نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا سلط خلاله الضوء على تطورات الأوضاع في السودان عقب الانقلاب العسكري، كما طرح الموقع العديد من التساؤلات حول دور الجنرال محمد حمدان دقلو في الانقلاب، والسر وراء عدم ظهوره في الإعلام وتواريه عن الأنظار.
وقال التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة" إن "الانقلاب العسكري في السودان، الذي بدأ في الساعات الأولى من صباح الاثنين باعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، كان مركزه رجل واحد، هواللواء عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، ورئيس ما كان يعرف بمجلس السيادة الانتقالي في السودان، لكن كان يكمن في الخلفية رجل عسكري آخر هو الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، رئيس قوات الدعم السريع شبه العسكرية (RSF) مضيفا أن جنود حميدتي في الشوارع يقتلون ويصيبون المدنيين، لكن الرجل نفسه بالكاد شوهد، مما أدى إلى حديث واسع النطاق عن مكان وجوده ونواياه".
وأضاف التقرير أنه من المعروف الآن أنه التقى مساء الجمعة مع فولكر بيرثيس، الممثل الخاص للأمم المتحدة للسودان، الذي غرد بأنه حث حميدتي على وقف التصعيد والسماح بالاحتجاج السلمي وتجنب أي مواجهة غدا، 30 أكتوبر، ومع ذلك ووفقا للمحللين، يبدو أن حميدتي يترقب، في انتظار رؤية نتيجة الانقلاب، وهو والبرهان جزء من نفس النظام، ولكن إذا تعثر الجنرال، فسوف يتطلع حميدتي للسيطرة على الانقلاب، وقد تشهد المظاهرات الواسعة النطاق المخطط لها في البلاد يوم السبت ظهور زعيم القوات شبه العسكرية، وهناك مخاوف من أن تُلحق قوات حميدتي أعمال عنف مروعة بشعب السودان.
وأوضح التقرير أن مكتب حميدتي كان على اتصال يوم الاثنين مع آري بن ميناشي، ضابط مخابرات إسرائيلي سابق يعمل الآن كعضو ضغط كندي، موضحا أنه في عام 2019، وقع حميدتي عقدا مع شركة ضغط بقيمة 6 ملايين دولار مع بن ميناشي.
وأشار التقرير إلى أن بن ميناشي أخبر موقع "تقرير إفريقيا" أن حميدتي كان مهتما الآن بمناقشة صفقة جديدة، مضيفا أنهم قلقون بشأن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، ويريدون أن يفهموا أين يقف هؤلاء الرجال؟ وقضيتهم الحقيقية هي أنهم يريدون المساعدة من الإسرائيليين.
كان حميدتي غائبا عن المؤتمر الصحفي السريالي الذي عقده البرهان في كثير من الأحيان يوم الثلاثاء، وتقول المصادر إنه "كان يخبر الدبلوماسيين أنه لا يدعم الانقلاب، وهذا غير صحيح، يمكن للدبلوماسيين الأكثر ذكاء، إلى جانب المتظاهرين في الشوارع، رؤية ذلك".
وقالت خلود خير، الشريك الإداري في Insight Strategy Partners، وهي مؤسسة فكرية في الخرطوم، لـ Middle East Eye، إن "حميدتي وإخوته كانوا هادئين للغاية، وهذا ليس عن طريق الصدفة ويتماشى مع ما حدث في عام 2019، حينما انتظر حميدتي أيضا حتى رأى كيف تسير الأمور وفي النهاية كان هو من اعتقل عمر حسن البشير، وقبل ذلك كان هو وقواته فعليا حصن أمان لحزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير، بوليصة التأمين الخاصة بهم ضد أي محاولة انقلاب".
ولفت التقرير إلى أن العلاقة بين البرهان وحميدتي تعود إلى عقدين من الزمن، إلى دارفور، حيث قاتل البرهان في المنطقة، وكان عقيد استخبارات عسكرية ينسق هجمات الجيش والميليشيات ضد المدنيين في ولاية غرب دارفور من 2003 إلى 2005.
من دارفور إلى العالم
كان حميدتي أمير حرب محليا لم يتلقى تعليما رسميا ، وهو وضع خارجي لا يزال محسوسا حتى اليوم في العاصمة الخرطوم ، والذي سيواصل قيادة القوة المدعومة من الحكومة والمعروفة باسم الجنجويد، التي جلبت الموت واليأس إلى دارفور وأصبحت تُعرف باسم «الشياطين على ظهور الخيل».
وحميدتي من عشيرة عربية تشادية، فر من الحرب عندما كان طفلا، ليعيش في دارفور في الثمانينيات، وعندما اندلعت الحرب هناك في عام 2003، انضم الجنجويد إلى الجيش السوداني في قتال رجال العشائر الأفارقة السود المهمشين، واتهموا بارتكاب فظائع وإبادة جماعية على نطاق واسع.
وقد تحولت الجنجويد إلى قوات الدعم السريع، وبعد إقالة المستبد عمر حسن البشير من السلطة، في عام 2019، أصبح حميدتي نائب البرهان في الجانب العسكري من الحكومة التي تعتزم نقل السودان من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية، وكان كلا الرجلين مساعدين شرسين وموثوقين للبشير، الآن تم تكليفهم بلعب دور رئيسي في نقل السودان من فترة وجوده في السلطة.
وتابع التقرير"كرئيس لقوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية على التوالي، حميدتي وبرهان هما عسكريان طموحان في تحالف واحد ومنافسان محتملان ، مع مصادر مختلفة للسلطة والثروة، كلاهما جزء من هيكل حاكم نهب موارد السودان لعقود، واستولى على الدولة وضمن ألا تزعج أي عقوبات فرضها الأجانب النخبة العسكرية".
