سياسيون: عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي الإيراني صفعة للسعودية

- ‎فيعربي ودولي

في ظل إدارة ترامب السابقة، كانت واشنطن تدعم السعوديين وحلفاءها في الخليج بشدة لتحدي عدوانية إيران في الشرق الأوسط، حيث تتوافق مصالح التحالف الخليجي تماما مع حملة "الحد الأقصى من الضغط" الأمريكية ضد الدولة ذات الأغلبية الشيعية. ومع إدارة جو بايدن الجديدة، التي أشارت إلى أنها تريد العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ليس هناك حافز كبير للرياض لمواصلة مواجهة التوسع الإيراني في جميع أنحاء المنطقة من اليمن إلى العراق ولبنان. ولكن هل سيساعد تغيير الظروف السياسية كلا الجانبين على تطوير أرضية مشتركة؟ يأتي ذلك في الوقت الذي يجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في العراق يوم الاثنين، وسط تقارير عن محادثات خلفية تجري بين الإيرانيين والسعوديين هناك.
ويعتقد سامي حمدي، المحلل السياسي العربي ورئيس مجموعة "المصلحة الدولية"، وهي مجموعة لتحليل المخاطر السياسية، أن محاولة إدارة بايدن الانضمام مجددا إلى الاتفاق النووي ستجعل الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة للرياض. وقال حمدي لشبكة "تي آر تي وورلد" إن "السعودية تخشى أن تكون المحادثات النووية في جوهرها مناقشة بين واشنطن وطهران حول اتفاق لتقاسم السلطة يتعاون بموجبه الطرفان ويعترفان بمصالح بعضهما البعض على حساب المملكة العربية السعودية".
وبالنسبة للسعوديين، يعتقد حمدي أن الضوء الأخضر الأمريكي للتوسع الإيراني قد يكون كارثيا، بسبب التناقضات الكبيرة بين القوة العسكرية والطموحات السياسية للبلدين، مضيفا أن السعوديين كانوا تقليديا حذرين واستعانوا بمصادر خارجية لأمنهم، حيث كان رد فعلهم عموماً انعزاليا، في حين أن إيران أكثر طموحا واعتمدت على نفسها. وأضاف حمدي أن نفوذ طهران الشديد في العراق وتوسعها في اليمن وسوريا ولبنان "يعزز نفوذها على المؤسسات وعمليات صنع القرار" في تلك البلدان.
ووفقا لحمدي، فإن المسيرة الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط ستزيد من آلام الرياض والدب الداشر محمدبن سلمان. وتابع: "تعتقد الرياض أن إيران أحاطت بالمملكة (إقليميا) عبر العراق إلى الشمال، والبر الرئيسي الإيراني إلى الشرق، واليمن إلى الجنوب، و(على الصعيد العالمي) من خلال المشاركة السياسية مع إدارة بايدن، ونتيجة لذلك، يعتقد السعوديون أن المفاوضات النووية تهدد "بإعادة ترتيب كامل لديناميات القوة" في المنطقة من خلال محور أمريكي وإيراني جديد".
وعلى الرغم من كل هذه التغييرات، ظلت المملكة مشلولة بسبب افتقارها إلى الرؤية السياسية في ظل القيادة المفتقرة إلى الخبرة متمثلة في ولي العهد محمد بن سلمان، الذي تعرضت سياساته الداخلية والخارجية لانتقادات شديدة في جميع المجالات.
واستبعد محمد بولوفالي المحلل السياسي العراقي الكردي، التقارب السعودي الإيراني قائلا:"لم يكن من الممكن تطبيع علاقاتهما لعدم وجود شروط سياسية لذلك"، مضيفا أن هناك هوة هائلة بين النهجين السياسيين من كلا الجانبين. وقال بولوفالي "تحاول الأولى (الرياض) الدفاع عن نفسها بينما تتصرف الأخرى (طهران) بمزاج ثوري، ولم يكن من الممكن إقناعها بالعيش بطريقة غير بارزة أو معزولة، فالمؤسسة الفارسية الشيعية (الثورية) تريد أن تحكم العالم الإسلامي".
يعتقد بولوفالي أن التقارب يقوم على أسس واهية، مضيفا "إنه مثل خروف وذئب يريدان التفاوض من أجل اتفاق متبادل للعيش معا، هذا غير ممكن"، مؤكدا أنه "لا توجد بنود سياسية كبرى يمكنهم الاتفاق عليها فعلا ". وأضاف أن القضية الرئيسية بين الجانبين هي الأمن، لكنهما لا يستطيعان معالجة هذا الأمر لأنهما لا يثقان ببعضهما البعض. وأشار حمدي إلى أن التقارب السياسي بين البلدين احتمال وارد إذا وضع البلدان آلية سياسية لتبادل المعلومات في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
وتابع"أن المملكة العربية السعودية لا تسعى إلى توسيع نفوذها، بل تسعى إلى كبح النفوذ الإيراني القوي، وإذا شعرت بوجود مثل هذا الانحسار في النفوذ الإيراني (حتى لو كان خارج سيطرة الرياض)، فإنها ستكون أكثر ميلا إلى احترام التقارب مع إيران.
وأردف:"السيناريو الثاني هو زيادة الوجود الأمني لكبح جماح الميليشيات الإيرانية، ومع ذلك، فإن هذا الأمر يؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل".

