تداولت تقارير غربية أخيرًا حديثًا نسبته لـ”القادة المصريين” عن عمل عسكري ضد إثيوبيا لإيقاف بناء السد, وتتهم الأخيرة “مصر” بمساندة متمردين تم القبض عليهم وهم يقومون بمحاولة لتدمير السد, وهناك اتهامات أخرى بأن مصر تبني قاعدة عسكرية في إريتريا لضرب السد, لكنّ حكومتي الانقلاب وإريتريا تنفيان هذه الادعاءات الإثيوبية.
وزادت التقارير أن العملية العسكرية أيضا خيار شديد الصعوبة، خاصة بعد توقيع مصر على اتفاق (الخرطوم) ٢٠١٥، الذي أقرت فيه بالتعاون من الأطراف الأخرى.
وتمارض الجيش في يونيو 2013 عن شن حرب عسكرية، عندما أعلن الرئيس الشهيد محمد مرسي عن أن تعويض أي قطرة ماء سيكون من دماء المصريين، في تهديد للإثيوبيين بالحرب.
المتحدث العسكري في 13 يونيو 2013، أحمد محمد علي آنذاك، قال بلسان الجيش: “من المبكر الحديث عن عمل عسكري لحل قضية سد النهضة.. لدينا من وسائل القوى الشاملة ما يمكننا من حل أزمة النهضة قبل الخيار العسكري.. تدخل عسكري ضد سد إثيوبيا سابق لأوانه وما زال مبكرًا”.
الثورة المضادة
وفي تقرير أخير نُشر في أكتوبر الماضي، استبعدت مصادر مقربة من الانقلاب العمل العسكري بسبب أراضٍ وشركات تمتلكها السعودية والإمارات في إثيوبيا وتستفيدان منها.
ويتجاوز حجم الاستثمارات السعودية الحالية في إثيوبيا 5.2 مليار دولار، تستحوذ الاستثمارات الزراعية منها ما نسبته 30 في المائة. وتشغل الرياض حاليا المرتبة الثالثة من حيث الاستثمار في أديس أبابا، في ظل تطلعات لزيادة المشاريع السعودية من خلال حوافز عدة طرحتها إثيوبيا للمستثمرين السعوديين، من بينها الإعفاء الجمركي، وتوصيل الكهرباء، وإلغاء الازدواج الضريبي، فيما قدم الصندوق السعودي للتنمية تمويلات وقروضا ميسرة لمشروعات لها صلة غير مباشرة بسد النهضة، تحت مسمى استنهاض التنمية في ريف إثيوبيا.
كذلك تشارك مجموعة “العامودي”، المملوكة لرجل الأعمال السعودي من أصول إثيوبية محمد حسين العامودي، الذي كانت تُقدَّر ثروته في عام 2015 بنحو 13.5 مليار دولار، وهو واحد من رجال الأعمال الذين ألقى وليّ العهد محمد بن سلمان القبض عليهم لابتزازهم، من خلال احتجازهم لفترة في واقعة فندق “ريتز كارلتون” الشهيرة. وأمدّ اثنان من مصانع الإسمنت المملوكة من العامودي في إثيوبيا، بينهما مصنع “ميدروك”، شركة ساليني الإيطالية، بكل الكميات المستخدمة في عمليات بناء السد، بينما وُقِّعَت عقود مع شركات وسيطة مملوكة له لتقديم الخدمات اللوجيستية للمشروع، في وقت أعلن فيه تبرعه بنحو 80 مليون دولار لاستخدامها في تشييد السدّ في عام 2015.
وبلغت الاستثمارات الإماراتية، نحو 3 مليارات دولار في إثيوبيا، وتتركز في السياحة والضيافة، إذ تنشط شركات إماراتية، مثل “جلفار الخليج للصناعات الدوائية” و”راك سيراميكس”، في إثيوبيا، بالإضافة إلى مجموعة “الغيار” العقارية العملاقة، التي شرعت في عدد من الاستثمارات في القطاعين السياحي والفندقي.
وقدمت الإمارات مساعدات مالية دولارية أسهمت في عمليات بناء السد، فضلاً عن تعهدها العام الماضي بتقديم ما إجماليّه ثلاثة مليارات دولار في شكل مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، دعماً لرئيس الوزراء الإثيوبي الحائز جائزة نوبل للسلام.
تهويش لا أكثر
واعتبرت التقارير أن أي اجتماع عسكري، كاجتماع السيسي الأخير مع قادة المجلس العسكري، مجرد عملية “تهويش” تطلقها وسائل الإعلام الموالية بين الحين والآخر، وذلك بإيعاز من أجهزة أمنية لاحتواء الرأي العام في مصر.
