تحت عنوان "الطلاق.. الاستايل المصري"، ذكر الباحثان ناثان براون ومريم غانم، في تقرير لهما على موقع مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، أن كلا من مؤسستي الأزهر والقضاء "تسعيان للحفاظ على ما تريانه استقلالا عن مؤسسة الرئاسة".
الدراسة تحدثت بوضوح عما وصفته بـ"محاولات" من الأزهر والقضاء "للحفاظ على الاستقلالية عن النظام الحاكم"، و"ضرورة احترام خبراتهما الخاصة حتى لو لم تؤدِ إلى إرضاء رغبات الحكّام على المدى القصير".
كما أوضح أن مؤسستي القضاء والأزهر تسببتا في إحراج السيسي، مع إصدار القضاء لأحكام متفرقة سببت انتكاسات للنظام الحاكم، وإصرار الأزهر على أنه لا يتلقى أوامر من أحد بشأن الشريعة أو الإصلاح التربوي".
مجرد حديث الدراسة عن "محاولات" للخروج من عباءة نظام السيسي، يؤكد عدم استقلالية المؤسستين منذ انقلاب السيسي، خاصة أنهما تورطتا رسميا في دعم الانقلاب وباركتا عمليات القتل والاعتقال للمعارضين، سواء بالفتاوى السياسية أو إصدار الأحكام وفقا لرغبات النظام وبعيدا عن العدالة.
وجاء طرح "فرضية" محاولات استقلالهما عن السلطة، على خلفية أحكام قضائية تبدو متعارضة مع توجه السلطة، خصوصا حكم تيران وصنافير، ورفض الأزهر طلب السيسي إلغاء الزواج الشفوي المثبت شرعا، بما كان سيعرض المشيخة إلى السخرية، وتحولها من مساندة مواقف سياسية إلى مساندة الخروج عن الشرع.
تأكيد التبعية
ما حاولت الدراسة التلميح إليه، هدمته واقعتان عقب صدور الدراسة مباشرة:
(الأولى): صدور قرار من محكمة مستأنف عابدين، اليوم، بتأجيل الحكم في قضية حبس يحيى قلاش وآخرين من قيادات النقابة، المتعلق بحبسهم لمدة سنتين بتهمة إيواء متهمين مطلوبين، لجلسة 25 مارس المقبل. وهو حكم سياسي استهدف انتظار ما ستسفر عنه انتخابات نقابة الصحفيين، يوم 3 مارس المقبل، بسبب حساسية الأمر؛ لأن صدور حكم بتأييد الحبس من شأنه أن يجيّش الصحفيين لدعم النقيب، بينما خسارته للانتخابات تسهل الحكم عليه، يظهر بالتالي أن القضاء بيد الحاكم وأنه ليس مستقلا.
(الثاني): رغم محاولة الأزهر الظهور بمظهر المخالف للسيسي بتأكيده أن الزواج الشفوي شرعي، إلا أنه بادر بتأييد طلبه تشريع قانون عاجل لتحديد مدة للزوج ليوثق طلاقه الشفوي حددها نواب بـ24 ساعة، وتحدث آخرون عن أسبوع، ونسي الجميع أن هناك حكما من المحكمة الدستورية يرجع إلى عام، هو الذي منع السيسي أو الأزهر من إجهاض الطلاق الشفوي.
وكان الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في الأزهر والحليف الرئيسي للطيب، قد صرّح بأن الهيئة تعكف على إجراء أبحاث مكثّفة لتوفير دعم ديني لأي تشريع محتمل.
وسبق أن حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (21) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر رقم 1 لسنة 2000 فيما تضمنه من قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق.
وصدر الحكم عام 2000 برئاسة المستشار ممدوح مرعى، رئيس المحكمة، في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 113 لسنة 26 قضائية دستورية، وهو ما يعني عدم تنفيذ أي قانون يلغي الطلاق الشفوي؛ لأن هناك حكما من الدستورية، والقاعدة القضائية تقول "ما سبق الفصل من المحكمة الدستورية يحظر استحداث أي قانون يناهض هذا الحكم".
