خطوة أولى بها المصريون.. تفكيك شرطة مينيابوليس الأمريكية عقب مقتل فلويد

- ‎فيتقارير
NYPD police officers detain a protester as they clash during a march against the death in Minneapolis police custody of George Floyd, in the Brooklyn borough of New York City, U.S., May 30, 2020. Picture taken May 30, 2020. REUTERS/Jeenah Moon

من واشنطن إلى القاهرة تزداد سمعة عناصر الشرطة سوداوية وقمعًا، وتزامن قرار أعضاء المجلس البلدي في مينيابوليس، أكبر مدينة في ولاية مينيسوتا شمالي الولايات المتحدة، بتفكيك جهاز شرطة المدينة التي قُتل فيها جورج فلويد، مع تحطيم متظاهرين في ولاية ميشيغان تمثال عمدة ديربون المؤيد لسياسات الفصل العنصري.

وعلى عكس ما جرى في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، عندما ظل جهاز الشرطة على حاله بكامل هيئته لم يمسسه سوء، بل تم تعديل رواتب الضباط والأمناء بالزيادة أكثر من مرة، أعلن أعضاء المجلس البلدي في مينيابوليس أكبر مدينة في ولاية مينيسوتا شمالي الولايات المتحدة الأمريكية، أنه سيجري "تفكيك" جهاز شرطة المدينة التي قُتل فيها جورج فلويد أثناء توقيفه على يد شرطي، في حادثة أدت إلى خروج احتجاجات في مختلف الولايات والدول.

تفكيك عصا الشيطان

وقالت رئيسة المجلس ليزا بيندر، الأحد، لشبكة CNN الأمريكية: "ملتزمون بتفكيك أجهزة الشرطة في مدينة مينيابوليس، وإعادة بناء نموذج جديد للسلامة العامة يحافظ بالفعل على مجتمعنا آمنًا".

ويعتزم ديمقراطيون بقيادة نواب من أصول إفريقية في الكونجرس طرح مشروع قانون يعارض عنف الشرطة والظلم العنصري، ويشمل تسهيل مقاضاة الضباط الذين يُقْدمون على القتل، فيما لم يتضح بعد ما إذا كان مشروع القانون سيتضمن أي تخفيض في التمويل الاتحادي لدوائر الشرطة.

ولم تقف أية جهة في مصر ضد ثورة 25 يناير 2011 كما وقف جهاز الشرطة، والمتتبع للأمر منذ بدايته سيجد أن خط الدفاع وحارس المرمى لعصابة انقلاب يوليو 1952 والذي قامت الثورة لإسقاطهم، هو هذا الجهاز وتلك الوزارة.

ويذهب العديد من الحقوقيين والسياسيين إلى القول: إن نظام السفيه عبد الفتاح السيسي "القمعي" بدأ من حيث انتهى نظام حسني مبارك "الأمني"، الذي مثل مقتل الشابين خالد سعيد وسيد بلال في مراكز الشرطة في الإسكندرية المسمارين الأخيرين في فترة حكمه الذي امتد نحو ثلاثة عقود.

وبالرغم من أن حالات التعذيب الممنهجة والقتل خارج إطار القانون عادت بقوة وأشد عنفا منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013، إلا أنها خرجت من عباءة الصمت والكتمان من مكان واحد: قسم المطرية في القاهرة.

ويرى مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، حجاج نايل، أن الشرطة والجيش في مصر يتصرفان من منطلق أنهما فوق القانون، وقال: "الشرطة لم تتعلم الدرس في 28 يناير، وما تقوم به هو انتقام لما حدث لها في ذلك اليوم، ولا تفرق بين معارض وآخر".

وحذر نايل من استمرار الشرطة على هذا النحو "الذي سيؤدي إلى تفجر الغضب، وستكون الشرطة أول من يدفع الثمن"، وعزا استمرار تصرفات جهاز الشرطة "العدوانية" إلى "طبيعة المناخ السياسي العام الذي يحجم من دور المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، التي تتعرض هي الأخرى للمضايقات والتضييق والتحريض من خلال الإعلام الموالي للدولة"، وفق قوله.

