فتحت حوادث الانتحار التي وقعت في مصر خلال الأيام الأخيرة أبواب التساؤل حول أسباب تزايد معدلات الانتحار خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ انقلاب 03 يوليو 2013م.
وخلال الأيام الماضية شهدت مصر عدة حالات انتحار أبرزها انتحار شاب يوم الأحد 25 يونيو 2022م من أعلى مبنى شاهق بمنطقة العباسية بالقاهرة، والمعروف بـ"ببرج التطبيقيين؛ حيث توفي الشاب فور سقوطه من الطابق الـ18 على سيارة متوقفة بالشارع، متأثراً بالإصابات التي لحقت به من تهشم بالجمجمة وكسور بأنحاء متفرقة من جسده.
وتأتي الحادثة بعد واقعتي قفز شابين أحدهما من أعلى برج القاهرة، والآخر من فوق كوبري المنصورة، وإنهاء حياتهما الثلاثاء الماضي.
[ وبحسب مراقبين فإن حالات الانتحار التي وقعت أكبر من ذلك بكثير لكن هذه الحالات الثلاث هي التي وصلت إلى الإعلام فقط؛ بينما تؤكد مصادر أمنية "للحرية والعدالة" أن هناك تعليمات صارمة لكل مراكز وأقسام الشرطة بحظر تسريب أي حوادث انتحار لوسائل الإعلام، مع التوجيه بتوصيف الحادثة أي شيء آخر غير الانتحار؛ من أجل التحكم في أرقام معدلات الانتحار حتى تكون أقل من المعدلات الحقيقية لعدم إحراج النظام محليا ودوليا.وفي محاولة لتحجيم الظاهرة التي تفشت في المجتمع المصري، دعا النائب العام، في بيان، الشباب إلى عدم الاستهتار بحياتهم، مضيفا في نداء وجهه للشباب: "يا أيُّها الشبابُ لا تنخدعوا بمكر الشيطان بكم، وإيَّاكم والاستهانةَ بحياتكم أو استرخاصها بصورة قليلة العلم، عظيمة الذنب والجُرم عند ربِّكم، إيَّاكم أن تنهوا حياتكم بسبب فشلٍ أصابكم أو ضائقة حتمًا ستمُرّ، فهذا من العبث والاستهانة بحرمة حياتكم التي جعلكم ربَّكم حُرّاسًا عليها وحُماةً لها". كما أطلق الأزهر مبادرة بعنوان "أنت غال علينا" لتقديم الدعم النفسي للشباب ومساعدتهم على حل المشكلات وتجاوز التحديات، وذلك لمنعهم من التفكير في التخلص من حياتهم بعد وقوع عدة حوادث انتحار لشباب مصريين الفترة الأخيرة. بحسب مراقبين فإن هذه المبادرات محكوم عليها بالفشل؛ لاعتبارات كثيرة، أهمها تفشي اليأس والإحباط في صفوف الشباب؛ لأن الوظائف العليا في الدولة مع شحتها فهي حصر على أبناء الطبقة الحاكمة من الجنرالات والقضاء وكبار المسئولين بالحكومة.
ومع عجز النظام عن إدارة موارد الدولة على نحو صحيح، تزايدت معدلات البطالة وارتفعت مستويات الفقر، ومع تراجع قيمة العملة بسبب الإذعان لشروط صندوق النقد الدولي فإن عشرات الملايين من المصريين سقطوا تحت خط الفقر في الوقت الذي يصر فيه نظام السيسي على توجيه مئات المليارات لمشروعات عبثية وبلا أي جدوى حقيقية ولا تخدم سوى طبقة من الأثرياء والنخبة العسكرية الحاكمة. كذلك فإن النظام قد أمم الفضاء السياسي والإعلامي والديني، ولم يترك للمصريين مجالا للتنفس، فلا حرية ولا حياة مستورة، بل القهر والبطش هو عنوان المرحلة. أضف إلى ذلك اعتقال العلماء والدعاة الربانيين، فخلت الساحة إلا من المطبلين أو المرتعشين من بطش السلطة؛ فلم يعد هناك دور للدين يمكن أن يقوم به لتقوية مناعة المجتمع بعدما جرى من حملات التجريف والتهميش والقمع. الشباب يائس محبط وكل الشواهد تؤكد أن المستقبل للأسف بالغ الحلاك بالنظر إلى الغلاء الفاحش وتداعيات سد النهضة وبطش السلطة وإرهابها. وكانت دراسة بعنوان «مشكلة الانتحار في المجتمع المصري»، نشرها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية مرفقة برسوم بيانية، أوضح من خلالها زيادة أعداد المنتحرين لتصل لأعلى معدلاتها في عام 2018، بواقع 1,31 شخص لكل 100 ألف من السكان
. لكن هناك جهات متعددة تشكك في هذه الأرقام الحكومية وأن معدلات الانتحار في مصر أكبر من ذلك بكثير وسط تعتيم حكومي متعمد وعدم ذكر الأرقام الحقيقية. فمنظمة الصحة العالمية مثلا تؤكد أن معدلات الانتحار في مصر هي 4 إلى كل مائة ألف شخص.
وهو رقم أعلى بكثير من الأرقام الحكومية. لكنه أيضا أقل من المعدلات الحقيقية التي تفوق كل هذه التقديرات بكثير. وبحسب دراسة منشورة على موقع المعهد المصري للدراسات، يقول مختصون إن الحكومة المصرية لا تتعامل بشفافية مع هذه الظاهرة، فلا تصدر وزارة الصحة أو الداخلية (الجهتان المنوطتان بتسجيل حالات الوفاة) إحصاءات واضحة بعدد حالات الانتحار، وأنها عادة ما تقصر دورها على نفي صحة الأرقام المتداولة عن معدلات الانتحار أو مقارنتها بمعدلات الانتحار عالميًا، لتؤكد انخفاض تلك المعدلات في مصر، مشيرين إلى أن هذا يدل على عدم الجدية في معالجة الظاهرة من ناحية، ويفتح الباب من ناحية أخرى أمام اجتهادات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني في تقدير حالات الانتحار.