من ضمن الكوارث التي تضرب المصريين ليل نهار، وتنذرهم بجوع وفقر وإفقار، تصاعد مخططات بيع أصول مصر الرابحة والمهمة والاستراتيجية، والتي تحمل أهمية تاريخية واقتصادية بل ويمثل بعضها أمنا قوميا للمصريين، ورغم ذلك يسارع السيسي الزمن للبيع والتخلص منها من أجل تعويم نظامه الفاشل اقتصاديا، والعاجز عن إدارة اقتصاد مصر.
وتزامنا مع إعلان الحكومة طرح بعض أصول الدولة للقطاع الخاص، شهدت الأسابيع الماضية لقاءات واجتماعات بين مسؤولين بوزارة قطاع الأعمال العام (المالكة المباشرة للفنادق الحكومية في مصر عبر شركتها القابضة للسياحة والفنادق – إيجوث) ومستثمرين عربا، تمهيدا لطرح أصول فندقية مملوكة للدولة يتراوح عددها بين 7 و8 من إجمالي 29 فندقا تمتلكها الوزارة.
وكانت الحكومة أعلنت عما يسمى التخارج من أصول مملوكة للدولة وطرحها للقطاع الخاص لجمع 40 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية لمدة أربع سنوات، بمعدل عشرة مليارات دولار سنويا، وهي الخطة التي كان السيسي أعلن عنها للمرة الأولى خلال حفل "إفطار الأسرة المصرية" الذي عقدته مؤسسة الرئاسة في أبريل الماضي لتعزيز احتياطي البلاد من العملات الأجنبية بما يساعد على الوفاء بالتزاماتها المالية والنقدية.
وصرح وزير الأعمال بأنه سيتم تأسيس شركة جديدة تجمع تحت مظلتها حزمة فنادق مملوكة للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق "إيجوث" على أن يتم طرح 20% إلى 30% من أسهم هذه الشركة للبيع لمساهمين استراتيجيين بدون طرح هويتهم.
ثم عاد الوزير ليؤكد على طرح حصة تتراوح بين 10 إلى 15% من شركة الفنادق الجديدة المزمع تأسيسها في البورصة إلى جانب الحصة المطروحة على المستثمرين.
لكن الأمر الذي أثار التساؤلات هو إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن أن عملية الدمج والمشاركة والبيع ستتم عبر مظلة "الصندوق السيادي" وهو ما أكده وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق بقوله "طرح الشركة الجديدة لمستثمرين رئيسيين بالتنسيق مع صندوق مصر السيادي خلال الشهور المقبلة" وبالمثل أكد الرئيس التنفيذي للصندوق أيمن سليمان أنه حتى تُنفذ تلك العملية، سيكون لصندوق مصر السيادي دور كبير فيها.
ووفق ممصادر، فإن هناك ترتيبات ومفاوضات بين مستثمرين سعوديين محتمل دخولهم في هذه الصفقة، كاشفا عن أن بعضهم يقترح على الوزارة أسماء فنادق بعينها لتقع تحت مظلة الشركة الوليدة.
ومن ضمن الكوارث والخسائر التي ستُمنى بها مصر، أن أسماء الفنادق المطروحة بمثابة منافس قوي لفنادق القطاع الخاص، وشهدت في السنوات الماضية أعمال تطوير بملايين الجنيهات بتمويل ذاتي أو من خلال قروض بنكية لصالح الشركة المالكة للفنادق – إيجوث E.G.O.T.H.
وشركة إيجوث أو الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق، تأسست عام 1976، ويبلغ رأسمالها نحو مليار جنيه، وتمتلك 14 فندقا من فئة الخمس نجوم، وتقع تحت سيطرتها الفنادق المقرر نقلها للشركة الجديدة، وتبلغ قيمة الأصول المملوكة للشركة نحو 3.9 مليار جنيه، وفقا لبيانات العام المالي 2018-2019.
