“ميدل إيست آي”: 3 تحديات تواجه انقلاب البرهان في السودان

- ‎فيعربي ودولي

نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للمحلل السياسي يزيد الصايغ الباحث بمعهد كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط في بيروت، سلط خلاله الضوء على التحديات التي تواجه اللواء عبدالفتاح البرهان قائد الانقلاب العسكري في السودان للبقاء في السلطة وتمرير الانقلاب.

وأشار التقرير، الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة" إلى أنه في 25 أكتوبر، أعلن قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حل الحكومة الانتقالية وإعلان حالة الطوارئ في السودان، كما تم اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وغيره من قادة الحكومة، ونزل عشرات الآلاف من المدنيين العزل إلى شوارع الخرطوم وغيرها من المدن للاحتجاج على الاستيلاء العسكري، متحدين بذلك إطلاق أجهزة الأمن للرصاص الحي.

وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة، التي حذرت الجيش السوداني من مثل هذه الخطوة، انضمت قبل ساعات فقط، إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية للمطالبة باستعادة كاملة للحكومة المدنية في عهد حموك، وإلا فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس حذر من أن علاقتنا بالكامل مع السودان سوف تخضع للتقييم.

وحتى يوم الاثنين، كان البرهان أيضا يرأس مجلس السيادة، الذي تأسس في عام 2019 لتولي سلطات عمر البشير، بالاتفاق مع أحزاب المعارضة والجمعيات السودانية، غير أن تعليق البرهان المواد الرئيسة من الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2019 حل المجلس فعليا إلى جانب الحكومة الانتقالية، وألغى الاتفاق السياسي الذي استند إليه الإعلان برمته، وبات المجلس العسكري الانتقالي، الذي تدخلت من خلاله القوات المسلحة السودانية في السياسة منذ أبريل 1985، يحكم السودان مرة أخرى.

 

أهمية كبيرة

وأوضح التقرير أن السودان كان على طريق غير مستقر نحو التحول الديمقراطي الذي ربما يكون الآن قد خرج عن مساره تماما، وهذا يشكل أهمية كبرى بالنسبة لدولة حكمها مدنيون منتخبون طيلة عشرة أعوام فقط منذ استقلالها في عام 1956، حيث كانت كل السياسات، كما يزعم، سياسة عسكرية.

وأشار التقرير إلى أن بعض المراقبين شككوا في تخلي الجيش عن البشير في عام 2019، واعتبروه تكتيكيا فقط، وشككوا في أنه سيتخلى فعليا عن السلطة، وعلى نفس القدر من الأهمية كان ما إذا كانت القوات المسلحة السودانية سوف تتبع مسار نظيرتها المصرية، التي تحولت من الإذعان في سقوط الرئيس حسني مبارك في عام 2011 إلى الاستيلاء على السلطة في عام 2013، وهذا الرأي جعل المتظاهرين السودانيين الذين ينادون بانتقال ديمقراطي كامل في عام 2019 يهتفون "إما النصر أو مصر".

ولفت التقرير إلى أن استياء الرأي العام من أداء الحكومة حقيقي ومفهوم، لكن من الواضح أن فلول نظام البشير استغلته، علاوة على ذلك، يرى مؤيدو الحكومة يد الجيش والأجهزة الأمنية المتحالفة معه في إثارة المعارضة في شرق السودان، فقد قامت عناصر قبلية هناك مؤخرا بقطع الطرق المؤدية إلى الميناء البحري الرئيسي للبلاد، مما أدى إلى تفاقم النقص في الإمدادات الأساسية، ودفع الأزمة السياسية إلى نقطة الغليان، بطريقة تذكر بتراكم الانقلاب المصري في العام 2013، كما يشتبهون في أن البرهان كان متواطئا مع محمد حمدان حميدتي دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، وقد ألقى كل منهما باللوم في الأزمة على الانقسام بين الفصائل السياسية المدنية.

إن القياس على مصر مفيد إلى حد ما، ولكن الحكومة التي يقودها الجيش في السودان سوف تواجه ثلاثة تحديات مختلفة تماما.

