حرية الصحافة أصبحت في الحضيض بعهد الانقلاب العسكري؛ فالصحف والمواقع الإلكترونية إما مغلقة أو محجوبة أو تمارس وظيفة التطبيل للعسكر ولا تعبر عن الرأي العام ولا مشاكل المصريين وأزماتهم التي تزايدت بصورة رهيبة بسبب سياسة الكبت والقمع التي يفرضها نظام السيسي.
أما الصحفيون فإنهم إما أن يتحولوا إلى مطبلاتية وأبواق للعسكر وإما المطاردة والاعتقالات وقطع الأرزاق ولا خيار ثالث لهم.
وهكذا تحولت مهنة الصحافة إلى جريمة في عهد نظام لا يفهم الدور الذي يقوم به الإعلام ولا يعرف كيف يستخدم الإعلام في صالحه بغير التطبيل.
وتقع مصر في عهد نظام السيسي في المرتبة 166 من بين 180 بلدا على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود" عام 2020.
في الحضيض
من جانبها قالت "مراسلون بلا حدود" إن ذكرى ثورة 25 يناير العاشرة، تأتي في وقت أصبحت فيه حرية الصحافة “في الحضيض”، بعد أن أصبحت مصر “من أكبر السجون للصحفيين في العالم”.
ولفتت إلى أنه بعد عشر سنوات على الثورة، يتم فرض قبضة من حديد على الصحفيين ووسائل الإعلام، مضيفة أنه لا خيار أمام الصحفيين الذين يئنون تحت وطأة القمع سوى الصمت ونقل الرواية الرسمية، وإلا فمصيرهم الاتهام بتهديد استقرار دولة العسكر والزج بهم في السجون.
واكدت المنظمة الدولية، في بيان لها، أن سنوات حكم العسكر أدت إلى تغيير المشهد الإعلامي رأسا على عقب، مشيرة إلى أن ما يقرب من نصف وسائل الإعلام الأكثر شعبية في البلاد باتت خاضعة الآن لسيطرة العسكر، وعندما لا تكون في قبضة العسكر، فإنها تكون ملكا لرجال أعمال مقربين من الانقلاب.
وكشفت المنظمة أن هناك أكثر من مائة صحفي قيد الاحتجاز أو ضحايا الاعتقال التعسفي منذ يناير 2014، موضحة أن وتيرة القمع تفاقمت منذ 2017، حيث تم اعتماد قانون جديد لمكافحة الإرهاب فيما استُحدثت هيئة رقابية جديدة باسم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. ومنذ ذلك الحين، أصبح الصحفيون مستهدفين بشكل منهجي، إذ غالبا ما يُتابَعون بتهمة “الانتماء إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة".
وأشارت إلى أن مصر في عهد الانقلاب أصبحت أحد أكبر سجون العالم بالنسبة للصحفيين، بعد الصين والسعودية ، حيث يحرمون من العلاج والرعاية الطبية.
حصار كورونا
وفى سياق القمع والاعتقالات رصد "المرصد العربي لحرية الإعلام" 473 انتهاكا ضد الحريات الإعلامية في عهد الانقلاب خلال عام 2020، مؤكدا أن هذا العام كان مليئا بالملاحقات التعسفية، والمحاكمات المعيبة، والفصل التعسفي .
وقال المرصد إن انتهاكات المحاكم والنيابات تصدرت بـ(258) انتهاكا، ثم انتهاكات الحبس والاحتجاز المؤقت بـ(71) انتهاكا، ثم انتهاكات القرارات الإدارية التعسفية بـ(35) انتهاكا، ثم انتهاكات منع التغطية والنشر بـ(26) انتهاكا، ثم انتهاكات السجون بـ(25) انتهاكا، ثم التدابير الاحترازية بـ(15) انتهاكا، ثم التحفظ ومصادرة الأموال بـ(12) انتهاكا، ثم حجب المواقع الصحفية بـ(10) انتهاكات، ثم القيود التشريعية بـ(9) انتهاكات، والاعتداءات والمداهمات بـ(7) انتهاكات، وقيود النشر بـ(5) انتهاكات.
ووصف "المرصد" في تقرير له العام 2020 بأنه عام حصار كورونا للإعلام في دولة العسكر، مؤكدا أن العديد من الصحفيين والمصورين تعرضوا للحبس أو الاحتجاز بسبب ما نشروه من معلومات حول الوباء بالمخالفة للبيانات الانقلابية التي تهون منه، كما فقد عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين حياتهم أو أصيبوا بهذا الوباء.
وأكد أن حكومة الانقلاب فرضت تعتيما إعلاميا على أخبار الوباء، ولم تسمح إلا بما تصدره الجهات الانقلابية من بينات، لافتة الى أن أجهزة أمن الانقلاب لاحقت الصحفيين والمصورين الذين يخالفون البيانات الرسمية، كما لاحقت المراسلين الأجانب بسبب ما نشروه عن الوباء في مصر.
