
وأوضح المدهون أن الولايات المتحدة الأمريكية راع غير نزيه لعملية التسوية، ومنحازة قولا وفعلا لصالح العدو الصهيوني، و90% من قرارات الفيتو الأمريكية في مجلس الأمن لصالح العدو الصهيوني، وتتدخل بالدعم اللوجيستي والميداني في أي حرب يخوضها الاحتلال ضد العرب، كما أن الاحتلال يعتبر نفسه جزءًا من الولايات المتحدة، وأنه الولاية الـ51 من أمريكا، وهو قاعدة متقدمة لها.
وأشار المدهون إلى أن الاحتلال الصهيوني بدأ يفقد دوره بعد أن تم تضخيمه في الفترات السابقة عامي 1948 و1967، وبدأ يتآكل في الصراعات مع المقاومة الفلسطينية خصوصا في قطاع غزة، وبات غير قادر على حسم الصراعات العسكرية، وتدخلت أمريكا لإنقاذه عبر مجموعة من الفقاقيع مثل عملية التسوية تارة، وصفقة القرن تارة، وعملية السلام تارة أخرى.
ولفت المدهون إلى أن كل هذه المبادرات هدفها المراوغة وإبقاء الاحتلال ولفت الأنظار عن بطولات المقاومة، فمثلا في الانتفاضة الأولى عندما هُزم الاحتلال أمام أطفال الحجارة خرجت أوسلو، وفي الانتفاضة الثانية عندما هُزم الاحتلال بالعمليات الاستشهادية داخل الكيان خرجت خارطة الطريق، وبعد أن بدأ الاحتلال يعجز أمام هبة الأقصى وصمود أهل غزة تدخلت أمريكا بلعبة سياسية جديدة لتحرف المسار الفلسطيني لصالح الاحتلال.
بدوره قال غسان المصري، القيادي بحركة فتح، إن الصورة باتت واضحة الآن؛ فتصريح نتنياهو حول الإعلان عن خطوة تاريخية واستراتيجية خلال زيارته واشنطن، قصد بها إنهاء القضية الفلسطينية والقضاء على الهوية الوطنية الفلسطينية، وتهويد ما بقي من الأرض الفلسطينية والقضاء على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية.
وأضاف المصري أن نتنياهو ذهب إلى واشنطن لإعلان خطة صفقة القرن، والتي بدأ تنفيذها على الأرض بالخطوة الأولى، حينما نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، تلتها خطوة اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، والخطوة الثالثة تبعها خطة أمريكية اشتغلت عليها لمساعدة الاحتلال لإنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومحاولة إنهاء دور وكالة غوث اللاجئين “الأونروا”.
وأوضح المصري أن الولايات المتحدة تسعى الآن باتجاه خطوة متقدمة، وهي الضغط على الجانب الفلسطيني ومحاولة إقناعه بالقبول بجزء من خطة صفقة القرن، وهو الموافقة على دولة فلسطينية بشروط أربعة الاعتراف بإسرائيل والقدس عاصمة لها وضم المستوطنات لها، وتكون دولة فلسطين منزوعة السلاح وبلا جيش، مشيرا إلى أن هذه الشروط رفضتها السلطة الفلسطينية.
https://www.facebook.com/qisat.alyawm/videos/226178871726162/?t=0