محمد خير موسى يكتب: الابتلاء بين المحبة والقسوة

- ‎فيمقالات

كيفَ يكون ابتلاءُ الله تعالى علامةَ محبّةٍ منه لعبده؟! وكيفَ يكون الابتلاء الذي فيه تعذيب وقسوة على المرء محبّةً له؟!

للإجابة عن هذا السؤال إليك المثال التّالي، وللّه المثلُ الأعلى:
لو كنتَ تسيرُ في الشّارع وسمعتَ فتىً لا تعرفُه يرفع صوته بشتائم بذيئة، وسباب شنيع فإنّك تشعر بالغضب والغيظ من هذا الفتى وقد تلومه لومًا عابرًا أو تعظه وربّما تهمله وفي الغالب لن تقسو عليه.
ولكن تخيّل لو أنّ هذا الفتى الذي كانت ترتفعُ منه هذه الشّتائمُ البذيئة ذاتها هو أحد أبنائك؛ فهل ستهمله، وهل ستترك الأمر يمرّ مرور الكرام؟! بالطّبع لا لن تفعل ذلك
بل إنّك في الحالة الطّبيعيّة ستكون قاسيًا عليه وستكون قسوتك عليه أكبر بكثير منها على ذلك الفتى الذي لا تعرفه، فربّما تعاقبه عقوبةً قاسيةً بحرمانه من بعض ما تقدّمه له من مصروف أو حرمانه من الخروج أو غير ذلك من العقوبات، وربّما تشدّ أذنه وتوبّخه توبيخًا كبيرًا
فهل عدم قسوتك على الفتى الذي لا تعرفُه هي دلالةُ محبّةٍ له أكثرَ من ولدك الذي قسوت عليه؟ أم إنَّ الامر هو العكسُ تمامًا؟!
إنّ قسوتك الأشدّ على ابنك سببها حبّك له، وحرقتكَ عليه، وحرصكَ عليه، وإنّما كانت قسوتُكَ عليه كي يرجعَ إلى جادّة الصّواب ويستقيمَ على طريق الأخلاق.
وهذا هو حال ابتلاء الله تعالى لعباده في الدُّنيا فهو علامةُ محبّةٍ من الله تعالى له أكثر من ذلك الذي لا يبتليه ويتركه سادرًا في غيّه دون تنبيه أو صفعة توقظه من غفلته.
فيأتي الابتلاء من الله تعالى لمن يحبه من عباده ليرجعَ إلى طريق الحقّ ويصحو من غفلته ويفيق من غفوته ويؤوبَ إلى درب الهداية والتي هي أقوم، أو ليرفع درجته في المقرّبين بتطهيره ممّا يعلق بالمرء من شوائب الدّنيا
وقد بيّن الله تعالى ذلك في كتابه إذ قال: “وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” السّجدة: 21
وفي صحيح البخاري؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريضٍ يعوده قال: “لا بأس طهور إن شاء الله”.