أما استقلالية القضاء التي يتحدث عنها التقرير، فتتعلق فقط بالقضاء الإداري ومجلس الدولة الذي يراجع تشريعات الحكومة ومدى مطابقتها للدستور، لا القضاء ككل الذي يصدر عشرات الأحكام المسيسة ضد الإخوان ومعارضي النظام.
تلكؤ لا استقلالية
ويشير تقرير معهد كارنيجي إلى أن مواقف الأزهر "تلكؤ" لا استقلالية، ما جعل العلاقة بين الرئيس- في إشارة إلى قائد الانقلاب- والشيخ في السنوات الثلاث ونصف الماضية، يشوبها بعض التوتر، وصدرت تصريحات رئاسية أخرى اعتبرت أن الأزهر يتلكّأ في لعب هذا الدور.
التقرير يوضح أن "الطيب أيّد الإجراءات التي اتُّخذت في 3 يوليو، إلا أنه اعتمد سياسة النأي بالنفس، حين انزلق الصراع بين النظام الجديد وبين مناصري مرسي إلى لُجج العنف".
ونوه إلى أن "الطيب لم يُبدِ فقط انزعاجه من حملة القمع العنيفة التي تعرّضت لها جماعة الإخوان المسلمين (وعمد إلى الاعتكاف خارج القاهرة خلال المرحلة الأكثر دموية في الصراع)، بل غالب الظن أيضا أنه أدرك تماما أن الشعب المُتديّن في مصر غارق في دوامة انقسام حادّ، وبأن اصطفافه إلى جانب النظام الجديد أثار جدلا مريرا في صفوف كلٍّ من مناصري انقلاب 3 يوليو ومعارضيه على حدٍّ سواء".
ولم تكِل الصحافة المصرية المديح للطيب لتمسّكه باستقلالية الأزهر ولخبرته الشخصية، بل حملت عليه لأنه يطرح تحدّيا للنظام وصوّرته على أنه يروّج للتطرف، وطالبه بعض الكتّاب بالاستقالة؛ بدعوى أنه عاجزٌ عن قيادة عملية تجديد الخطاب الديني.
وعقب بيان علماء الأزهر الأخير، ظهر أن الاختلاف بين هيئة العلماء والسيسي حول فكرة أن إلغاء الطلاق الشفوي لن يؤدي إلى انخفاض معدلات الطلاق، وحاول التوصل إلى حل وسط بين مطالب رئاسة الانقلاب والشريعة الإسلامية، إلا أنه أظهر استقلالية الأزهر وقدرته على معارضة النظام علنا، بحسب الدراسة.
الشيوخ يقاومون السيسي
أيضا ذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية أن علماء الدين في مصر يقاومون دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني في "الإسلام".
وتحت عنوان "إصلاح الإسلام في مصر، السيسي في مواجهة الشيوخ"، قالت المجلة: "القليل من المصريين يتجرءون على مواجهة رئيسهم السلطوي عبدالفتاح السيسي، لكن مؤسسة وحيدة وقفت منه موقف المتحدي".
وقالت المجلة البريطانية: "الشيوخ بقيادة الطيب قاوموا بشكل كبير نداء السيسي لتغيير الخطاب الإسلامي"، وأنه "بالرغم من أن الأزهر يصف نفسه بالقوة المعتدلة، لكن منتقدين ذكروا أنه سمح لمتشددين بالبقاء في مناصب بارزة، وفشل في إصلاح المناهج، التي تتضمن نصوصا مر عليها عقود، يستشهد بها المتطرفون".
وفي معظم فترات تاريخه الممتد لأكثر من 1000 عام، دأب الأزهر على التصرف بشكل مستقل، لكنه أيضا يخوض في عالم السياسة، بما يسبب إحباطا للحكام.
وأشارت إلى أن "السيسي استغل الأزهر أيضا بعد عزله الإخوان من الحكم عام 2013، حيث جلس السيسي بجانب شيخ الأزهر، كما أن الدستور الجديد، الذي جرى تمريره عام 2014، منح الأزهر استقلالية أكبر".
بيد أن السيسي يحاول منذ ذلك الحين بسط سيطرته على الأمور الدينية، فأغلق مساجد، وحظر دعاة غير مسجلين، وفي 2015، بدأت السلطات المصرية في محاولة توحيد خطبة الجمعة؛ بهدف تقليص التطرف والترويج لسياسات الجنرال.