“ابن سلمان” ومخططات العلمنة.. تلاعب بالهوية الإسلامية وتشبث بالملكية المطلقة

- ‎فيعربي ودولي

الحوار الذي أجرته مجلة "ذي أتلانتيك" البريطانية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بداية مارس 2022، كشف كثيرا من تصورات ولي العهد  ورؤاه حول مستقبل بلاد الحرمين الشريفين والطريقة التي يؤمن بها في الحكم والدين والسلطة. الخطير في هذا الحوار أنه كشف عن ثابتين فقط في السعودية تحت حكم ولي العهد:

الأول، هو ما يتعلق بالملكية المطلقة، فهذا هو أهم ثوابت المملكة على الإطلاق، وفي سبيلها يمكن التنازل عن الهوية الإسلامية في شقيها التشريعي وحتى التعبدي، أما الملكية المطلقة فلا وألف لا؛ الدليل على ذلك تصريحات ولي العهد في الحوار الذي نشرته وكالة واس السعودية ومعظم صحف المملكة؛ ففي مقابل تساهل ولي الهد في مسألة الهوية الإسلامية لبلاده، وتبنيه تحولات ضخمة في بنية وهوية المجتمع السعودي ليتقارب مع النموذج الأمريكي بنسبة 80% كما صرًّح هو بذلك، إلا أنه أبدى تشبثا بنظام الحكم السعودي القائم على الملكية المطلقة رغم أنه من أسوأ نظم الحكم في العالم والتاريخ الإنساني، ويشدد على أن وظيفته (الملك وولي العهد)هي حماية هذا الملكية المطلقة، والغريب حقا أنه اعتبر تغيير هذا النموذج السيئ خيانة وانقلابا!! يقول ولي  العهد: «أعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلاباً عليهم». ليس ذلك فقط،  بل استبعد ولي العهد تحويل هذا النظام القميء من  ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية تقيد صلاحيات الملك لحساب حكومة منتخبة من الشعب، رغم اعترافه بأن الديمقراطية والملكية الدستورية  من الأفكار الجاذبة، مضيفا: «المللكية الدستورية.. لا، هذا لن ينجح، فقد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة، الآلاف من الأنظمة تحتها من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وكذلك الأسرة المالكة السعودية التي أمثّلها، والشعب السعودي الذي أمثّله، فهذه الآلاف من الأنظمة يعدّ ملك المملكة العربية السعودية هو قائدها وهو مَن يحمي مصالحها، وهؤلاء يشكّلون 13 إلى 14 مليون سعودي من بين 20 مليون سعودي تقريباً، لذا لا يمكنني شن انقلاب على 14 مليون مواطن سعودي»!

أما الثابت الثاني في بلاد الحرمين، فهو التمسك بشيء من العقيدة الإسلامية؛ فولي العهد يعمل على هدم الهوية الإسلامية لبلاده في مجالات التشريع والعبادة وحتى الأخلاق، لكنه يعبر عن عدم قدرته على تغيير الأمور الاعتقادية التي ستبقى سمة من سمات بلاده حتى لو تحولت إلى نسخة أمريكية بنسبة 70 أو 80%. يقول ولي العهد : «على أي حال، لن تبدو المرحلة النهائية مطابقة لمعاييركم الاجتماعية بنسبة 100%، لنقل إنها ستكون بين 70 و80%، يمكنني القول إن ما نحن عليه اليوم 50%، ولا تزال هناك 20 إلى 30% يتعين علينا الوصول إليها، ولن نصل إلى 100%؛ لأن لدينا بعض المعتقدات التي نحترمها في السعودية، وهذا لا يتعلق بي، بل يتعلق بالشعب السعودي، وأنا من واجبي أن أحترم المعتقدات السعودية، ومعتقداتي كمواطن سعودي بينهم، وأن أناضل من أجلها».

وقد تباهي ولي العهد بهذه التحولات الضخمة على المستويين الديني والاجتماعي في بلاده والتي تتم تحت رعايته وإشرافه مصحوبة بتمويل ضخم وغير مسبوق وبروباجندا إعلامية زاعقة ومحرضة على المضي في هذا الطريق حتى منتهاه. يفتخر ولي العهد بهذه التحولات التي تجعل المجتمع السعودي قريبا من النموذج الأمريكي بنسبة 80% على حد وصفه، قائلا: «هل تتراجع التنمية الاجتماعية للخلف أم تتقدم للأمام؟ انظروا فقط إلى ما حدث في السنوات الخمس الماضية، وما يحدث اليوم، وانظروا إلى ما سيحدث العام القادم. إنها بلا شك تتقدم للأمام. لا يحتاج الأمر إلى خبير ليرى ذلك، قوموا بإجراء بحوثكم فقط على الإنترنت، أو قوموا برحلة قصيرة إلى السعودية، وسيكون بإمكانكم رؤية ذلك، تحدثوا إلى الناس، فمن بين نحو الـ33 مليون نسمة الذين يعيشون في السعودية، نحو 20 مليون سعودي، وسوف يخبرونكم بذلك. لذا ومن الناحية الاجتماعية نحن نسير في الطريق الصحيح. على حد زعمه.

