خليل العقيد.. حكاية “حارس الشاطر” وأقدم معتقل سياسي بعد ثورة 25 يناير

- ‎فيحريات

أكمل أمس خليل أسامة محمد العقيد عامه الثلاثين داخل سجن العقرب الذي يقبع فيه منذ 8 سنوات، ومر العقيد وهو الأول بين سبعة من عائلته في السجن أو على الأقل مر به ومنهم شقيقه المحبوس معه في سجن العقرب ولا يريان بعضهما بعضًا!.

واعتقل خليل العقيد في 15 ديسمبر 2012، وحُكِم عليه بسنة، رغم ذهول الدفاع في اتهامه الباطل ومن بين دفاعه المستشار محمود الخضيري، وبعد انقضاء محكومية العقيد، على خلفية القضية الهزلية المعروفة بحارس المهندس خيرت الشاطر، فانتهت منتصف أغسطس لعام 2013 وبالتزامن مع مجزرتي رابعة والنهضة، تعرض خليل العقيد للاختفاء القسري لأكثر من ٤٠ يوما، بدلا من إخلاء سبيله، وذلك قبل ظهوره بسجن العقرب بعد الزج باسمه في القضية الهزلية المعروفة بالتخابر مع حماس، وتم الحكم عليه منتصف يونيو لعام ٢٠١٥ بالسجن المؤبد، وتم قبول النقض المقدم منه، وإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى، والتي حكمت عليه مجددًا بالسجن المؤبد ظلمًا.

وفي سبتمبر الماضي، قضت محكمت جنايات القاهرة، بالسجن المؤبد بحق الشاب، خليل أسامة العقيد وشهرته "عمرو العقيد"، في القضية الهزلية المعروفة إعلاميًا بالتخابر مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بعد ٧ سنوات من السجن قضي منهن ٦ قيد الحبس الانفرادي بمقبرة العقرب، مع منعه من زيارة ذويه.

تدهور حالته الصحية

ومر خليل العقيد خلال السنوات الثماني بالعديد من الظروف التي سببت له تدهورًا في حالته الصحية والنفسية كمعتقل في سجون الانقلاب، فتارة يعتدي عليه جنود الانقلاب ومنهم المفتش الضابط "أيمن خضر"، بالضرب والسب في مستشفى ليمان طرة، ورفض تنفيذ طلب لمّ الشمل بجمعه مع شقيقه رغم موافقة مأمور السجن ورئيس المباحث؛ ما أدى إلى تفاقم الحالة النفسية لدى "العقيد" خاصة بعد إصابته بحالة انهيار عصبي شديد نتج عنه جروح قطعية متعددة في الوجه والصدر وأجزاء متفرقة من الجسم.

أودع مستشفى الليمان لعدم وجود تخصص طبي لحالته، وذلك على الرغم من رفضهم ترحيله مستشفى آخر أو إحضار أستاذ مخ وأعصاب متخصص لحالته على نفقته الخاصة.

ووصل به الحال لحالات انهيار عصبي أدى إلى جروح عنيفة في جسده وصل لحد 15 غرزة وجروح أخرى ولا زالت حالته تستمر في التدهور حتى الآن.

تقول والدته السيدة ناريمان: إن لـ"خليل" شقيقًا آخر يقبع معه في عنبر واحد بسجن العقرب، إلا أنه لا يتمكن من رؤيته، ومرض خليل العقيد يعاني منه منذ أربع سنوات، وهو عبارة عن نوبات عنيفة من الصداع النصفي والآلام الأخرى في المخ ولعدم وجود متخصصين في حالته واكتفاء إدارة السجون بالعلاج بالمسكنات المخدرة.

وخليل أسامة العقيد وشهرته ‫‏عمرو العقيد‬، 26 عاما، حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية، قد تعرض في أوائل مارس 2016 لانهيار طبي شامل؛ حيث أصيب بنزيف في المخ وفقدان للذاكرة، نتيجة سوء أوضاع حبسه في سجن العقرب فتم منع الأدوية عنه ومنعه من الخروج من الزنزانة الانفرادية نهائيا لأسبوعين متواصلين، وانضم للموجة الأولى من الإضراب التي كانت في أواخر شهر فبراير وشهر مارس وأسفرت عن تحسن نسبي لأوضاع المعتقلين بالعقرب وأوضاع الزيارات قبل أن تتدهور الأوضاع بالسجن مرة أخرى سريعا وتعود التضييقات والانتهاكات ومنع الزيارات في منتصف أبريل.

التقى المرشد

تحدث عن معاناة الكثير في الرسائل، ومنها رسالة الصحفي حسن القباني الذي وضعه مع آخرين في المعاناة الصحية والإهمال الطبي داخل سجن العقرب، كما تحدث عنه النائب السابق والمحامي عصام سلطان، وفي أكتوبر 2017 قالت شقيقته أميمه العقيد: إن خليل بعث برسالة عن آخر ما دار بينه وبين الأستاذ مهدي عاكف يرحمه الله.