وتشير تقارير إلى أن هناك استقرارا على ضم ستة فنادق تحت مظلة الشركة هي: ماريوت القاهرة، ومينا هاوس الهرم، وكتراكت أسوان، ووينتر بالاس الأقصر، وموفينبيك أسوان، وسيسيل بالإسكندرية، كما هناك مباحثات بشأن فندق سابع وهو شتاينبرجر التحرير.
يشار إلى أن فندق مينا هاوس الهرم تأسس منذ 153 عاما، حين شيده الخديو إسماعيل أمام أهرامات الجيزة عام 1869. تتجاوز مساحته 29 فدانا، وتم تطوير حديقة الفندق بتكلفة تبلغ نحو 500 مليون جنيه، ويتم حاليا تطوير قصر مينا هاوس بتكلفة نحو 550 مليون جنيه تقريبا.
سكن في مينا هاوس معظم الملوك والمشاهير، منهم الأغاخان والأميرة ديانا والملكة إليزابيث وملوك وملكات أوروبا وشارلي شابلن وأجاثا كريستي وبيل جيتس فرانك سيناترا وبراين أدامز وبروك شيلد وروبرت دي نيرو وروجر مور، وعائلة كريستيانو رونالدو وميسي، والكثير غيرهم.
الفندق الثاني هو وينتر بالاس الأقصر، الذي تأسس عام 1895، طبقا للطراز الفيكتوري، حيث صممه المهندس الإنجليزي جي كروزو، على مساحة شاسعة وحدائق واسعة فسيحة.
شهد الفندق أول أحداث اكتشافات مقبرة توت عنخ آمون عام 1922، وكان من نزلاء الفندق الملك فؤاد، وكان للملك فاروق جناح خاص داخل القصر يطلق عليه حتى اليوم اسم "رويال سويت" ويعرف أيضا باسم جناح الملك فاروق ، كما أنه لا يسمح بدخول مكتبته التي تضم كتبا عالمية نادرة، إلا بالبدلة الكاملة وربطة العنق، كما أن الجناح الملكي الذي أنشئ لفاروق، لا يفتح إلا في أوضاع استثنائية جدا، ولتمثيل بعض الأفلام.
الفندق الثالث سوفيتل Sofitel ليجند أولد كتراكت أسوان، وهو أحد أقدم الفنادق التاريخية في العالم، ويعد مقصدا للملوك؛ إذ شيد في أواخر القرن الـ19 وتم افتتاحه عام 1902، وأنشئ الفندق على صخرة من الجرانيت الوردي بإطلالة على ضفاف النيل أمام جزيرة الفانتين، ويتميز بطابعه الشرقي الأسطوري.
ومن الفنادق المطروح اسمها فندق سيسيل الإسكندرية الذي بُني عام 1929، وكان أول ملاكه الثري الألماني "ألبرت متزجر" الذي سماه "سيسل" تيمناً باسم ابن له، وصممه المعماري الإيطالي "جوسيبي أليساندرو لوريا" المولود في المنصورة بمصر عام 1888.
صمم المبنى على الطراز الفلورنسي الذي يميز المدينة، وارتاده عدد من المشاهير الذين قاموا بالتوقيع في دفتر الزيارة، ومنهم الزعيم الراحل محمد نجيب، ووينستون تشرشل، ومونتجمري، وفيصل بن عبدالعزيز.
الفندق الخامس هو ماريوت القاهرة الذي يعتبر أحد الفنادق التاريخية في القاهرة، والذي أعيد افتتاحه عام 1982، وهو فندق كبير ذو خمس نجوم يقع في منطقة الزمالك في أرض الجزيرة الواقعة على نهر النيل بالقاهرة. وكان هذا الفندق يعرف أصلا بقصر الجزيرة وبناه الخديو إسماعيل لاستقبال ضيوف احتفالات افتتاح قناة السويس.
الفندق السادس هو موفينبيك أسوان، الذي أنشئ عام 1975، ويقع في جزيرة اليفانتين ويحيط به النيل من ثلاث جهات، وتطل جميع الغرف على النيل، تبلغ مساحة الأرض المملوكة 41716.45 متر مربع تقريبا وتم تطويره منذ ست سنوات بتكلفة 194 مليون جنيه.