ورأى مراقبون أنه من غير الوارد على الإطلاق تورط عبد الفتاح السيسي في عمل عسكري من أي نوع من الناحية العملية لأسباب كثيرة، من بينها جنسيات الشركات المُشاركة في بناء سدّ النهضة، وكون هذه الدول من حلفاء النظام المصري ومعاونيه في المنطقة العربية، على غرار السعودية والإمارات والاحتلال الصهيوني.
وقال مراقبون، إن فشل مفاوضات السدّ لا يعني- برأي هذه المجموعة المشاركة بمصالح وأموال ضخمة في إثيوبيا- “طريقا مسدودا” للمفاوضات، بل يعني عدم استمرار المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا.
عواقب وخيمة
وحذرت مصادر من أن العمل العسكري سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها، وهو ما يرسخ مسألة استبعاد هذا الطرح، حتى مع انسداد المسار التفاوضي بشأن السد، مستدركة بأن الموقف الإثيوبي يجب أن يتسم ببعض المرونة إزاء محاولات الوساطة، ولا سيما فيما يتعلق بخطة الملء الأول للخزان، وتشغيل السدّ في السنوات الأولى لدخوله الخدمة. وسبق أن شككت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، تحدثت مع “العربي الجديد”، في أن تؤدي واشنطن دوراً حاسماً لمصلحة القاهرة، بعدما طالب السيسي علانية بتدخلها، بناءً على وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسيسي في نيويورك أخيرًا، بالتدخل لضمان حقوق مصر المائية، وعدم الإضرار البالغ بها جراء مشروع السد الأكبر في إفريقيا.
نكسة 67
د.محمد حافظ، خبير السدود بجامعات ماليزيا، تخوف من أن أي عمل عسكري في ظل هذه الأوضاع يشبه الانتحار كما في نكسة 67، وذلك لدى استماعه لتوك شوز في أعقاب اجتماع السيسي وقادة العسكر، وقال: “مصر هي التي (استدعت) الأشرار لغرفة نومها.. الليلة كان لي لقاء مع إحدى القنوات الفضائية وكانت اللهجة العامة للحوار بأن على السيسي قيادة مصر للدفاع عن حقوق مصر في النيل الأزرق، وحماية الأمن القومي بتدمير سد النهضة.. بصراحة وبكل صدق أنا اليوم (ضد) قيام مصر بأي عمل عسكري ضد إثيوبيا بتاتا.. ليس تنازلا عن (حق الدولة المصرية) بل خشية تكرار نكسة 67 مرة أخرى”.
وأضاف “أي أن (أخيب عسكري) في جيش مصر تحت قيادة (عبد الحكيم عامر) أفضل مما لدينا اليوم من (خير جنود الأرض).. وعليه فالحرب ليس فقط (معدات) بل (قيادات) أيضا”.
وتابع “رأينا بعين رئسنا (أداء) الجيش المصري في سيناء في حربهم ضد (800 رجل سيناوي). على مدار 7 سنوات لازال الصراع دائم بلا أي نتيجة.. لذلك فدفع (السيسي) بضرب سد النهضة لن يكون (هو الحل).. قد تطير طائرتنا فوق سد النهضة وتدمره (جزئيا) أو (كليا) أو لا تتمكن بتاتا من الوصول لجسم السد وتدمر أجزاء من الغابات الاستوائية.. فأنا لا أثق في اللواء مقاتل قائد خط الجمبري (المخلي) أو العميد مقاتل قائد خط (البوري) في (إدارة حرب)”.
تسلح إثيوبيا
وفيما يخصّ الشركات المملوكة لأنظمة حليفة للسيسي، هناك شركة “رافيل” الصهيونية المتخصصة في الصناعات الدفاعية، التي تعاقدت معها الحكومة الإثيوبية لتزويدها بمنظومة الصواريخ الدفاعية “Spyder-MR” لتأمين السد، والمنطقة المحيطة به من أي هجمات جوية أو صاروخية.
وتعاقدت إثيوبيا مع شركات صهيونية أخرى في مجالات قواعد البيانات والاتصالات، بغرض تأسيس الشبكات الخاصة بالسد. في غضون ذلك، تعاقدت الحكومة الإثيوبية مع عدد من الشركات متعددة الجنسيات، المتخصصة في مجالات مثل الاستشارات الهندسية ونقل مواد البناء وتوريدها، التي انتقل غالبيتها من ليبيا جراء تدهور الأوضاع الأمنية هناك، وتضم بين ملاكها رجال أعمال مصريين.