 

التحالف مع "حميدتي"

الأول هو الحفاظ على سلام هش للغاية مع العديد من حركات التحرير المسلحة في أجزاء من ولاية دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي الوقت نفسه، سوف يكون لزاما عليها أن تضع حدا لتهديدات انفصالية محتملة أخرى، بما في ذلك في شرق السودان، حيث كانت هناك مطالبات بالحكم الذاتي الكامل منذ أصبح السودان مستقلا، وحيث أدى وصول أعداد كبيرة من اللاجئين من أجزاء أخرى من البلاد على مدى العقد الماضي إلى تفاقم التوترات.

ومن المؤكد أن البرهان سيبذل كل ما في وسعه للحفاظ على السلام مع الحركات المسلحة، ولهذا فهو يحتاج إلى التحالف مع حميدتي للمساعدة في إبقائهم على الحياد، إن لم يكونوا على متن السفينة.

أما التحدي الرئيسي الثاني الذي يواجهه البرهان فهو غياب الجيش الموحد واحتكار الدولة لوسائل العنف، وهذا ربما يجعل البرهان أكثر اعتمادا على منافسه مما يريد، ورغم أن تحالفهما تكتيكي في الوقت الحالي وسوف يكون الحفاظ عليه صعبا، فمن الأهمية بمكان أن تتمكن الحكومة العسكرية من البقاء لفترة طويلة، والآفاق ليست مشجعة.

ومنذ عام 2019، ناضل الرجلان للسيطرة على العديد من القوات شبه العسكرية ووكالات الاستخبارات، ولديهما تحالفات مختلفة، وغالبا ما تكون متناقضة، في الأجزاء التي يمزقها الصراع في السودان.

أما التحدي الثالث فيتمثل في استعادة اقتصاد ما زال مدمرا بفعل عقود من العقوبات، واستغلال الحرب وافتراس مختلف الجهات المسلحة  الجيش وقوات الدعم السريع ومختلف المتمردين المسلحين، وهذا هو ما ولد المزاج الشعبي للعودة إلى الحكم العسكري.

فالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتان لم تكونا على الدوام مرتاحتين للانتقال الديمقراطي، وتفضلان الجيش، قد تضخان أموالا نقدية على المدى القريب وتعدان بالاستثمار ودعم مشاريع البنية التحتية على المدى المتوسط، وقد يؤدي ذلك إلى إخراج الجيش من مأزق نقل أنشطته المدنية إلى سيطرة الحكومة كما وعد في مارس 2021، وقد تشجع أيضا على تجدد الافتتان من جانب كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي تشارك بقوة في تجارة الذهب وفي أنشطة السوق السوداء، ولكنها تترك المشاكل الاقتصادية الأساسية بلا حل.

 

الآثار بالنسبة للمستقبل

وقد يتراجع البرهان في مواجهة التهديد بفرض عقوبات أمريكية وغربية جديدة، أو قد يسعى بدلا من ذلك إلى إيجاد حلفاء من بين الأحزاب السياسية المتشابكة لتشكيل حكومة مدنية واجهة بهدف دعم التزامه المزعوم بالتحول الديمقراطي وبالتالي إبعاد الضغوط الدولية، وهنا قد تحاكي القوات المسلحة السودانية مرة أخرى القوات المسلحة المصرية، التي أعقبت سيطرتها على السلطة عبر تشكيل حكومة مدنية متعددة الأحزاب.

كما أن التقارير التي أفادت بأن حمدوك تعرض لضغوط لقبول الانقلاب تعطي وزنا للفكرة القائلة بأن البرهان قد يريد منه استئناف دوره تحت الوصاية العسكرية، مما يساعد على إضفاء الشرعية على استيلاء الجيش على السلطة دوليا.

ويتوقف مدى خضوع البرهان لتحقيق مثل هذا السيناريو على مدى استمرار الاحتجاجات داخل السودان ومدى صعوبة الحفاظ على جبهة واحدة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من الهيئات، مثل الاتحاد الأفريقي، في المطالبة باستعادة كاملة للحكومة المدنية في ظل حكم حمدوك.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/sudan-coup-burhan-hemeti-gulf-cash-stay-in-power