وأشار "المرصد" إلى أن مجلس تنظيم الإعلام حذر المؤسسات الإعلامية من اتخاذ إجراءات تجاههم في حال النشر حول انتشار الوباء، وأمر بالاكتفاء بالبيانات الرسمية، كما أصدر نائب عام الانقلاب تحذيرات وتهديدات بعقوبات ضد مَن ينشر أي رواية تخالف رواية صحة، العسكر مؤكدا أن سلطات الانقلاب حجبت موقعين صحفيين لهذا السبب.
ولفت إلى أن العام المنصرم شهد وفاة الصحفي محمد منير متأثرا بمضاعفات فيروس كورونا، عقب إخلاء سبيله مباشرة من حبس احتياطي تعرض خلاله للوباء، كما توفي المخرج شادي حبش في محبسه نتيجة الإهمال الطبي، ولقي 12 آخرون حتفهم بسبب كورونا.
وأوضح التقرير أنه تم خلال العام ذاته منع وحذف مقالات لكتاب كبار، وحجب 6 مواقع صحفية جديدة، بالإضافة إلى مداهمة عدد من المكاتب الإعلامية مثل مكتب وكالة الأناضول وموقع (المنصة) الإخباري، وموقع (القاهرة 24)، ومقر شركة (تيم وان برودكشن) المتخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية، لافتا إلى أن العام الماضي شهد أيضا صدور قرار قضائي بالتحفظ على أموال وممتلكات 12 إعلاميا.
وأكد أن الجماعة الصحفية في مصر عاشت في 2020 عاما مليئا بالملاحقات التعسفية والمحاكمات المعيبة والفصل التعسفي، ووصل عدد الصحفيين والصحفيات خلف الأسوار مع نهاية العام إلى (75) بينهم 5 صحفيات .
رقابة الإنترنت
تحت عنوان “أحداث الرقابة على الإنترنت في مصر – خط زمني”، أصدر “مسار- مجتمع التقنية والقانون” دراسة تناولت تعامل حكومات الانقلاب مع الإنترنت خلال السنوات العشر الأخيرة ومحاولاتها فرض السيطرة عليه،وحجب المواقع الإخبارية .
وكشف "مسار" عن أهم اجراءات العسكر للرقابة على الإنترنت والسيطرة عليه بداية من عام 2010 وحتى الآن، ومنع مستخدميه من التواصل عن طريق محاولات حجب تطبيقات التراسل الفوري مثل سيجنال وواير،
وقال إنه منذ عام 2011 ومع تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت بدأت جهود نظام العسكر نحو فرض رقابة على الإنترنت في محاولة للسيطرة على المحتوى المنشور على الفضاء الافتراضي. وتم حجب موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتوتير عقب الدعوة للتظاهر في ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011 وكان الحدث الأبرز في ذلك العام قطع خدمات الإنترنت والاتصالات يوم 28 يناير.
وأشارت الدراسة الى ان دولة العسكر بدأت حجب المواقع بشكل ممنهج ثم تبعت ذلك باستحداث قوانين لتقنين ممارسة الحجب مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون تنظيم الصحافة والإعلام.
وتابعت أنه في 15 أغسطس 2015 أصدر السيسي قانون مكافحة الإرهاب. ويسمح للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة أن تأذن بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات كما يمكن للنيابة العامة أو سلطة التحقيق وقف أو حجب المواقع.
وكشف "مسار" أنه في محاولة لمنع المستخدمين من الوصول إلى المواقع المحجوبة، قامت سلطات الانقلاب بحجب عدد ضخم من المواقع التي تقدم خدمات تخطي الحجب، حيث تعرض ما يقرب من 250 موقعا من مواقع الـVPN والبروكسي للحجب في يوم 30 أغسطس 2017، بينما إجمالي عدد المواقع التي تعرضت للحجب حتى هذا التاريخ كان قد ارتفع إلى 398 موقعا.
وقالت إن السيسي صدَّق على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في 18 أغسطس 2018،ويعطي لجهات التحقيق سلطة حجب المواقع كما صدق السيسي في 1 سبتمبر 2018 على قانون تنظيم الصحافة والإعلام والذى أعطى سلطة حجب المواقع للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وأشارت الدراسة إلى أنه في إبريل 2019 بالتزامن مع دعوة المصريين للاستفتاء على تعديلات الانقلاب الدستورية، بدأت حملة “باطل” جمع توقيعات من مواطنين ضد التعديلات الدستورية، وبعد يوم واحد فقط من إطلاق الحملة، تعرض موقع “باطل” للحجب ،وأطلقت الحملة رابطًا جديدا لجمع التوقيعات لكنه تعرض بدوره للحجب.