وأمام عظم تاريخ تلك الفنادق التي تمثل جزءا من تاريخ مصر وحضارتها، تتصاغر أمامه أية أموال قد تدفع فيها، إلا أن السيسي الفاشل الذي لا يجيد إدارة مصر ولا يفهم إلا في الكوارث والأزمات يسوق وحكومته العديد من المبررات، التي يصفها خبراء بالواهية، إذ تروج الحكومة أن
الشركة القابضة للسياحة انخفضت إيراداتها في 2020-2021 بنحو 55% كذلك تراجعت إيرادات شركة "إيجوث" في العام نفسه بنحو 80%، وتحولت إلى الخسارة الصافية، وبالتالي فإن الهدف من عملية الخصخصة ليس البيع، لكن تخفيف العبء عن كاهل الحكومة في ملكيات خاسرة، وفي نفس الوقت محاولة تمويل العجز المالي في الموازنة العامة.
لكن عضوا قياديا بالشركة القابضة للسياحة والفنادق أبدى استغرابه من توقيت الحديث عن طرح الفنادق التاريخية الحكومية لمستثمرين، مؤكدا أن تلك الفنادق تسير نحو مرحلة التعافي من الخسارة إلى الربح، بعد فترة كساد بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية.
بل إن ما يكشف مخطط السيسي للبيع أن الحكومة لم تنتظر الانتعاشة المتوقعة لها خلال الشهور المقبلة لفرض شروطها، اذ أن الموقع الجغرافي يحكم الموسم السياحي لكل فندق. ففندق الأقصر يشهد انتعاشة في شهر أكتوبر ، بينما فندق الإسكندرية موسمه صيفي، وفنادق القاهرة تشهد إقبالا طوال السنة وهكذا.
ووفق خبراء سياحيين، فإن الإقدام على بيع تلك الفنادق، يعد انتهاكا صريحا للسياحة الثقافية التي تشهدها تلك الفنادق، إذ بينها ما يقع في صعيد مصر، ومنها ما يطل على الأهرامات أو نهر النيل.
والمستثمر هدفه الوحيد هو الربح، ولا يهمه القيمة التراثية والأثرية للفندق، كما أن الحكومة لم تتعلم من بيع مثل تلك الفنادق وما لحق بها من إهمال وضرر، فلماذا الاستعجال وموسم الشتاء قريب وفيه ترتفع نسب إشغالات فنادق الأقصر وأسوان؟
ولعل ما يكشف خيانة السيسي ايضا، أن إلغاء العديد من الدول قرارات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19، مكَّن الشركة المسؤولة عن الفنادق الحكومية من التحول للربحية خلال العام المالي الذي انتهى في 30 يونيو 2022. وهناك تصريحات بأن شركة مصر للفنادق والسياحة حققت صافي ربح بقيمة 274.26 مليون جنيه خلال الفترة من يوليو 2021 إلى مارس 2022، مقابل خسائر بلغت 143.14 مليون جنيه في الفترة ذاتها من العام المالي الذي يسبقه.
وفي الوقت الذي تروج فيه حكومة السيسي لمخطط التخلص من اصول الدزلة من اجل التطوير ووقف الخسائر، فإن خبراء يؤكدون أنه إذ تمت خصخصة فندق سان ستيفانو المطل على كورنيش الإسكندرية لصالح مجموعة تضم شركة المملكة القابضة والمملوكة للأمير الوليد بن طلال، لكن تم هدم المبنى الأثري للفندق وبُني مكانه برج.