التعذيب لم يتوقف

أما الأستاذة الجامعية والناشطة السياسية ليلى سويف، فرأت أن التعذيب في مراكز الشرطة والسجون المصرية لم يتوقف حتى يعود، وقالت: "لم تتوقف الشرطة عن سياسة العنف والتعذيب إلا لشهرين بعد أحداث (ثورة 25) يناير، وأناب الجيش عنها خلال فترة غيابها".

وتابعت: "أغلب حالات التعذيب لا نسمع عنها إلا بعد أن تصل للقتل، ويتواتر حدوثها، وتفوح رائحتها. هذا الجهاز مرفوع عنه أية مساءلة، و لا يزال يمارس دوره الأزلي في حماية نظام الحاكم"، حسب تعبيرها.

من جانبه، استنكر المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك الحقوقي مصطفى أبو الحسن مقايضة الشرطة للمصريين بين الحرية أو الاعتقال، وقال أبو الحسن: "محاولة الشرطة مقايضة المصريين لن تنجح، وإن اختار البعض الركون فلن يستسلم الجميع، ولن يقبلوا المقايضة، وسوف يستمرون حتى نيل حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم التي سلبت منهم". وحذر من استمرار انتهاج قوات الأمن المصرية لسياسات البطش والتعذيب والقتل، قائلا: "إن 28 يناير ليس ببعيد".

وانتقد مركز هشام مبارك سياسة "الإفلات من العقاب" التي شجعت على استمرار ممارسات جهاز الشرطة القمعية، وأكد أبو الحسن أن "عقيدة الشرطة لم تتغير في يوم من الأيام، فهي تمارس القتل خارج نطاق القانون بشكل ممنهج، سواء في أماكن الاحتجاز أو مراكز الشرطة أو السجون، في مأمن من أي عقاب أو محاسبة".

وبشأن تعرض المنظمات الحقوقية لضغوط ومضايقات تكبل صوتها وتحجم عملها، قال مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين، إن "هذه المنظمات هي التي تفضح جرائم الشرطة بحق المعتقلين، وتتدخل قضائيا من أجل محاسبتهم عليها".

ووصف أمين عمليات التعذيب والقتل على يد عناصر الشرطة بـ"الأفعال الإجرامية" وغير المقبولة، وقال: "أتصور أنه مع تزايد الانتهاكات بحق المعارضة في الفترة الأخيرة فإنها لن تتوقف ما لم تتخذ إجراءات لإعادة هيكلة وتنظيم جهاز الشرطة"، وأضاف: "القيادة السياسية هي المسئولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لإعادة هيكلة هذا الجهاز وتحمل تبعيات تصرفاته".

سياسة التركيع

محاولات النظام ترويع الناس بواسطة جهاز الشرطة جزء من سياسة "التركيع" للشعب، وتأتي في إطار السياسة القمعية البوليسية، بحسب أستاذ العلوم السياسية سيف عبد الفتاح.

وقال عبد الفتاح: إن سلخانات الشرطة صارت أمرا مقررا بعد أن بدا لهم أنهم حين لا يعاقبون يفعلون ما يشاءون؛ فمؤسسات الانقلاب، سواء الشرطية أو العسكرية، تقوم على البطش، ولا تزال تروع الناس بوجودها في الشوارع".

وعزا تفاقم حالات التعذيب والقتل إلى رغبة الانتقام من شعب أراد الحرية وسعى لها مسعاها، وأكد أن "ثورة يناير شكلت عقدة لجهاز الشرطة، وأعطته درسا يحاول أن يتناساه من خلال تعذيب كل من يأتي تحت يده".

وحذر عبد الفتاح من عواقب سياسة التخويف التي تأتي في إطار "التطويع والتركيع" التي ستؤدي إلى درجات متفاوتة من الغضب الدفين وزيادة مساحته.

وقال: "نحن أمام ظاهرة خطيرة قد تؤدي إلى حلقات من العنف المضاد، ولكني أدعو الشباب إلى التزام السلمية، وأن هذا الجهاز سينال عقابه، ويحاسب قريبا على جميع جرائمه".