فقال: "حين جئت إلى الدنيا منذ ٢٧ عامًا ولم أعلم أن الأقدار ستجمعني في سجن وأحد مع الرجل الذي أذاق الإنجليز المحتلين لبلادنا الويلات والذي وقف مجاهدًا أمام اليهود الغاصبين لأرض فلسطين عام ١٩٤٧".

إنه شيخ المجاهدين أ. مهدي عاكف والذي أشار إلي بيده كثيرًا (في وضع القبضة) كلما مررتُ عليه يوميًا في مستشفى ليمان طرة وهو جالس على كرسيه المتحرك شامخًا يأبى إلا أن يتجلد أمام الظالمين، رغم الأمراض الكثيرة التي داهمته في هذا السن الكبير، قائلاً: (يا ولدي يا خليل كيف حالك وكيف أحوال الوالدة سلم لي على كل إخوانك.. اجمد يا خليل).

وأضاف: "من الممكن أن تقف طويلاً عند قوله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وما بدلوا تبديلا)، ولكن الوقفة لا بد أن تكون أعمق وأكثر تأثيرًا في نفسك.. إذا وجدت هذا الصنف من الرجال المنتظرين على هذا السبيل ماثلاً أمامك.. أسعى إلى الوصول إليه فيمنعني السجان وفي كل محاوله يأمرني أستاذنا بالانصراف لتفويت الفرصة على السجان بافتعال الصدام معي.. إلا في اليوم الذي سبق في علم الله أنه سيكون اللقاء الأخير.. اللقاء الذي يحمل فيه الشاب وصية الشيخ لكل الأجيال، ففوجئت يوم الخميس بصوته الجهوري ينادي (يا خليل يا ولدي …. تعالى ادخل عايزك ضرووري) وكان على مسافة عشرين مترًا فاقتربت منه وبيننا سلك من حديد وعدد من المخبرين يحاولون منعي من الكلام معه؛ فقال: ادخل متسمعش كلامهم تعالى (يا خليل عايزك يا ولدي) وفقدت وقتها كل شعور بمن حولي، فتوجهت إلى الباب وبدأ التدافع من الحراس وأنا أسمع صوته: (يا ظلمة سيبوه يسلم عليا تعالى يا ولدي متخلهمش يمنعوك) كانت ثورته عارمة يلوح بعكازه.. يدعو ربه بالنصر والفرج القريب.. فبدأ النور جليًا من دُجى الليل العصيب؛ فنجحت بالوصول إليه ونزلت على ركبتي مُقبلاً ليده ورأسه، فحاول المخبرون أخذي فإذا به يضربهم بعكازه، قائلاً (اللي هيمد إيده عليه هكسرها.. سيبوه معايا شوية) نعم إنها الهيبة والإجلال.. وجدت دموعي على خدي في الوقت الذي صّوب نظره إلى عيني فانتبهت إلى كلماته التي لا زال صداها لا يفارقني.. كلمات وقعت في صدرى وسكنت بين أضلعي إنها وصية لنا جميعًا، قال: "(أنتم على الحق.. طريقكم من نور التفوا حول قيادتكم ستخرجون ستفتح بكم الدنيا بلغ إخواني السلام)، ووضع يده على رأسي مرة وعلى كتفي مرة أخرى وقال (لا تبكِ) ثم عادت أصوات السجانين مرة أخرى إلى أذني ويبدو أنهم لم يتوقفوا عن الكلام لحظة ولم يغيبوا.

وأضاف: "بل أنا الذي كنت غائبًا عنهم حاضرًا مع أستاذي.. فترجاني أحد الشاويشه أن أخرج (علشان مينضرش) وقبل أن يرد عليه شيخي قلت (لا.. لن أخرج حتى يأمرني هوا) ووضعت يدي على ركبته قائلاً (سأنفذ ما تريد.. ماذا تطلب منّي؟) قال أنا أطمأننت عليك عُد إلى مكانك أنا كدا مرتاح.. قلت له (خليني معاك شويه) قال لا اذهب الآن.. فأخذت أقبل على يده ورأسه ونظرت إلى من حولي ينظرون لا يحركون ساكنًا كأن على رءوسهم الطير وتعلوهم علامات الحزن والفشل ثم تركت أستاذنا لأعلم بعد ذلك أنه تم نقله بعد ساعات إلى خارج السجن.. إلى مستشفى المنيا حيث توفي إلى رحمة الله تعالى.. فكانت هذه اللحظات هي اللحظات التي جمعتني كآخر فرد من أفراد الإخوان المسلمين يلتقي بشيخ المجاهدين ويحمل عنه هذه الوصية، بل هذه المعاني التي أديتها لكم كما سمعتها وحفظتها.. وأسأل الله أن أسير في هذا الطريق باذلاً روحي فداءً لديني.. واضعا يدي في يد كل مخلص غيور.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد".