شبّه خبراء ومراقبون الارتفاع الكبير الذي حققته الليرة التركية مقابل الدولار (الليرة التركية مقابل الدولار من 19 ليرة مقابل العملة الخضراء إلى 11 ليرة مقابل الدولار) بأنه إحباط جديد لانقلاب اقتصادي على الرئيس التركي، يشبه إلى حد بعيد ما حدث معه في يوليو 2017.
قال الخبير الاقتصادي البريطاني "تيموثي آش" معلقا على الارتفاع: "أنا خبير اقتصادي منذ 30 عاما، ولم أرَ شيئا كهذا في حياتي المهنية هذا شيء لا يصدق".
أما الخبيرة هبة الحسني فعلقت على خطة أردوغان قائلة إن "خطته واضحة من البداية، ولكن الإجراءات التنفيذية هي التي تطلبت هذا الوقت حتى تمكن من تفجير فقاعة المضاربة على أصحابها، وبقي له قضية الأسعار وهي القضية الأساسية، خاصة السلع الأساسية والعقارات، والأخيرة سبب رئيس للداء بفعل المضاربات".

تخطيط وقرارات
وبشيء من التفصيل مدح د.أشرف دوابة أستاذ الاقتصاد الإسلامي الرئيس التركي في خططه الأخيرة بشأن الليرة والدولار، فقال عبر (Ashraf Dawaba) "عرف الرئيس أردوغان بفهمه جيدا للسنن الإلهية الكونية والإيمانية، وهو في سعيه لتطبيق منهج الإسلام يراعي التدرج وفق هذا السنن، فالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، وما كان الله ليضيع عبدا يسير في طريقه، ويأوي المظلومين في الأرض وما يظن مؤمن لسفينة نوح أن تغرق".
وأضاف "لطالما تعجبت من الذين ألغوا عقولهم وسلموها للفكر الرأسمالي المعاصر دون تمحيص، فطالبوا تركيا برفع سعر الفائدة لعلاج التضخم رغم أنه الداء الأساسي للتضخم والمصائب الاقتصادية جميعا، وليت هؤلاء عقلوا أن النظام الرأسمالي هو نظام الأزمات وفق تسمية منظريه، ولا خير لنا إلا في الرجوع للإسلام".
وأردف "الرئيس أردوغان لم يخلُ حديثه منذ هبوط سعر صرف الليرة من ثقة واضحة، وهو لا يتحرك إلا بناء على معلومات سعى من خلالها للوصول للمرض، وليس اكتفاء بالعرض وقد تحولت الثقة إلى واقع بارتفاع سعر صرف الليرة بصورة غير متوقعة في يوم واحد بعد تصريحاته التي عكست بوضوح سياسته لمواجهة الحرب الاقتصادية على تركيا ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
١-الكشف عن الأموال المكتنزة بالبلاد (5 آلاف طن من الذهب و280 مليار دولار).
٢-عدم التراجع عن تخفيض سعر الفائدة ونظام السوق الحر، مع استخدام أدوات جديدة داخل نظام السوق الحر لإيقاف تقلبات سعر الصرف.
٣-تثبيت سعر الصرف للشركات وتخفيض ضرائبها، وتعويض المدخرين عن ارتفاع أسعار الصرف عند سحب مدخراتهم الدولارية المحولة لليرة.
٤- إعلان الحرب على جشع التجار والأموال الساخنة وتشجيع الاستثمار المباشر كعامل للإنتاج الحقيقي والمعزز للصادرات والتوظيف.
٥-الوعد بمعالجة التضخم خلال بضعة أشهر كما عالج مشكلة الأجور.
٦-استقلال اقتصاد تركيا بعيدا عن صندوق النقد الدولي وما ينشأ عنه من تبعية اقتصادية وسياسية للدول الأجنبية.
منقلب ومنتخب
وتحدث مراقبون عن تمكن أردوغان المنتخب مما فعله المنقلب في مصر من إسقاط مصر بوحل التعويم الذي أنهارت أمامه عملتنا (الجنيه) أمام الدولار.
وبشكل عملي رصد الصحفي والمحلل الاقتصادي مصطفى عبدالسلام في مقاله "بنوك تركيا وأزمة الليرة والأسئلة الحائرة (الحلقة الثالثة)" خلال ديسمبر 2021، مشاهدات حية لتعامل حكومة العدالة والتنمية مع أزمة الليرة التي استمرت ما يزيد عن شهر.
وقال عبدالسلام "من خلال المشاهدات الحية من داخل صالات البنوك التي زرتها، حيث لاحظت هدوءا شديدا من قبل العملاء، فلا زحام على الشبابيك، ولا سحوبات استثنائية، والصرافون في البنوك يلبّون احتياجات العملاء، خاصة المدخرين".
وأضاف "أما المقترضون من رجال الأعمال والمستثمرون وأصحاب المصانع، فإن زيارتهم مقار البنوك تراجعت خلال الفترة الأخيرة، انتظارا لما ستسفر عنه الأزمة الحالية، وإلى حين وضع حد للصراع الحاد بين المضاربين على العملة والبنك المركزي".
وتابع "امتد هذا الحذر أيضا للراغبين في الحصول على قروض شخصية لتمويل شراء عقار أو سيارة أو سداد مصروفات تعليم أو بضمان الراتب، فهؤلاء يؤجلون قراراتهم للاستفادة من الخفض المتوقع في أسعار الفائدة".
وأردف "أما مصدر الإجابات الثاني عن أسئلتي فجاء من العملاء أنفسهم الجالسين وسط صالات البنوك، والذين أكدوا أن أزمة الليرة دفعتهم بالفعل إلى التواصل مع المصارف التي يتعاملون معها".
وأشار إلى أن "بعضهم اختبر البنوك عن طريق تقديم طلب بسحب أرصدته الدولارية، وكانت إجابة موظفي البنوك للعميل شبه واحدة "تفضل في أي وقت، فأموالك جاهزة، حدد لنا الوجهة التي تريد تحويلها إليها وسنحوّلها فورا".
ولفت إلى أن الحكومة لم تفرض أي قيود على السحب النقدي من البنوك، خاصة بالدولار، كما لم يفرض البنك المركزي أي قيود على عمليات التعامل بالنقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي، ولم تسارع الدولة إلى إغلاق شركات الصرافة التي تعرض شاشاتها سعرا مرتفعا للدولار، ولا يوجد سوق سوداء للعملة.
حرب على الربا
المراقبون قالوا إن "أسباب الأزمة من الأساس بين اقتصادية وسياسية؛ وأن الاقتصادية أكبرها وأهمها أن الرئيس أردوغان يريد خفض قيمة الفائدة (الربوية)، والتي كانت وصلت إلي ٢٤٪.
وأعلن أردوغان رفضه هذا المبدأ رفضا قاطعا نظرا لعرقلته عجلة الإنتاج، ويريد خفض هذه النسبة أو التخلص منها، مشيرا إلى أن خفض الفائدة من الناحية النظرية يعني انتعاش الاقتصاد، فحينما يتم خفض الفائدة يضطر الجميع لسحب الأموال من البنوك ووضعها في مشاريع فعلية وهذه المشاريع تنعش الاقتصاد وتحييه من جديد.
عبد الحافظ الصاوي الخبير الاقتصادي قال إن "متطلبات نجاح رؤية أردوغان؛ تتخلخص في:
1. تقليل فاتورة الواردات.
2. الاعتماد بنسب كبيرة على الموارد ومستلزمات الإنتاج المحلية.
3. الحد من تدفق الأموال الساخنة من الخارج.
4. ترشيد اقتراض القطاع الخاص، بما يتناسب مع قدراته التمويلية ونشاطه الاقتصادي".