نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب "ديفيد هيرست" سلط خلاله الضوء على تطورات الأوضاع في أفغانستان عقب استيلاء حركة طالبان على العاصمة كابول وبسط سيطرتها على كل البلاد.
وقال هيرست في المقال الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، "عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، أعلن غلاف مجلة تايم «الأيام الأخيرة لطالبان»، وهكذا بدأ ما أصبح يعرف باسم «الحرب على الإرهاب»، سعي المحافظين الجدد لاستبدال الاتحاد السوفيتي البائد بالإسلام كتهديد عالمي".
وأضاف هيرست أنه "بحلول ديسمبر من ذلك العام، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القوة الدولية للمساعدة الأمنية للإشراف على العمليات العسكرية وتدريب قوات الأمن الوطنية الأفغانية، ومنذ ذلك الحين تم إنفاق أكثر من 2 تريليون دولار، في منطقة الحرب في أفغانستان وباكستان، ولقي حوالي 241 ألف شخص حتفهم، وقُتل 2448 جنديا أمريكيا و 454 جنديا بريطانيا، وعادت طالبان إلى السيطرة بعد 20 عاما".
وأوضح أنه "في 2001، تم القضاء على الأفيون بالكامل تقريبا حوالي 84 ألف هكتارا، لكن بحلول عام 2017، ازداد هذا الرقم إلى 328 ألف هكتار، بعد الحرب، يعد الأفيون أكبر نشاط اقتصادي في البلاد، وكان أحد أكبر أهداف المجهود الحربي الأمريكي هو تدريب جيش أفغاني لمحاربة طالبان، ومع ارتفاع معدل الضحايا والفرار من الخدمة وجد الأمريكيون أنفسهم مضطرين لتدريب مجندين يبلغ مجموعهم ثلث القوة بأكملها".
ابتلع الفساد في أفغانستان، المصنفة من قبل منظمة الشفافية الدولية في المرتبة 165 من بين 180 دولة، المليارات من المساعدات الاقتصادية، وتم بناء مستشفيات بدون مرضى ومدارس بدون تلاميذ، وانتشر الفقر، ولا تزال معدلات الوفيات من بين أعلى المعدلات في العالم.
انهيار الغرب
وأشار هيرست إلى أن "الأرض الخيالية حيث تستمر الليبرالية الغربية في العمل في غرب آسيا والشرق الأوسط لا تزال مفيدة إلى حد كبير. فهو ينبئنا بالكثير عن سيكولوجية الإمبراطورية المتلاشية، وهو في حالة إنكار. وليس آخرا حول دورها في هذه الكارثة، مضيفا أن ديفيد بتريوس، القائد الأعلى السابق للولايات المتحدة في أفغانستان؛ والجنرال سير نيك كارتر رئيس أركان الدفاع في المملكة المتحدة، وكل جنرال أمريكي وبريطاني خدم هناك، يتحملون عبئا ثقيلا من المسؤولية عن حرب لم يستطع الشعب الأفغاني نفسه أن يدعمها ولم يرد".
ولفت هيرست إلى أن "القوة الجوية، التي حافظت على الوجود الأجنبي، لم تكن حميدة، لم تنهض بحقوق المرأة الأفغانية، بل كانت آلة قتل، فبين عامي 2017 و 2019، خفف البنتاغون قواعد الاشتباك الخاصة به في الضربات الجوية، وبالتالي زادت وفيات المدنيين بشكل كبير، وبحلول عام 2019، قتلت الضربات الجوية 700 مدني أفغاني – أكثر من أي عام منذ بدء الحرب، وفعلت القوات الجوية الأفغانية الشيء نفسه، في النصف الأول من عام 2020، قتلت القوات الجوية الأسترالية 86 أفغانيا وجرحت 103، في الأشهر الثلاثة التالية تضاعف هذا المعدل، مما أسفر عن مقتل 70 مدنيا وإصابة 90".
وتابع "لا عجب أن طالبان استهدفت طياريها وانهارت تلك الروح المعنوية بعد الانسحاب الأمريكي. لكن الانغماس في الخيال القائل بأن الجيشين الأمريكي والبريطاني كانا في أفغانستان للقيام بأشياء جيدة أمر بعيد كل البعد عن الواقع بقدر ما يعني أن الأنظمة العميلة التي فرضتها الحكومات الغربية على البلاد تتمتع بشرعية شعبية، فقد انتخب الرئيس مرتين، استمرت شرعية أشرف غني خمسة أسابيع بالضبط – من 8 يوليو عندما حدد الرئيس الأمريكي جو بايدن موعدا نهائيا للانسحاب في 31 أغسطس، إلى 15 أغسطس، عندما فر من كابول مع عائلته".
