قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، إن "انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد بدأ يفقد زخمه، فهو لا يحصل على الدعم الأجنبي الذي يحتاجه لإدارة البلاد بمفرده، والآن تدرك دوائر أوسع من التونسيين في الداخل من هم الذين حصلوا على إدارة الدولة والحكومة والقضاء".
وأضاف هيرست في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" أنه "من وجهة نظر سعيد، لا عمليات التطهير ولا المواعيد تسير بالسرعة الكافية، واقترح زهير المغزاوي الأمين العام للحركة الشعبية التي تدعم الرئيس تمديد تعليق البرلمان لمدة ستة أشهر".
وأوضح هيرست أن "الدعم الخارجي مهم بالنسبة لبلد صغير مفلس تماما مثل تونس، التي لا تستطيع تحمل دفع فاتورة أجور القطاع العام الضخمة وهي مدينة بستة بلايين دولار من مدفوعات الدين الخارجي وحدها هذا العام، وبالتالي، فإن ما يفكر به أصحاب المصلحة الأجانب في الاقتصاد التونسي مهم، وهم لا يخبرون سعيد بما يريد سماعه".
وبحسب هيرست، قالت مصادر تونسية وإيطالية إن "سفراء من ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة طلبوا منه جميعا إعادة البرلمان في أسرع وقت ممكن. قالت لي مصادر تونسية مطلعة أن الأمريكيين منعوه من عقد اجتماع جماهيري تأييدا لاقتحامه السلطة. وقد مرروا جميعا رسائل دعم إلى راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة، فضلا عن قادة حزبيين آخرين".
وأشار هيرست إلى أن "سعيد قد يميل إلى الاعتقاد بأن كل هذا ليس مهما، مع تأكيدات من الإماراتيين والسعوديين بأنهم سوف يمولون تونس، ولكن قبل قبول هذه الوعود باعتبارها حقيقة، يتعين عليه أن يسأل السودانيين عن تجربتهم، مضيفا أنه عندما أُطيح بحكم البشير في أبريل 2019، وعدت السعودية والإمارات بتقديم مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار إلى السودان، ولم يتم تسليم سوى 750 مليون دولار من هذه المساعدات، ولم يتم تسليم أي منها منذ إبرام اتفاق لتقاسم السلطة مع الجيش في عام 2019. والآن قطع السعوديون وعدا آخر باستثمار ثلاثة مليارات دولار في صندوق مشترك في السودان، في حين "التزموا مجددا" بقرض عام 2019، الذي لم يصل منه حتى الآن سوى 300 مليون دولار".
الوعود والتسليم شيئان مختلفان، وفي غضون ذلك، يرتفع التضخم في السودان بنسبة 400 في المئة.
مقاربة الجزائر
لكن الحكومة الجزائرية هي التي يجب أن تقلق سعيد، فتونس بلد صغير ذو جيران كبار، فلا مصر ولا الإمارات العربية المتحدة، التي نظمت هذا الانقلاب وتموله على التوالي، وقد بدأت الجزائر بنهج ليّن، سافر وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، إلى تونس لإلقاء "رسالة شفوية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون"، لكن لم يتم الإعلان عن محتواها كما توجه إلى القاهرة للقاء عبد الفتاح السيسي، حيث أصدرت الرئاسة المصرية البيان التالي "لقد تم التوصل إلى توافق في الآراء، على الدعم الكامل للرئيس التونسي قيس سعيد وكل ما من شأنه الحفاظ على الاستقرار في تونس وتنفيذ إرادة الشعب التونسي الشقيق واختياراته، من أجل الحفاظ على قدراته وأمن بلاده"، ولم يدلِ الجانب الجزائري بتصريح مماثل.
وحين بدا واضحا أن رسالتهم لم تلق آذانا صاغية، كان المسؤول الجزائري التالي الذي ألقى كلمة هو رئيس أركان الجيش، الفريق سعيد تشنغريا، وقال إن "المؤامرات والمؤامرات التي تحاك ضد الجزائر وشعبها ليست من نسج الخيال كما يدعي بعض الذين يشككون في ذلك، بل هي حقيقية حقيقية متاحة للجميع".