وفي سبيل تحقيق مخططات ولي العهد الرامية لأمركة المجتمع السعودي، حتى تصبح بلاده نسخة مطابقة لنحو 80% من القيم الأمريكية فإنه لا يرغب في استنساخ التجربة الأمريكية في الديمقراطية وحكم الشعب والشفافية وحرية الرأي والتعبير وسيادة القانون ودولة المؤسسات، كما لا يتحدث عن استنساخ التجربة الأمريكية في الصناعة والزراعة والعلوم والبحث العلمي وتعزيز قدراتها التسليجية بوصفها أكبر ُمصنع سلاح في العالم، لكنه  يريد استنساخ التجربة الأمريكية في التمثيل والعري والرقص والترفيه وتعزيز مكانة السينما والغناء والتحرر من قيم الإسلام الأخلاقية مع الإبقاء على الأمور الاعتقادية فقط؛ معنى ذلك أن ولي العهد يسحب المجتمع السعودي نحو نسخة علمانية تقلص من الدور الإسلام في توجيه المجتمع وإبقائه بعيدا عن الحياة منزويا في المساجد والزوايا دون استلهام مبادئه وأحكامه في إدارة حياة المجتمع. وقد شهدت المملكة خلال الفترة الأخيرة هرولة سعودية نحو مهرجانات الغناء والرقص ومسابقات الفورمولا والهجن وفتح المئات من دور السينما والمسارح والاهتمام بطبقة الممثلين والمغنيين والراقصين. حيث يستهدف ولي العهد أن يجعل من بلاده رائدة في صناعة السينما على غرار مدينة هوليود الأمريكية؛ ولذلك فقد تم تخصيص ميزانيات ضخمة لهذا الغرض.

وفي مقابل المرونة الشديدة التي أبداها ولي العهد تجاه إيران، والترحيب الواسع بالعدو الإسرائيلي بوصفه حليفا محتملا في المستقبل أبدى ولي العهد تصلبا شديد تجاه العلماء والدعاة المعتقلين في سجونه ظلما وعدوانا، وأصر على عدم تسامحه مع هؤلاء الدعاة باعتبار ذلك خطرا على بلاده!  وعندما سئل: «هل لديك السلطة لمنح العفو أو تخفيف العقوبة؟ مثلما فعلت دولة الكويت مؤخراً بالسجناء السياسيين، هل هذا شيء يقع ضمن حدود قدراتك؟ وهل تدرس فكرة القيام بأمر كهذا؟ أجاب ولي العهد ــ الذي يعتبر الحاكم الفعلي في بلاد الحرمين ويتمتع بسلطات وصلاحيات مطلقة ــ : «هذا الأمر لا يقع ضمن حدود سلطاتي، وإذا منحت العفو في مجال ما، فإنك ستعفو حينها عن أشخاص سيئين، وهذا الأمر من شأنه أن يعيد الأمور إلى الوراء في السعودية» على حد زعمه.

وقد جاءت أسئلة المحاور (الصحفي الأمريكي جرايمي وود) معبرة عن ذلك بكل وضوح وترحب بالتلاعب في الهوية الإسلامية لبلاد الحرمين الشريفين؛ حيث سأله «إنني أتردد على البلاد منذ عام 2019م. وفي كل مرة أصل فيها أرى تغييراً، ومزيداً من الحداثة، ومزيداً من التقدم، إننا نقترب من 2030م، وقد أصبحت البلاد مشابهةً لدبي، ومشابهة أيضاً بصورة بسيطة لأميركا. هل تعتقد أن السعودية ستتغير عن حالها وتصبح مثل بقية العالم؟». وفي موضع آخر جاء سؤال صحفي "ذي إتلانتيك" على نحو كاشف قائلا: «هل يمكنكم تحديث البلاد إلى درجةٍ تُصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفاً؟»، وهو ما يعني أن الصحافة الأمريكية ترى في مشروع بن سلمان إضعافا للهوية الإسلامية في بلاد الحرمين تحت لافتة الحداثة الخادعة والمضللة.