الزواجُ فى الإسلامِ عبادة، وقضاءُ الوطرِ فى ظله قُربى يؤجر عليها المسلم، يقول النبى ﷺ: «وفى بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله! أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها فى الحلال كان له أجر»، ولقد حضّ ﷺ على هذه الشعيرة كثيرًا فقال: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد فى سبيل الله، والمكاتب الذى يريد الأداء، والناكح الذى يريد العفاف».
والدولة المسلمة تعين على الزواج، وتيسر سبله، وتكسب المتزوجين، يقول النبى ﷺ: «من كان لنا عاملًا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا». لقد جُعل الزواج للمحافظة على الحياة وامتدادها حتى قيام الساعة، ومن هنا كان رفض شريعتنا الغراء للرهبانية؛ إذ إنها تقطع حبل الحياة، وتفنى الجنس البشرى.
وما شرع الله تعالى الزواج للناس وجعله سنة الأنبياء والمرسلين إلا لصالهحم، ولعلمه -جل وعلا- أن فيه سعادتهم؛ فبه قضاء الوطر، وتحصين الفرج، وغض البصر، وحماية العرض فضلًا عن فوائده النفسية والاجتماعية التى لا تُحصَى. والزواج فى الإسلام هو الكهف الوحيد للرجل والمرأة على السواء (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ…) [البقرة: 187]، وما عداه محظور؛ لفساده وخطورته على الإنسان الذى كرمه الله على سائر خلقه (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 5-7].
ولقد رأينا -بل تؤكده الإحصائيات الرسمية- كيف تقلَّصت أعداد المتزوجين في السنوات الأخيرة، وتراجعت عقود الزواج عامًا بعد آخر، وندرت مواكب «العِرسان» المبهجة؛ مما زاد نسب العنوسة بين الجنسين حتى تخطت الـ(10) ملايين شاب وفتاة ممن بلغوا ثلاثين سنة فى الإناث وخمسًا وثلاثين سنة فى الذكور. وهذه كارثة اجتماعية بكل ما تعنيه كلمة كارثة.
فإذا سألت عن أسباب هذا التراجع المخيف فى عقود الزواج؛ فالسبب الرئيس هو ارتفاع معدلات الفقر، وتراجع القدرة الشرائية، وانخفاض قيمة الأجور، والبطالة.. فأنّى لشاب مصرىّ الآن أن يمتلك شقة، بل أن يستأجرها، وإذا فعل كيف يعيش بباقى دخله الذى تستنفده الفواتير الشهرية، وماذا لو رُزق بطفل؟ وماذا لو كان يعول أمه أو أباه؟ وماذا وماذا؟ ونحن هنا لن نتحدث عن ملابس وتعليم ومجاملات وخروجات وصلة رحم إلخ.
من أجل ذلك يتراجع الشباب عن الزواج خوفًا من العبء المادى، خصوصًا أن كثيرًا منهم يرى خلافات يومية بين أمه وأبيه على «مصروف البيت!»، ويرى زميله فلانًا وقريبته علانة قد تطلقا بسبب ضيق ذات اليد وعجز الرجل عن توفير المتطلبات الضرورية لأسرته، وإن كانت الأسباب المعلنة للطلاق غير ذلك. فماذا ينتج عن هذا الوضع المأزوم؟
والوضع هكذا فالمتوقع -لا سمح الله- تفشى العلاقات غير الشرعية، وشيوع الفاحشة وما يستتبعها من تفسّخات اجتماعية، وانتشار الأمراض العصبية والعقد النفسية لانعدام الاستقرار وافتقاد شريك الحياة، ولعلنا نلحظ قريبًا الفجوة السنية بين الآباء والأبناء، وقلة الخصوبة، وقد لاحظنا ظهور أشكال عجيبة لعقود الزواج بغرض تقنين الزنى وإقامة علاقة محرمة بمسمى شرعى.. كل هذا نتاج تعطيل الزواج الذى يمنع انهيار الأسرة وانقطاع النسل، ويحافظ على تماسك المجتمع بعلاقات النسب والمصاهرة، وبتعطل مشاريع الزواج تتعطل بقدرٍ مساوٍ مشاريع التنمية والإسكان والبنية التحتية.
إن المجتمع الذى يكثر فيه الزواج مجتمع صحى، برىء من المنغِّصات؛ إذ الزواج جدار واق من المؤثرات النفسية، وبه يتحقق التعاون والتساند بين النوعين، ولقد تولَّت الحكومة الأمريكية في وقت سابق (فبراير 2009) حملة إعلانية ذات تكلفة عالية، هدفت إلى التركيز على فوائد الزواج فى العشرينيات، وقال عالم الاجتماع (بول أماتو)، مستشار الحملة، إن الأبحاث التى أجراها مسئولو الحملة أظهرت أن المتزوجين يتمتعون بصحة أفضل ويشعرون بالفرح.
وهذه السطور نداء لكل غيور للتفكير فى سبل الخروج من هذه المشكلة المهددة للمجتمع، وهى نواة لنزيد عليها؛ بما يستنقذنا من ذلك البلاء الذى حلّ بنا منذ ثمانى سنوات فعكَّر صفونا وكدَّر ماءنا. اللهم من رفق بالمسلمين فارفق به ومن شقَّ عليهم فاشقق عليه. آمين.