"الخريطة الاجتماعية في مصر في ظل المأساة التي تعيشها البلاد مفيش حد يقدر يعيش مطمن على كرامته وحياته وأسرته غير الأفراد اللي في هذه المنظومات الثلاث..
أولا: منظومة الجهات السيادية، وهي الحكومة وأمن الدولة والمخابرات بأنواعها.
ثانيا: منظومة العدالة وهي القضاء والنيابة والشرطة.
ثالثا: منظومة الثروة، وفي الحقيقة المنظومة دي تتعامل وتكاد أن تشتري المنظومتين التانيين الأخريين".. إما إحنا حيالله أساتذة الجامعة والعلماء والأطباء والمعلمين فمعرضين للضرب بالجزمة في أي وقت".
هذه الفقرة تمثل أحد أهم وأقوى مشاهد السينما المصرية على الإطلاق؛ والتي قالها دكتور علم الاجتماع بطل فيلم "فبراير الأسود" (خالد صالح) لأسرته المكونة من زوجته وابنته ذات العشرين عاما، وابنه طالب الثانوية العامة، وأخيه عالم الكيمياء، وزوجة أخيه عالمة الفيزياء في مشهد تبحث فيه الأسرة عن حماية لها داخل مجتمع ما قبل ثورة يناير، بعد ما اكتشفوا أن العلم والبحث العلمي لا يوفران الحماية لهم في مواجهة صاحب الملهي الليلي المواجه لهم في السكن.
احتوى الفيلم الذي أخرجه وألفه محمد أمين، سنة 2013م في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، على هذا المشهد العبقري والذي يعد من أهم مشاهد السينما المصرية على الإطلاق، وهو يستهدف به الوعي الجماهيري بأن منظومة الحماية وما تسمى بالأجهزة السيادية في البلاد مجرد عصابة تستأثر بكل شيء في مصر وتترك معظم الشعب محروما من الإحساس بالأمن والحماية ومحروما حتى من لقمة العيش وحقه في الحرية والعدالة والتوزيع العادل للثروة التي يستأثر بها طبقة الحكام من كبار الجنرالات واللواءات.
يتفرد الفيلم بموضوعه الذي لم يتطرق إليه أحد قط في تاريخ السينما المصرية وهو إحساس العلماء والأطباء والمعلمين ومعظم أبناء الطبقة الوسطي بالحرمان من الإحساس بالأمن والحماية في ظل تغول نفوذ ما تسمى بالأجهزة السيادية (الجيش – المخابرات – الشرطة – القضاء – الحكومة) وسيطرتها على مفاصل البلاد السياسية والاقتصادية وتوزيع مناصبها على أبنائهم وأقاربهم. وبالتالي فإن الفيلم بموضوعه ومعالجته يمثل إقرارا بمدى الحريات التي تمتعت بها السينما المصرية في مرحلة ما بعد ثورة يناير وصولا إلى عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي شهد طفرة هائلة في الحريات لم تشهدها مصر طوال تاريخها كله.
أحداث الفيلم جاءت في قالب كوميدي بالغ الحبكة والذكاء، حول أسرة أستاذ الجامعة "خالد صالح" التي تضم عددا من الأكاديميين والعلماء؛ لكنها تبحث عن طريق للحماية الاجتماعية عبر الارتباط بالزواج من أحد أبناء هذه المنظومات الثلاث، وإلا سيتعرضون للضرب بالأحذية، بحسب كلام بطل الفيلم دكتور علم الاجتماع.
أما الطريق الآخر الذي ذهب إليه فقد كانت الهجرة للخارج بأي وسيلة سواء كانت لجوءا سياسيا، أو أي لجوء آخر عن طريق مولود جديد لهم يولد في بلد محترم يقدس العلم والعلماء، فيحصل المولود على جنسية توفر لهم الحماية الاجتماعية المطلوبة.. وهذه الوسيلة انتشرت بشدة في أواخر مرحلة الرئيس الأسبق حسني مبارك؛ فمعظم أبناء الفنانين ورجال الأعمال ولاعبي الكرة إذ قاموا بالسفر إلى دول أوربية والولايات المتحدة للولادة فيها ليحصل أبناؤهم على جنسية هذه الدول.
ومن أجل الحماية والأمان رفضت الأسرة تزويج ابنتهم لعالم من أساتذة الجامعة من أجل تزويجها بأحد عناصر الأجهزة السيادية، فتقدم لها مستشار لكنه كان نزيها شريفا وجرى فصله لحكم أصدره ضد الحكومة. فجرى فسخ الخطبة، حتى أوقعوا ضابطا بأمن الدولة وأثناء عقد القِران؛ اندلعت ثورة يناير ودوى هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام". هنا طلب الأب من المأذون وقف الإجراءات؛ لأن مصر مقبلة على مرحلة جديدة؛ فإذا جاء نظام محترم فسوف يكون العالم هو صاحب المكانة الرفيعة وسوف تتراجع قيمة ما تسمى بالأجهزة السيادية لصالح العلم والعلماء. وعلى الفور طالب الأب خطيب ابنته الأول والثاني للمجيء وجلسوا جميعا (العالم والقاضي والضابط) وجلست العروس في انتظار ما ستسفر عنه المرحلة الانتقالية لتحديد الزوج المناسب. فقد كان الوالد يتمنى أن يأتي نظام يقدر العلم والعلماء ويخرج مصر من البيبي (الخراء) السياسي. فماذا جرى؟
مصر فعلا ختارت العالم الدكتور محمد مرسي ليكون رئيسا لها بإرادتها الحرة وبكامل رضاها، لكن الضابط (الجيش) رفض هذا الاختيار وقرر الانقلاب على كل شيء وخطف العروس (مصر) والزواج منها بالإكراه وكل يوم يواصل اغتصابها تحت تهديد السلاح بدعوى أنها زوجته رغم بطلان الزواج بالإكراه في كل القوانين والشرائع السماوية والوضعية.