وأردف "حميدتي وإخوته، وأبرزهم عبد الرحيم حمدان دقلو، يسيطرون على مناجم الذهب في دارفور ويتمتعون بالرعاية الفخمة للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعندما احتاج التحالف الذي تقوده السعودية إلى مرتزقة لحربه في اليمن، لجأ إلى السودان وحميدتي الذي زودهم، كما أن مجمع الأمن العسكري الذي يسيطر عليه الجيش هو شبكة من المصانع والشركات التي تحافظ على أنماط حياة ومعاشات العديد من كبار ضباط الجيش، تعمل الشركات المملوكة للجيش بإعفاءات ضريبية وهي معروفة بالفساد".
واستطرد "بينما لدى البرهان أصدقاء عسكريون في الإمارات العربية المتحدة ووصف الرياض بأنها «حليف أبدي»، فهو الرجل المفضل في مصر وليس الخليج، مرة أخرى، هذا يضعه بجانب حميدتي، ولكن أيضا على خلاف معه".
يقول باتريك سميث، محرر Africa Confidential إن "ديناميكية البرهان – حميدتي غريبة فالمصريون يفضلون البرهان بسبب تدريبه في القاهرة، بينما يفضل السعوديين والإماراتيين حميدتي، محارب الصحراء الثري عديم الرحمة، الذي سلمهم المرتزقة للحرب في اليمن، وجنى المزيد من المال منها".
ويعتقد سميث أن هذا هو انقلاب البرهان وحميدتي، لكن العلاقة بين الرجلين صعبة ،لأن حميدتي، من بين أمور أخرى، يعرض نفسه كقائد في الخارج، وهو أقرب إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي، الأمير محمد بن زايد.
بدوره قال جوناس هورنر، كبير المحللين السودانيين في Crisis Group، لـ MEE «جمعت القاهرة البرهان وحميدتي في أعقاب انفجار قريب بين هذين الجانبين من الجيش قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في أوائل يونيو، لقد وضع ذلك كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في نفس القارب، لقد تمكنوا من إيجاد كراهية مشتركة تجاه المدنيين واحتمال الانتقال المدني، لقد كان هادئا، لكن العلاقة كما أفهمها تم إصلاحها بين البرهان وحميدتي ".
تهديد لسلطتهم وثرواتهم
وذكر التقرير أن حميدتي وبرهان بالتأكيد يجمعهما احتمال أن تنتزع منهما حكومة مدنية سلطتهما وحتى حريتهما، ففي 17 نوفمبر، كان من المقرر أن يسلم البرهان رئاسة مجلس السيادة إلى مدني، الأمر الذي، كما ذكرت وكالة أفريقيا السرية، من شأنه أن يقلل من تأثير الجيش على حكومة ما بعد المرحلة الانتقالية والهياكل الأمنية المستقبلية، وإذا حدث هذا النقل للسلطة، سيكون للمدنيين نظريا حق التصويت في القرارات المتعلقة بإصلاح القضاء وقطاع الأمن.
كان على برهان وحميدتي التصرف قبل حدوث ذلك، لأن مصادر قوتهم وثروتهم تعتمد عليها، كما يخشون التحقيق معهم – وتقديمهم للعدالة – في دارفور، في مذبحة الخرطوم في يونيو 2019، وأكثر من ذلك بكثير.
مع التزام الحكومة بتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، يخشى كل من حميدتي وبرهان من أن رئيسهما السابق قد يسمي أسماء، مما يتركهما في الطابور في رحلة إلى لاهاي.
في الوقت الحالي، يواجه كل من البرهان وحميدتي مقاومة شعبية منظمة جيدا لانقلابهما العسكري، وأظهرت قوات الدعم السريع نفسها أكثر من راغبة في مواجهة هذا بالعنف، كما فعل جيش التحرير السوداني التابع لدارفوري ميني ميناوي.
مذبحة مثل "رابعة"
شرايين الخرطوم الرئيسية مسدودة بقوات، العديد منها من قوات الدعم السريع وهناك مخاوف كما عبرت لها الصحفية والمؤلفة السودانية نسرين مالك، من أنه إذا تولى حميدتي السيطرة الكاملة ، فإن هذا ينتهي فقط بمذبحة مثل رابعة، حيث قُتل 900 مصري على يد القوات الخاضعة لسيطرة عبد الفتاح السيسي.
وكانت هناك إدانة دولية واسعة النطاق للانقلاب بقيادة الولايات المتحدة التي سحبت المساعدات وهددت بفرض عقوبات، مع استمرار وعود المال من الخليج والدعم القادم من مصر، قد لا يكون هذا مصدر قلق حقيقي للجيش السوداني.
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لهم هو الحديث المستمر عن الانقسامات بين أفواج الدبابات والموالين للبرهان في القوات المسلحة السودانية، مع عدد من ضباط الدبابات بشكل كامل ضد الانقلاب، ومع الشعب.
وذكر تقرير محلي أن شقيق حميدتي ونائب قوات الدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو، قد تم تعيينه قائدا ميدانيا للانقلاب، مما أدى إلى رفض اتباع الأوامر داخل القوات المسلحة السودانية، وكان من المقرر أن يعتقل دقلو 43 جنديا من فرقة الدبابات لكن رفاقهم لم يتخلوا عنهم.
في الوقت الحالي، حميدتي يترقب، إنه يعلم أنه طارد السودانيين في الشوارع، إنه يعلم أيضا أن الانقلاب يتعثر وأن الناس ثابتون، ما يفعله بعد ذلك يمكن أن يحدد مستقبل السودان.
https://www.middleeasteye.net/news/sudan-coup-where-is-hemeti