تذهب شبكة «CNN» الأمريكية إلى أن تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا لم تقتصر على مقتل المئات في ساحة المعركة وفي المدن الأوكرانية تحت القصف، لافتة إلى أن الغزو أثّر في كل شيء على المستوى الدولي أيضاً، من الأمن الغذائي في القاهرة، إلى أسعار الوقود في كاليفورنيا. وترى أن الغزو دفع إلى الواجهة بتحوّلات جيوسياسية كبيرة، وغيّر طريقة عمل بعض أهم المؤسسات العالمية.
بحسب التحليل الذي أعده جوشوا برلنغز للشبكة الأمريكية، فإن هناك أربع نواح أساسية تغير فيها العالم في الأيام العشرة الأولى للعدوان الروسي، أول هذه التحولات هو «نظام عالمي متغير»، فالغزو الروسي لأوكرانيا مثل العلامة العنيفة التي أكّدت أحد أكبر التغيرات في النظام العالمي الجيوسياسي منذ 11/9. وشرع في توضيح ذلك بالإشارة إلى أنه "في السنوات الناتجة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، استهلك الإرهاب العالمي قدراً كبيراً من اهتمام الزعماء الغربيين. كانت القاعدة وتنظيم "داعش" العدوين اللذين ينبغي مواجهتهما. لم يعد يُرى الكرملين بوصفه التهديد ذاته الذي كان عليه من قبل، إلى حد أن الرئيس باراك أوباما سخر، عام 2012، من المرشّح الرئاسي مت رومني، لكونه ذا أفكار بالية، حين عدّ روسيا الخصم الجيوسياسي الأول للولايات المتحدة. وحينئذ، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أبدى عزمه على قلب نظام ما بعد الحرب الباردة". ويلفت التقرير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبح منبوذاً بعد ربع قرن من تعامل العالم الغربي معه، لافتاً إلى أن الغرب فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، شلّت مؤسساتها المالية، وسبّبت انهياراً للاقتصاد والروبل، إذ وصلت إلى حد استهداف بوتين شخصياً وبعض أعضاء دائرته الضيقة. وقال الرئيس جو بايدن يوم الثلاثاء في خطاب حالة الاتحاد: "بوتين الآن في أقصى حالات انعزاله عن العالم".
التحول الثاني بحسب «CNN»، أن أوروبا باتت موحدة أكثر كنتيجة منطقية للغزو الروسي في ظل المخاوف التي تسود في جميع العواصم الأوروبية، فالغزو الروسي وحّد أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين، وحفزهم على اتخاذ قرارات أمنية لم تكن في نطاق المفكّر فيه قبل أسابيع خلت، لافتاً إلى أن تفكير أوروبا تطور حيال الدفاع، والأمن، والشؤون الخارجيّة سنوات ضوئية في غضون بضعة أيام. واعتبر التقرير ذلك استفاقة من حلم امتد لعقود كان يرى أنّ الاستقرار الذي يقدّمه عالمٌ متداخلٌ سيحول دون اندلاع الحرب، وأنّ أميركا ستجد الحل لو حدث الأسوأ.
التحول الثالث، هو نزوح مليون إنسان، حيث أفرد التقرير مساحة للحديث عن موجة النزوح للمدنيين من أوكرانيا، لافتاً إلى نزوح مليون شخص من بيوتهم في الأيام السبعة الأولى منذ غزو روسيا لأوكرانيا، وهي إحدى أسرع وأكبر موجات النزوح في تاريخ البشرية المنظور. وتابع: "في حال استمرار القتال، والأسوأ لم يحصل بعد، على حد تعبير مصدر مقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون، قد تواجه أوروبا أزمة لاجئين غير مسبوقة". ويضيف أن تقارير عديدة تحدثت أيضا عن حالات عنصرية ضد أشخاص ملوّنين وغير أوكرانيين على الحدود. ويبقى مستقبل اللاجئين غامضاً. ولو أطاحت روسيا الحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطياً، فهل سيرغب هؤلاء الناس في العودة إلى وطنهم؟ وماذا لو فقدوا بيوتهم بعد انتهاء القتال؟".
التحول الرابع والأخطر هو ما يتعلق بالغذاء والوقود، حيث ارتفعت أسعارالوقود إلى أعلى مستوياتها في الولايات المتحدة منذ إعصار كاترينا عام 2005، والخبراء قلقون من احتمال ارتفاع أسعار الغذاء بعد أن شهدت ارتفاعاً "حاداً" السنة الماضية. وأشار التقرير إلى أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا سبّب مآسي اقتصادية وبشرية على طول الكرة الأرضية، وخاصة في ما يتصل بالطاقة. وفي أوكرانيا وحدها، سيحتاج ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص إلى دعم غذائيّ فوراً، وفقاً للمدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي. ولكن روسيا وأوكرانيا من بين أكبر منتجي القمح في العالم. إذ تشكّلان معاً نسبة 23% من الصادرات العالميّة، بحسب مؤسسة S&P Global".