وأكد هيرست أن "الهزيمة في أفغانستان لها آثار تتجاوز حدود ذلك البلد المدمر، وإذا كانت الهزيمة السوفيتية، قبل 32 عاما، قد حددت بداية نهاية الإمبراطورية السوفيتية، وبالتأكيد نهاية جميع القوات الروسية الاستكشافية حتى عام 2015 عندما أرسلت قوات إلى سوريا، فإن هذه الهزيمة تمثل بداية نهاية الإمبراطورية الغربية، كنظام عالمي عسكري واقتصادي منظم مهيمن".
رسالة تقشعر لها الأبدان
وقال هيرست إن "كل هذا يبعث برسالة تقشعر لها الأبدان إلى الأمراء والجنرالات في الشرق الأوسط الذين سيكافحون من أجل الاستمرار خمسة أسابيع إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها أو دعمها العسكري، يجب أن تسأل المحاكم الملكية في الرياض وأبو ظبي وعمان والقصر الرئاسي في القاهرة نفسها عن عدد الأسابيع التي ستستمر فيها إذا كان هناك تمرد إسلامي شعبي قادم لهم".
واستشهد هيرست بمقولة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الشهيرة "إن المملكة العربية السعودية لن تستمر أسبوعين إذا غادرت الولايات المتحدة"، مضيفا أنه لم يكن يمزح، فإذا لم يقاتل الجيش الأفغاني من أجل غني، فهل يعتقد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، أن الحرس الوطني، الذي قام بتطهير كبار جنرالاته بانتظام، سيقاتل من أجله؟.
وأشار إلى "تغريدة خالد الدخيل، المحلل السياسي والأكاديمي السعودي، التي قال فيها "بمجرد سقوط كابول في يد طالبان، ارتجف البعض من المؤامرة والخوف من عودة الإسلام السياسي إلى المنطقة. الخوف والتنبؤ هو الحكمة والاستعداد. لكن البقاء خائفا لعقود وعقود هو هشاشة وضعف البصيرة. أما المؤامرة فهي ليست أكثر من أداة للسياسة والصراع. وبالتالي فهو أقل من تفسير التاريخ وحركته ".
وأوضح أن "الدخيل يقصد بالمؤامرة المزاعم بأن الأمريكيين والإسلاميين يعملون جنبا إلى جنب، تماما كما زعم السعوديون أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تخلى عن الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال انتفاضة 25 يناير".
وأردف "لكن في الواقع، العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلاميين أكثر خطورة من علاقتها بالطغاة أو الجماعات العلمانية أو الدينية، عندما يقاتل الإسلاميون الجنود الأمريكيين، سينتهي الأمر بالولايات المتحدة بالتحدث معهم كما فعلوا مع طالبان في اجتماعات الدوحة، وقبول الهزيمة، كما يفعلون الآن في كابول، لكن إذا أعلنت حركة إسلامية، مثل حماس، علانية أن معركتها ليست مع الولايات المتحدة، ولم تقتل جنديا أمريكيا واحدا، ستتجاهل واشنطن أن حماس عرضت وقفا طويل الأمد لإطلاق النار، وستصنفها منظمة إرهابية، وتمنع أي فصيل فلسطيني آخر من تشكيل حكومة وحدة معها، وتبذل قصارى جهدها لفرض الحصار على غزة، وبالمثل ستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه مع الإسلاميين الذين تجنبوا العنف واختاروا الانتخابات والديمقراطية والبرلمانات".
واستطرد "قبل ثماني سنوات عندما ارتكب الجيش المصري أسوأ مذبحة للمدنيين العزل منذ احتجاجات ميدان تيانانمين، في فض عنيف لاعتصام في ساحة رابعة بالقاهرة، عاد أوباما حرفيا إلى لعبة الجولف، وعندما قام عبد الفتاح السيسي قبل شهر بانقلاب عسكري، رفض أوباما وصفه بأنه انقلاب".