وهناك فندق شيراتون الغردقة الشهير، إحد علامات الغردقة السياحية ذو التصميم المعماري الدائري الشهير ومعه أكثر من 80 فداناً حوله، لكن هذا الفندق مغلق منذ نحو عقدين ونصف وتحول إلى بيت بعدما اشتراه مستثمر سعودي عام 1992 بمبلغ 15 مليون دولار فقط لتطوير الفندق واستغلال هذه المساحة سياحياً، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
وهناك أيضا فندق الميريديان القديم، الذي استحوذت عليه الشركة السعودية المصرية للتنمية السياحية، ولم تستثمر في المبنى الأثري الذي يعد تراثا فريدا، وتركته مغلقا واستثمرت أرضه ببناء برج فندقي على ضفاف النيل.
ولم يتخذ مجلس النواب إجراء تجاه طلب الإحاطة الذي تقدم به النائب البرلماني جمال السعيد، بشأن عدم تشغيل الفندق منذ أكثر من 15 عاما، على الرغم من تميز موقعه على نهر النيل، وتمتعه بقيمة معمارية مميزة، إذ يعد من معالم القاهرة الحضارية.
وأشار البرلماني إلى أن المستثمر أعلن رغبته في هدم الفندق القديم وبناء أبراج سكنية بما يخالف عقد بيع الفندق، فالبيع كان للنشاط الفندقي وليس السكني، وتم تحديد سعر بيع متر الأرض لهذا الغرض، ولو كان البيع للاستغلال السكني لكان السعر أعلى بكثير، وغلقه يعد إهدارا لأموال وأصول الدولة وعدم تطوير الفندق حتى الآن وعدم تشغيله أضاع ملايين الدولارات
وعلى الرغم من تلك السوابق، وأهدار أصول مصر، فإن حكومة السيسي تبدو منصاعة لكل ما يطلبه المستثمرون الخليجيون والسعوديين والإماراتييين، في خيانة واضحة لمصر ومقدراتها الاستراتيجية.
ويرفض ملايين المصريين، بيع أصول الدولة بغرض توفير سيولة نقدية لدفع أقساط القروض المستحقة وفوائدها،
إلا أن الحكومة لم تلتفت للتحذيرات التي أطلقها الكثيرون، بل العكس، فقد مهدت الطريق للجانب السعودي للدخول بقوة إلى السوق المصرية.
وكان مجلس الوزراء السعودي وافق في أبريل الماضي على اتفاقية استثمار صندوق الاستثمارات العامة السعودية في مصر، بعد توقيعها مع رئيس الوزراء المصري
والتي تستهدف استثمار 10 مليارات دولار في مصر.
ومنذ أيام وافق مجلس النواب المصري نهائيا على اتفاقية موقعة بين الحكومة السعودية ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة السعودي والحكومة المصرية ممثلة في الصندوق السيادي المصري لتسهيل إجراءات الاستحواذ على الأصول وتملكها وتسهيل عملية تحويل الأرباح وغيرها.
وهناك معاملة تفضيلية للصندوق السعودي هدفه تعظيم الأرباح وتعظيم الفوائض المالية للسعودية، وليس دعم الاقتصاد المصري مثلما يتم الترويج لذلك، فضلا عن أنه استثمار تحدده السياسة وتقلباتها وتغلفه مبادئ السرية التي تم النص عليها في الاتفاقية.
ومن ضمن الكوارث الحالة بمصر، ازاء تفضيل المستثمر السعودي، هو معاملته م كالمستثمر المصري، حيث سيسمح له بتحويل أرباحه السنوية إلى دولارات وتحويلها خارج مصر، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة دولار، وهو ما يمثل ضغطا على قيمة الجنيه المصري.
كما أن الاستحواذ على الفنادق وبيعها لمستثمرين وصناديق خليجية بدون طرحها في البورصة ودخول الصناديق الاستثمارية للبورصة يبخس قيمة تلك الأصول، فضلا عن أنها ملك للشعب، والحكومة دورها يتطلب زيادة تلك الأصول وليس بيعها، خاصة أن المشترين من الصناديق السيادية الخليجية هم من يحددون أسماء الفنادق التي تطلب شراء أسهمها، وهي فنادق ربحية تساهم بفوائضها المالية في تعزيز إيرادات الموازنة العامة، وتعزز من قدرة وزارة المالية على ضمان القروض الخارجية والداخلية.