بدأت التداعيات الكارثية للتطبيع الإماراتي على مصر تبدأ في الظهور بشكل سافر؛ حيث يبحث مسئولون بحكومة الاحتلال الصهيوني مع الأوروبيين، إمكانية إقامة خط "سكة حديد"، تربط البحر المتوسط مع دول الخليج العربي عبر الاحتلال؛ وهو ما يمثل تهديدا لمصر وقناة السويس ويفضي حتما إلى تراجع إيرادات القناة باعتباره الخط المرتقب إنشاؤه ينافس القناة على نقل النفط والبضائع من الخليج إلى أوروبا والتي تمر حاليا عبر قناة السويس.
وقال البنك المركزي الصهيوني في بيان، الثلاثاء 17 نوفمبر 2020م، إنه تم بحث المشروع، الإثنين، بمشاركة مسئولين من وزارة المالية الصهيونية والمفوضية الأوروبية، في اجتماع عُقد عبر تقنية التواصل عن بُعد. وأضاف: "جرى بحث مشروع سكة حديد السلام الإقليمية، لربط البحر المتوسط ودول الخليج، عبر (صهيون) كجسر بري والأردن كمحور نقل إقليمي". موضحا أن "المبادرة التي طرحها وزير المالية (يسرائيل كاتس)، ستخلق طريقا تجاريا أقصر وأسرع وأرخص، وأكثر أمانا، بين الشرق والغرب، وستساهم في اقتصادات الأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني والسعودية ودول الخليج". ولم يوضح البنك المركزي الصهيوني، مسار هذه السكة الحديدية وتكلفتها المالية، والمدة الزمنية لتنفيذها، في حال إقرارها بالفعل. لكن خارجية الاحتلال الصهيوني، أشارت في أغسطس 2019 إلى أن خطة وزير المالية، تقضي بإقامة سكة حديد تمتد من ميناء حيفا، إلى خط سكة الحديد بالأردن، ومنه إلى السعودية ودول الخليج الأخرى.
وفي 15 من سبتمبر الماضي، وقعت كل من الإمارات والبحرين اتفاقين لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، خلال أقيم في البيت الأبيض بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. وقوبل اتفاقا التطبيع بتنديد فلسطيني واسع، حيث اعتبرته الفصائل والقيادة الفلسطينية، خيانة من الإمارات وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن المشروع الصهيوني بمد خط السكة وطريق دولي لنقل الحاويات من الخليج العربي إلى مرفأ حيفا على البحر المتوسط، كبديل لقناة السويس، ومشروع أخر لشق قناة إيلات حتى عسقلان كبديل أقصر من قناة السويس. ووفق المجلة الأميركية فإن قناة السويس ستكون الخاسر الأكبر من المشروع النفطي الخليجي الصهيوني، في ظل وجود منافسة شرسة، خاصة أن المشروع المقترح يوفر بديلًا أرخص لقناة السويس، وأن شبكة خطوط الأنابيب تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم.
وبحسب أستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأمريكية نصر عبدالكريم، فإن مكاسب الاحتلال من التطبيع الإماراتي تفوق الجوانب الاقتصادية ليصبح ذا أبعاد استراتيجية، فالكيان الصهيوني تسعى لإعادة التموضع في المنطقة، بما يحقق لها المميزات والمكاسب على المدى الطويل. وبالتالي فإن إعادة تشغيل خط النقل النفطي إيلات-عسقلان تمنح تل أبيب النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الغاز ومياه شرق المتوسط، وخطوط النقل والمواصلات والاتصالات، مما يؤهلها لوضع نفسها في مكان مميز على خريطة المنطقة. كما أن (صهيون) ستكون الأكثر استفادة من الناحية الجيو-سياسية، لأن الخط يمنحها موطئ قدم عسكري أمني في المنطقة، ويعمق مصالحها مع باقي الأطراف، ولأنه يتطلب توفير احتياجات أمنية لتوفير سلامة النقل، وما يشمله من إجراءات الحراسة والحماية، فهو يحقق المزيد من المصالح الأمنية للكيان الصهيوني في المنطقة والعالم.
وقد اعترف رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع بهذه الأضرار مؤكدا أن القناة أصبحت أمام تحديات وجود منافس بري أقل كلفة، وتأكيده أن الخط "من الممكن أن ينقل النفط إلى أوروبا.." وأن هناك ترتيبات إقليمية تمس الأمن القومي المصري. وبنبرة العاجز ، أقر بوجود ما وصفها بـ"تداعيات محدودة"، مبديا تخوفه من تركيز البضائع الخليجية في يد صهيون، قائلا: "نراهن ونعتمد على العروبة في أن تكون التجارة البينية مع صهيون قائمة على عدم التأثير على قناة السويس بشكل كبير". وكان نظام السيسي قد أهدر نحو 8.5 مليار دولار سنة 2015م على إنشاء تفريعة جديدة للقناة رغم التحذير من عدم جدواها اقتصاديا، حيث لم تحقق القناة أي زيادة في مواردها على الإطلاق.
وسوف تنعكس الشراكة الإماراتية الصهيونية بالتأثير السلبي على مستقبل السياحة المصرية؛ حيث أعدت صهيون خطة لجذب 100 ألف سائح من الإمارات سنويا، وبالتالي ستنافس دولة الاحتلال مصر في جذب السياح الإماراتيين والبحرينيين وربما الخليجيين في وقت لاحق بالقدوم إليها، علما بأن الإمارات من بين 20 دولة يعتبر مواطنوها الأكثر إنفاقا على رحلات السفر، وتمثل السياحة الخليجة مصدرا مهما للسياحة المصرية بعد تراجع السياحة الروسية والبريطانية بعد تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر 2015م.
وأمام هذه الخسائر المتوقعة لمصر من التطبيع الإماراتي، فإن ترحيب رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي بهذا التطبيع فور إعلانه يتجاوز حدود الخفة والسذاجة إلى ما يمكن وصفه بالتواطؤ والخيانة؛ وهو ما يعكس الدور الذي يقوم به نظام السيسي لمصالحة الكيان الصهيوني حتى لو كان ذلك يمثل تهديدا للأمن القومي المصري.