باحث أكاديمي: الصهاينة لاعب رئيسي في حرب مياه النيل وسد النهضة

- ‎فيتقارير

قال الباحث السياسي الدكتور د. عصام عبد الشافي: إنه ينبغي إدراك أهمية المتغير “الإسرائيلي” في المعادلة، وإدراك الأبعاد الاستراتيجية له، والذي ينطلق تجاه إثيوبيا من عقيدتها الأمنية.

وأضاف، في ورقة أو مقدمة بحث بعنوان “سد النهضة ــ سؤال الحرب والتفاوض”، نشرها المعهد المصري للدراسات الذي يديره، أن للمياه مكانة في الفكر الصهيوني، حيث تفترض حيثيتها في الحفاظ على الأمن القومي للكيان، وتطويق الأمن القومي العربي وذلك من خلال التأثير على مائيته، وكسر طوق الحصار الذي فرضته الدول العربية لها من خلال تبني نظرية حلف المحيط بإقامة علاقات مع الدول المحيطة بالدول العربية، وتمثل عمقًا استراتيجيًا له، ومن ثم كانت إثيوبيا معقلًا لتلك التحركات.

واعتبر “عبد الشافي” أن حضور الكيان الصهيوني في سيناريو الحرب يفرض نفسه، موضحا أن خيار الحرب لا يرتبط فقط بتوازنات القوى العسكرية، ولكنه يرتبط بأنماط التفاعلات الإقليمية والدولية والتحالفات القائمة، وموقع النظام المصري من هذه التحالفات، خاصة في وجود ما يمكن وصفه بالتحالف الاستراتيجي بين كل من إثيوبيا والولايات المتحدة وإسرائيل. والأخيرتان حليفان استراتيجيان للنظام في مصر، ولهما من أوراق الضغط الكثير لضبط حركته الخارجية، إلا إذا قاما هما بالدفع نحو هذه المواجهة، في إطار التدمير الذاتي للقدرات المصرية، التي ستبقى من المنظور الاستراتيجي للاحتلال العدو الاستراتيجي الأول لها في المنطقة.

المساومة مؤكدة

وربط الباحث بين غياب الشرعية عن الانقلاب ومساومة الصهاينة للانقلاب في هذا المجال، فقال: “يمكن القول إن هذا السيناريو يواجه العديد من التحديات، في ظل طبيعة توجهات السياسة الخارجية المصرية في المرحلة الراهنة، والتي ما زالت تعاني من أزمة شرعية، كون النظام الحالي جاء بانقلاب عسكري في 2013، ومصر ذاتها تعاني من حالة عدم استقرار سياسي”.

وحذَّر من أن مصر قد تصبح عرضة للمساومة من دول أخرى تسعى للحصول على حصة من مياه النيل بطرق ملتوية، وعلى رأسها إسرائيل، التي ستسعى لـ“تسليع المياه”، بحيث تصبح المياه سلعة مثل النفط، تشتريها الدول التي تعاني من نقص في مواردها المائية.

ودعا إلى ضرورة التفكير الاستراتيجي في بدائل للمياه، لأن التحدي المستقبلي كبير، ليس فقط على الأمن المائي أو الأمن الغذائي، ولكن أيضا على الأمن الإنساني والاجتماعي، وكلها مهددات للأمن القومي المصري، إذا تم استخدامها كورقة للمساومة السياسية. موجهًا إلى ضرورة التعامل مع هذا الملف كملف من الدرجة الأولى، قبل أي ملف آخر.

سيناريو التفاوض

وفي طرح السيناريو الآخر المتعلق بالتفاوض لاسترجاع الحقوق، قال إن “أية مفاوضات محكومة بثلاثة اعتبارات حاكمة تتعلق بإدراك مصر أن هناك مجموعة من التنازلات السياسية، والاقتصادية يجب أن تقدمها للدول الأطراف في حوض النيل، باعتبار وضعها التفاوضي أضعف مقارنة بهذه الأطراف.

وأوضح أن التنازلات يمكن أن تشمل إقرار حق هذه الدول في بناء سدود داخلية، على أن تشارك مصر فنيا في بنائها، وتقديم دعم مادي للإسهام في ذلك، وأن تعلن مصر تأكيدها لحقوق هذه الدول في إعادة النظر في الاتفاقيات القادمة، ولكن مع تأكيد شرط الاستخدام العادل للمياه، ودون تدخل أطراف من خارج دول الحوض، لأن قضية إثيوبيا ليست في المياه، حيث يتساقط عليها سنويا نحو 800 مليار متر مكعب، لا تزيد حصة دول المصب فيها عن 10% وفق أقصى التقديرات.

وأوضح أن مستويات هذه المفاوضات متعددة دولية وإقليمية ولا تقتصر على دول الحوض، والأطراف لها دور في إدارة الصراع، ومنها الدول المانحة للمساعدات الاقتصادية لدول حوض النيل والتي تتولي الإسهام فى خطط التنمية ومشروعات السدود بها، وعدد من المؤسسات الاقتصادية كالبنك الدولي، هذا بجانب المنظمات الإفريقية المعنية، وفي مقدمتها الاتحاد الإفريقي، ومنظمات التنمية الاقتصادية الإفريقية ذات الصلة، والتي أكدت مواثيقها احترام الاتفاقيات الموقعة، حتى قبل استقلال الدول الإفريقية، حرصا على الأمن والاستقرار بالقارة، وهو ما تطالب به مصر الآن.

أما ثالث اعتبار فهو الإلمام بالضغوط الخارجية على دول حوض النيل من جانب أطراف خارجية، إقليمية ودولية تسعى وراء مصالح وأهداف خاصة.

القضية ممتدة

وأشار إلى أن أبرز المخاطر هو أن مصير حصة مصر من المياه لن تنتهي عن هذا الحد، حتى ولو تم إيجاد حلول وسطية مع دول حوض النيل.

وحذر من أن المياه قضية عالمية قد تتسبب في حروب مستقبلية أكثر ضراوة من حروب النفط أو حروب مد النفوذ أو حتى العمليات العسكرية التي تشن لتجربة أنواع جديدة من السلاح.

وختم ورقته بالدعوة إلى الأخذ بنتائج الدراسات العلمية والمبادرات التي يطرحها الخبراء والمفكرون من مصر ومن مختلف دول العالم، في إدارة أزمة المياه وقضية سد النهضة، وخاصة ذات الإدارة الذاتية المصرية، محذرا من أن الرهان على مشروعات إقليمية أو دولية، في دول الجوار الإقليمي أو في بعض دول حوض النيل، يرهن القرار المصري ليس فقط لإرادات هذه الدول ولكن لإرادات الفواعل الإقليمية والدولية التي تقف خلفها.