وقبل أيام، سحبت الجزائر اعتماد قناة العربية المملوكة للسعودية لعملها من الجزائر، متهمة القناة "بنشر معلومات خاطئة"، وكان اللواء يصدر تحذيرا واضحا إلى السعودية والإمارات ومصر بالتراجع.
الآثار الدولية
تعتبر الجزائر تونس ساحة خلفية لها، وبوابة إلى طرابلس، ولها مصلحة إقليمية واضحة في الأحداث في كل من تونس وليبيا، حاولت كل من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا فرض لواء من عهد القذافي، خليفة حفتر، على ليبيا، ووصلت قوات حفتر إلى مسافة بضعة كيلومترات من وسط مدينة طرابلس، قبل أن تردعها الطائرات التركية بدون طيار، وفشل حفتر، ونتيجة لذلك، تم تنصيب إدارة مؤقتة بدعم من الشرق والغرب.
وبعد الفشل في ليبيا، يحاول الإماراتيون الآن تحقيق الأهداف نفسها في تونس أو على الأقل هذا ما يراه الجزائريون، وقد يكون هذا صحيحا.
قال مصدر جزائري رفيع المستوى ل "ميدل إيست آي" "ليس لهذا الانقلاب أي أفق للنجاح، طالبنا قيس سعيد بالتفاوض مع الغنوشي، ونعرف تماما كيف أجبر المصريون والإماراتيون الانقلاب على العبور، لا نريد أن نرى حفتر آخر في تونس، لا نريد أن نرى حكومة في تونس تابعة لهذه القوى، هذا واضح جدا و صريح إلى حد ما".
كما يشعر الإيطاليون بالقلق إزاء ليبيا وقال رئيس الوزراء السابق رومانو برودي إن ما يحدث في تونس ليس مسألة داخلية "إن عواقب التحول نحو الأوتوقراطية ستتجاوز حدود تونس، ونحن الأوروبين نفقد نفوذنا السياسي على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط".
وأكد أن "كل هذا يؤثر بشكل مباشر على إيطاليا، ليس فقط بسبب تزايد خطر فيروس كورونا، بل أيضا بسبب الموجات المتوقعة من المهاجرين".
كما تشعر الحكومة التركية بالقلق إزاء الأحداث في تونس، لأسباب ليس أقلها الشعور بأن انفراج مصر والإمارات مؤخرا مع أنقرة ربما كان حيلة لصرف انتباه تركيا عن التحرك الحقيقي، الذي كان خطوة ضد تونس.
كان استعراض تركيا للقوة في ليبيا حاسما، وما وقف عند حفتر فقط بل كل خطط القوى التي كانت وراءه: الروس والإماراتيين والإسرائيليين والفرنسيين، الذين دعموا حفتر عسكريا في وقت أو آخر، ولكن هل كان بوسع تركيا أن تغض الطرف عن الكرة، التي كانت تونس طيلة الوقت، في خطة لإبقاء الضغوط على طرابلس في تصاعد؟.
عدم الإصغاء
ولكن سعيد لم ينصت عندما عاد إلى تونس، والآن الدبلوماسيون الإيطاليون باتوا في حيرة، فهو لا يفهم أن الديمقراطية هي التعددية، وأنها لا تتعلق بالعمل كزعيم شعبوي ضد النواب الذين يتهمهم بالفساد، كما يشكون، وهو لا يفعل ذلك.
في عام 2019، عندما كان سعيد مرشحا غير بارز للرئاسة يتحدث علنا ضد الفساد، أجرى مقابلة أعلن فيها بصراحة عن خططه، وعندما سُئل سعيد عن برنامجه الانتخابي، أجاب "اقترحت مشروعا لسنوات لأساس جديد، يجب أن يكون هنالك فكر سياسي جديد ونص دستوري جديد."
