كتب: يونس حمزاوي
يوما بعد يوم يؤكد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي خداعه وعدم احترامه للقضاء وأحكامه، حيث قام مؤخرا- مستخدما أجهزة ومؤسسات الدولة- بالالتفاف على الحكم الصادر ببطلان التحفظ على أموال قيادات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين.
تنازل «المركزي» عن دعوى الخصومة
الإجراء الأول الذي قام به قائد الانقلاب للالتفاف على حكم بطلان التحفظ على أموال الإخوان أو أي حكم متوقع، جاء بتوجيه البنك المركزي بترك الخصومة في دعوى كان قد أقامها لفض التنازع بين أحكام القضاء الإداري ببطلان التحفظ على أموال المواطنين؛ بحجة انتمائهم لجماعة الإخوان وبين أحكام محكمة الأمور المستعجلة. الأمر الذي دفع المحكمة الدستورية العليا إلى إصدار حكم بإثبات ترك البنك المركزي المصري الخصومة في الدعوى.
وللالتفاف على أي حكم محتمل من المحكمة الدستورية؛ كان البنك المركزي قد اتخذ قرارا مفاجئا، منتصف الشهر الماضي، بالتنازل عن دعوى التنازع التي كان قد أقامها، وهي واحدة من الدعاوى الثلاث المذكورة سلفا، وذلك على الرغم من صدور تقرير المفوضين الخاص بها، ما أدى إلى غل يد المحكمة الدستورية عن الدعوى الخاصة به، فلن تستطيع الفصل في موضوعها، وسيصدر الحكم فيها بإثبات ترك البنك المركزي للخصومة.
وبحسب مصدر مصرفي، فإن "القرار صدر بناء على تعليمات عليا من الدائرة المخابراتية-الرقابية الخاصة بقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي؛ وذلك لقطع الطريق أمام إصدار حكم لصالح الأشخاص المجمدة أموالهم"، وأن البنك المركزي هو المعني الأول بتنفيذ هذه الأحكام؛ لأنه القائم على عمليات تجميد الأموال والإفراج عنها.
و"الدستورية" تشارك في الالتفاف
أما الإجراء الثاني فيتعلق بوجود دعويين أقامهما مواطنَان تم التحفظ على أموالهما بزعم انتمائهما لجماعة الإخوان، واتخذت المحكمة الدستورية ــ للأسف ــ قرارا مفاجئا أيضا بإعادتهما لهيئة مفوضي المحكمة لاستيفاء المستندات الخاصة بهما. وهو ما سيمنع إصدار أحكام بشأنهما لثلاثة أشهر على الأقل، بحسب محامين متابعين للقضية، ما قد يمكّن الحكومة من إيجاد وسائل أخرى للالتفاف على أي حكم محتمل لصالح الأشخاص المتحفّظ على أموالهم.
التعجيل بقائمة الإرهاب
أما الإجراء الثالث، فقد توقعت سلطات الانقلاب أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكما، في 14 يناير الماضي، لصالح المتحفظ على أموالهم؛ وقامت سلطات الانقلاب بمحاولات بلغت حد استصدار حكم سري في ظروف غامضة من دون إبلاغ ذوي الشأن، بإدراج نحو 1500 شخص ممن تم التحفظ على أموالهم على قائمة الإرهابيين، المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية، رقم 8 لسنة 2015، بالمخالفة لنصوص هذا القانون ذاته، وبدون إجراء تحقيقات مع أي منهم في أي واقعة. وكان النظام يتوقع أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكما، يوم السبت 14 يناير، في 3 دعاوى تنظرها حاليا لفض التنازع بين أحكام القضاء الإداري ببطلان التحفظ.
لا سيما وأن هيئة مفوضي المحكمة الدستورية كانت قد أوصت ببطلان أحكام الأمور المستعجلة، وبالاستمرار في تنفيذ أحكام القضاء الإداري، واعتبار القرارات الصادرة من لجنة أموال الإخوان قرارات إدارية يمكن الطعن عليها أمام مجلس الدولة وليست قرارات قضائية.
واستبق النظام ذلك الموعد باستصدار قرار من محكمة جنايات القاهرة بإدراج جميع المتحفظ على أموالهم في قائمة الإرهابيين، ما يعني استمرار التحفظ عليهم بموجب قانون الكيانات الإرهابية.
بهذه الإجراءت الثلاثة يواصل قائد الانقلاب جرائمه بحق الشرفاء والأبرياء الرافضين لانقلابه الدموي، الذي خرب البلاد وأحالها إلى سجن كبير، وسط أزمات متفاقمة ومشكلات يعجز عن حلها.
"سطو بالعافية" والإفلاس السبب
وبحسب مصدر في وزارة العدل التي تتبعها لجنة "أموال الإخوان"، فإن "هناك قرارا سياسيا بعدم الإفراج عن الأموال التي تم التحفظ عليها أيا كانت النتائج، وباستمرار وضع يد الدولة على المدارس والمصانع والمستشفيات والمتاجر التي تم التحفظ عليها، وإسناد إدارتها لشركات حكومية أو لوزارات، مع استمرار التحفظ على الأموال السائلة بالبنوك أيضا، ما يتطلب عدم تنفيذ أي حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري لصالح الأشخاص المتحفظ على أموالهم"، وفق المصدر.
وأوضح أنه بناءً على هذا القرار، فإن "لجنة أموال الإخوان اصطنعت بلاغا عاما" ضد جميع المواطنين الذين تحفظت على أموالهم، منذ يناير 2014، وقدمته لنيابة أمن الدولة العليا للتحقيق فيه، وليكون سندا مستقبليا لاتخاذ قرارات ضدهم في حال صدور أحكام نهائية وباتة ببطلان التحفظ، مشيرا إلى أنه على أساس هذا البلاغ، طلبت النيابة من محكمة جنايات القاهرة إدراج جميع المتحفظ على أموالهم، على قائمة الإرهابيين المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية، بحسب تأكيد المصدر.
وأضاف المصدر نفسه، في تصريحات صحفية سابقة، منتصف يناير الماضي، أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة التحفظ على أموالهم؛ لأن القانون يشترط إثبات أن تكون هذه الأموال قد استخدمت لتنفيذ أغراض إرهابية، وهو ما لم يتم إثباته، لأن النيابة لم تتمكن من أن تنسب وقائع إرهاب أو دعم للإرهاب لأكثر من 1500 شخص تم التحفظ على أموالهم بقرارات أمنية منذ تم تأسيس اللجنة.
ولفت إلى أن "خطورة الوضع الحالي تتمثل في أن الدولة لم تعد تريد الإفراج عن الأموال والمصالح التي تحفظت عليها بسبب ضعف الموارد الاقتصادية للدولة، وتحقيقها مكاسب من هذه الأموال، وهو ما يهدد بأزمة قانونية، لأن القواعد القانونية الأصلية في القانون المدني "تقتضي أن ترد الدولة الأموال للشخص الذي تحفظت عليه بعد انتهاء مدة التحفظ مطهرة من الديون ومصحوبة بالأرباح المحققة"، وفق قوله.