التقارب الخليجي العراقي
واستطرد: "زادت الزيارات المتبادلة بين دول مجلس التعاون الخليجي والحكومة العراقية من الآمال في أن تنأى بغداد بعيدا عن النفوذ السياسي الإيراني"، مضيفا "في عهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بدا العراق وكأنه يتبع مسارا سياسيا أكثر استقلالاً، حيث أعاد توطيد علاقاته مع العالم العربي وحد من نفوذ إيران، وقد دعمت إدارة ترامب كاظمي في هذه الخطوة، هذا نوع من التجربة السياسية".
وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح الحجرف قد زار بغداد الاثنين غرة فبراير 2021م لإجراء محادثات مع الكاظمى حول مختلف القضايا بما فيها تعزيزالتجارة وإمدادات الكهرباء من الخليج إلى العراق. وكان انقطاع التيار الكهربائي المستمر في جميع أنحاء العراق أحد الأسباب الرئيسية للاحتجاجات الكبيرة في جميع أنحاء البلاد، مما ساهم في إحداث تغيير سياسي في بغداد ساعد على إيصال الكاظمي إلى السلطة.
يقول بولنت آراس، الخبير الخليجي وأستاذ العلاقات الدولية في مركز الدراسات الخليجية في جامعة قطر، "إن زيارة الحجرف هي استمرار لسياسة مجلس التعاون الخليجي الرامية إلى تطوير علاقات أفضل مع العراق. وأضاف آراس "إذا عدنا إلى عام 2011، عندما أعلنت الحكومة العراقية آنذاك أنها ستدعم حركات التمرد الشيعية في جميع أنحاء الخليج، فإن علاقاتهم وصلت إلى القاع، ولكن منذ ذلك الحين، عمل الجانبان على إصلاح العلاقات".
وأوضح آراس أن قيادة مجلس التعاون الخليجى لها ثلاثة أهداف رئيسية حول تطوير علاقاتها مع العراق، أولاً، يريد مجلس التعاون الخليجي نقل وجهة نظره السياسية إلى العراق، ويتوقع من بغداد أن تتماشى مع سياساتها وفقا لذلك، كما يقول.
وأشار إلى أن "هدفها الثاني هو احتواء إيران، وهذا الهدف ربما كان الدافع الرئيسي للمشاركة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق"، مضيفا أنه "في ظل إدارة بايدن، سوف يتغير التوازن السياسي الإقليمي، وسيلعب العراق دورا مهما في ذلك."
ويقول آراس إن الهدف الرئيسي لمجلس التعاون الخليجي هو إعادة العراق إلى حظيرة العالم العربي من خلال جعل إيران لا تشعر بالراحة هناك، كما يريد مجلس التعاون الخليجي تطوير علاقاته التجارية والثقافية مع العراق.
ولفت آراس إلى أنه خلال الزيارة الأخيرة ، طالب الكاظمى مجلس التعاون الخليجى بالوفاء بتعهده بالمساعدة فى إعادة إعمار العراق، والذى تم التعهد به فى مؤتمر مشترك عقد قبل ثلاث سنوات، وفي حين وعد مجلس التعاون الخليجي بتقديم 88 مليار دولار لإعادة الإعمار، لم يُمنح للعراق سوى 30 مليار دولار، مضيفا "إنه أمر حاسم لإعادة إعمار العراق. واختتم قائلا: "إذا لم يتم الوفاء بهذه الوعود، فقد يؤدي ذلك أيضا إلى تفكك العلاقات".
https://www.trtworld.com/magazine/can-the-saudis-and-iranians-reconcile-43816