وأضاف سعيد أنه "إذا فاز بالرئاسة سيتخلص من الانتخابات التشريعية، مشيرا إلى "الديمقراطية البرلمانية في الدول الغربية مفلسة، ووقتها انتهى، انظروا إلى ما يجري في فرنسا مع السترات الصفراء، وفي الجزائر والسودان، ومن المحتم أن تنقرض الأحزاب، لقد ولى زمنهم، وقد يستغرق موتهم بعض الوقت، ولكن من المؤكد أن دورهم سوف ينتهي في غضون بضع سنوات، التعددية تنقرض لوحدها، لقد دخلنا عصرا جديدا في التاريخ، هذه هي الثورة الجديدة".
ثم سأله من يجري المقابلة "هل المشكلة مع الأحزاب أم مع التونسيين الذين لا يقرأون؟ أجاب سعيد "المشكلة هي الأطراف فقد انتهى دورهم".
وأشار إلى أن سعيد عبر عن نيته الواضحة في تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني في تونس، مشيرا إلى "لدي مشروع يهدف إلى إنهاء الدعم لكل المجتمعات، سواء من الداخل أو من الخارج لأنها تُستخدم كوسيلة للتدخل في شؤوننا"، وهذا ليس بالبيان الرسمي، وليس خطة اقتصادية.
ولفت إلى أن رد فعل سعيد على العداء الذي كان يتلقاه من إدارة بايدن هو إقالة سفيره الأمريكي، وهو الرجل الذي قام بتسميته بالمصادفة منذ عام. وبرنامجه الاقتصادي يتلخص في حمل كبار رجال الأعمال الأثرياء على تحمل تكاليف المناطق الفقيرة، هذه ليست خطة، والفكرة ليست جديدة. وتتلخص فكرته في السياسة النقدية في دعوة البنوك إلى خفض أسعار الفائدة، وللحصول على المصداقية، ليس هذا نداء الرئيس للقيام به؛ فهي وظيفة البنك المركزي، وكما رأينا في تركيا، هذه ليست سياسة تؤثر على الأسواق.
سبب للتنبيه
ولا بد أيضا من القول إن "مصر، أقرب حليف له، ليست مثالا جيدا، فهي اليوم أكثر فقرا وأضعف مما كانت عليه عندما تولى السيسي السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، في اليوم نفسه الذي التقى فيه وزير الخارجية في حكومة الانقلاب سعيد لدعمه بشكل كامل، أعلن السيسي عن خطط لخفض الدعم الحكومي على الخبز وهي المرة الأولى التي تتم فيها تجربة ذلك منذ عهد السادات، عندما أثار ذلك أعمال شغب، وتتجسد سخرية مصر من كونها نموذجا يُحتذى به في تونس حاليا في إحصائية تفيد بأن معدل الفقر في مصر أعلى بكثير من نظيره في تونس 31 في المئة مقابل 19 في المئة في العام 2020.
وإذا لم ينصت سعيد، فإن المزيد والمزيد من التونسيين المحيطين به سوف ينفضون عنه لأن عدم استقرار أسلوبه المتفرد في الحكم بدأ يؤثر عليهم أيضا.
وقد وضعت قواته نقابة المحامين التونسية تحت الحصار أثناء سعيها لاعتقال محام. وكان للمحامين الفضل الكبير في ذلك، فقد صمدوا ورفضوا تسليم مهدي زغروبا لاعتقاله، وكانت النتيجة تراجع القضاء العسكري، وأسقط يوم الاثنين الدعاوى المرفوعة ضد زغروبة وأربعة نواب آخرين، وجميعهم أعضاء في ائتلاف الكرامة في البرلمان.
وهذه ليست معركة ضد رئيس شعوبي شمولي أو برلمان يهيمن عليه الإسلاميون فحسب. يطرح التونسيون على أنفسهم السؤال التالي: إلى أين يقود سعيد تونس؟.
ولا ترجع مخاوف جيرانه حول البحر الأبيض المتوسط في الأساس إلى الحجة بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية. إنهم قلقون على استقرار تونس. ويعطيهم سعيد غير المستقر كل سبب للانزعاج. إنهم لا يصدقونه، ولا يثقون به، وهم لا يدعمونه. أعتقد أن أيام الانقلاب معدودة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/tunisia-coup-why-its-days-are-numbered