وتابع "عندما يتم تدمير الديمقراطية سوف تغض الولايات المتحدة الطرف، لكن عندما تحمل السلاح تتفاوض الولايات المتحدة ثم تنسحب، لكن إذا حاولت الاستقلال عن الولايات المتحدة كل الجحيم سوف ينفجر، تستنزف الأسواق المالية شريان الحياة من اقتصادك، وتتم معاقبة البنوك والشركات الخاصة بك، وسيتم اغتيال علماءك النوويين".
وأكمل "الإيمان الإمبراطوري بالتفوق الاجتماعي والعسكري والاقتصادي الغربي وافتراضه المتأصل بأن الغرب له حق أخلاقي في القيادة، ليس فقط يفتقر إلى أي مصداقية، بل إنه أيضا كارثة إستراتيجية، تفقد الولايات المتحدة نفوذها بسرعة في عهد بايدن كما فعلت في عهد ترامب، لأنه في النهاية لم يتغير الكثير، لا يزال المحتلون والديكتاتوريون الذين ينتهكون علانية المعايير الأساسية لحقوق الإنسان يُكافأون بالمال والسلاح، لا يزال الفساد يغذيه أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، يتم تجاهل الأشخاص الذين يستعبدونهم فلا عجب أن الأفغان لم يقاتلوا طالبان".
حقيقة صريحة
وأشار هيرست إلى أن "هناك بديلا لهذا المنطق المجنون المتمثل في التفكير في أنك تروج للديمقراطية من خلال إسقاط طائرات بدون طيار على الفقراء على بعد آلاف الأميال، فقط تخيل لو أنفقت الولايات المتحدة 2 تريليون دولار على الشعب الأفغاني نفسه. فقط تخيل ما إذا كانت قد سعت للتأثير على الحركات الدينية المحافظة مثل طالبان، ليس من خلال الحرب، ولكن من خلال المشاركة والحوار، تخيل أين ستكون أفغانستان الآن، وتخيل فقط مقدار القوة الناعمة التي لا يزال الغرب يمتلكها، الولايات المتحدة عند انسحابها لا تهتم بالأشخاص الذين تتخلى عنهم بقدر ما تهتم بالأشخاص الذين تحتلهم، هناك نزوح الآن في مطار كابول، أين سينتهي الأمر بهؤلاء الأفغان؟.
ولفت إلى أن "مشاهد الذعر في مطار كابول يوم الاثنين انعكست في جميع أنحاء عواصم أوروبا اليوم، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن أوروبا «يجب أن تتوقع وتحمي أنفسنا من تدفقات الهجرة غير النظامية الكبرى»، وقال وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر إنه يتوقع فرار ما يصل إلى خمسة ملايين شخص من أفغانستان".
ونوه بأن "ألمانيا قبلت مئات الآلاف خلال تدفق المهاجرين في عام 2015. أصر زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني أرمين لاشيت على أنه «لا ينبغي تكرار عام 2015»، والدول ذاتها التي ساهمت بقوات وجنرالات في القوة الدولية لا ترغب الآن في قبول العواقب الإنسانية لأفعالها".
وأكمل "لقد خسرت الحرب في أفغانستان بسبب تحالف غربي متضخم أعتقد أنه يمكن أن يهدم طالبان ويبني دولة جديدة من الصفر، وطوال الوقت يجهل تاريخها ولغاتها وشعوبها، ولم ينجح الغرب إلا في نشر وحشية الحرب وبؤسها على مدى عقدين من الزمن، تحمل الأفغان أنفسهم أغلبيتهما. إن حساب تكلفة هذا التدخل، كما نفعل حتى اليوم، في الأرواح العسكرية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة فقط، هو الدليل النهائي على أننا حضارة في حالة تدهور".
واختتم "المأساة هي أنه في حالة التراجع، لن تتعلم الولايات المتحدة الحقيقة القاسية القائلة بأن القوة ليس لها فائدة. كما أنها لن تتعلم الدرس القائل بأنها قوة متدهورة. وستتراجع إلى الضحية والانعزالية، كما فعلت بالفعل في الماضي. سيكون السرد أن العالم مكان جاحد، وإذا تعلمت الدرس المستفاد من هزائمها العسكرية، فستبدأ في فعل الأشياء الصحيحة في عالم يواجه حقا تهديدا وجوديا مشتركا، لم يأتِ من الشيوعية ولا من الإسلام".
https://www.middleeasteye.net/opinion/afghanistan-us-taliban-victory-end-western-empire