ينصح الكاتب الأمريكى «جاكسون براون» -صاحب كتاب «إرشادات الحياة»، الأكثر توزيعًا فى عقد التسعينيات- قرَّاءَه بتلك النصيحة التسويقية الغالية، التى أراها أفيد من ذلك بكثير إذا تناولناها من منظورنا المعرفى وتراثنا العقائدى. حُجةُ «براون» كما جاء فى نص وصيته: (لأنه فى الغالب ستقوم بشراء حاجيات أكثر من اللازم)…
من الضرورى تخيُّر الوقت المناسب لاتخاذ القرار، أىّ قرار، بتقليب الأمر على وجوهه، وعدم التسرع، وإن استطعتَ أن تستشيرَ وتستخيرَ فافعلْ، المهم أن تتولَّد لديك القناعة لاتخاذ القرار، بعدما رتبتَ أمرك وهيأت نفسك ولم تدع الأمور تسير حسب هواك ونزق عاطفتك.
ولا تغررك الدعايةُ وبُهرج المعروض، من الناس والأشياء، فكم من «عروسة» هى فى الأصل «بوصة»، وكم من قرد يبدو كالغزال، وقد رأينا وسمعنا عن أناس أخذوا بالظاهر وغرَّهم معسول اللسان فسقطوا سقوط الذباب فى الحلوى أو الفراش فى النار، فلا تنبهر بالمظهر وتتغاضى عن الجوهر، ولا تأخذك الأضواء عن الحقيقة، بل عليك التمييز بين الصادق والكاذب، والخبرىِّ والدعائىِّ، ولا تسلم حواسك إلا لمن تلمس فيه الاستقامة والبراءة من اللؤم والخديعة.
وإياك والعجلة؛ فإنها من الشيطان، وهى خفة وطيش، ضد الحلم والوقار، ولكمْ زلَّتْ قدمٌ بعد ثبوتها لأثر العجلة، استبطأت الأمر فلم تصبر فكان عاقبتها خُسرًا، ولات حين مندم، ضاعت وضيَّعت، وهلكت وأهلكت، والعبرة بالخواتيم؛ ما يستوجب التخطيط لحياتك، ووضع جدول لأولوياتك، فلا تسرْ بالعشوائية والصُدف، بل اسأل نفسك دائمًا: أيهما أولى؛ كذا أم كيت؟ ولا تنحصر فى خيار واحد فتقطع المسافات من دون جدوى، وتُضيِّع الوقت من غير هدف، وتحمِّل نفسك فوق طاقتها خلافًا لما أمرك الله تعالى به.
والاقتصاد فى ديننا أمر لازم وحتم، وهو شىء رائع لمن خبره؛ إذ الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، وما عال من اقتصد، وإنَّ خير الناس من لا تغيره الحوادث والأيام، أو يطغيه غنى أو يهزمه فقر. والاقتصاد فى العموم؛ فى الغنى والفقر، والفرح والحزن، والمدح والذمِّ يربِّى فى صاحبه قوة الإرادة، وسلطان الشكيمة، وعلوّ الهمة، ويجعله ذا روح شفافة ونفس سوية.
وإنَّ اتباع الشهوات يستحضر الجهل، ويعمى البصيرة، ويذهب بمروءة الرجل، ومن الكيْس تحكيم العقل ليكون هو القاطرة ومن خلفه العاطفة، فيكون لجامًا للنفس عن الإسراف والانحراف والشطط «أوكلما اشتهيتَ اشتريتَ؟»، ولا تتأتى تربية النفس إلا بحرمانها، وعدم تركها فريسة للأمانى والرغبات، وكبحها عما يضر صاحبها ويورطه فى النقائص ويورده النكبات.
فلا تفعلْ شيئًا تندم عليه، علمه من حولك أم لم يعلموه.. والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطَّلعَ عليه الناس، لا تسلك مسلكًا يجعلك تشعر بالخزى ووخز الضمير فتحزن كلما تذكرته، قد لا يكون هذا المسلك كبيرة أو لممًا، ربما كان أدنى من ذلك كأن تبذِّر مالك فيما لا طائل منه، لكنه يبقى توترًا داخليًّا وندمًا يستوجب التأنى والحذر فى قابل الأيام، وعليك تقدير عواقب القرارات خصوصًا المصيرية؛ كى لا تأتى لحظة تقول فيها: لو أنى فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ ما يفتح بابًا من أبواب الشيطان -كما أخبرنا المعصوم ﷺ.
وإذا كان الجوع ملهبة فلا تنتظر حتى يهيج العصبُ ويُستحضر الغضب ويقع الاشتباك مع المحيطين بك، سكِّن الجسد بوقوده: الطعام والشراب، قبل أن تستولى عليه الطباع السبعية الشرهة فلا يسلم من شرِّه أحد؛ ما أكدته المرأة العربية منذ قرون حين أوصت ابنتها ليلة عُرسها قائلة: (وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مكربة).