“ميدل إيست آي”: تخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد قد يساعد في إنقاذه

- ‎فيأخبار

نشر موقع ميدل إيست آي، تقريرا سلط خلاله الضوء على الأزمة الاقتصادية في مصر وأسبابها، والحلول التي يمكن أن تسهم في انتعاش الاقتصاد، بعد 70 عاما من سيطرة الجيش عليه.

وبحسب التقرير، فقد أدت سيطرة القوات المسلحة على الاقتصاد لأكثر من 70 عاما إلى الأزمة الحالية، ولكن مع شراء دول الخليج للشركات الحكومية، فإن البلاد لديها فرصة لتنفيذ الحلول.

وقال التقرير: إن “نظرة سريعة على المؤشرات المقبولة على نطاق واسع تكشف أن الاقتصاد المصري يعاني من مشاكل هيكلية، بدءا من الناتج المحلي الإجمالي المتواضع  غير الصالح لمثل هذه الدولة الكبيرة ذات الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة ، ودخل الفرد الذي يتراجع بسبب ارتفاع التضخم”.

وأضاف التقرير أن أكبر مشكلة تواجهها البلاد حاليا هي تدهور سعر صرف العملة مقابل الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية الأخرى، ففي عام واحد، انخفض الجنيه المصري بأكثر من 50 في المئة، مما أدى إلى تآكل الدخل وزيادة الفقر في مصر.

وفي حين أن البعض قد يلقي باللوم في الانكماش الاقتصادي في البلاد على حملة الخصخصة الحكومية أو لأسباب مؤقتة أخرى، فإن هذا التركيز ليس أكثر من إلهاء.

وأوضح التقرير أن الخصخصة قد اتبعت وعززت في الغرب الرأسمالي كنهج اقتصادي، مضيفا أن قبضة القطاع الخاص على محاور النشاط الاقتصادي في دولة ما مسؤولة مسؤولية كبيرة عن النمو الاقتصادي الذي نلاحظه اليوم في البلدان المتقدمة، ويتجلى ذلك في ارتفاع معدل الإبداع، سواء في الاختراعات أو خفض تكاليف الإنتاج أو فتح الأسواق أو غيرها من المزايا التي لا تمتلكها السلطة المركزية.

وشدد التقرير على أن فشل الاقتصاد المصري ليس نتيجة لهذه التدابير، بل نتيجة لسيطرة القوات المسلحة المصرية عليه.

الضرر الاقتصادي

وأشار التقرير إلى أن تدخل الجيش المصري في الاقتصاد يعود إلى عام 1956 بعد تأميم قناة السويس، التي كلف بإدارتها، ثم بدأ الجيش في الانخراط في أنشطة تجارية ، مثل تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، اليوم ، تدير القوات المسلحة الفنادق وأماكن الترفيه ومصانع الألبان وقطاع المقاولات الكبير، لأكثر من 70 عاما ، ظل نمط الإدارة هذا دون تغيير في مصر.

ولفت التقرير إلى أن الضرر الهائل الناجم عن سيطرة الجيش على الاقتصاد لا يزال مستمرا حتى اليوم، ومن الأمثلة على ذلك ضعف المنافسة أو انعدامها التام في السوق المحلية بسبب الإعفاءات الضريبية التي يتمتع بها الجيش، والذي يحظى أيضا بمعاملة تفضيلية في تأمين العقود والمناقصات الحكومية.

بالإضافة إلى ذلك، تغلغل الفساد في الشركات التي يملكها ويديرها الجيش بسبب ضعف الرقابة أو حتى غيابها من السلطات التشريعية، بسبب سوء الإدارة ونقص الإبداع والتطوير في شركات الجيش، لم تتمكن الصادرات المصرية من المنافسة في الأسواق العالمية، ونتيجة لذلك، عانى الاقتصاد من عجز مزمن في الميزان التجاري مع اتساع الفجوة بين الواردات والصادرات.

وتمت تغطية هذا الدين بفضل صناعة السياحة ، التي تضخ مليارات الدولارات من العملات الأجنبية في الاقتصاد كل عام. كما حافظ العمال المصريون المغتربون على الاقتصاد واقفا على قدميه من خلال المساهمة بعشرات المليارات من الدولارات في البلاد كل عام، وخاصة أولئك الذين يعملون في دول الخليج.

كما أن قناة السويس، التي حققت إيرادات قياسية بلغت 7 مليارات دولار في السنة المالية الماضية، تجمع أيضا مبالغ هائلة من المال سنويا.

وكانت هذه القطاعات الثلاثة مسؤولة في المقام الأول عن تغطية جزء كبير من العجز المستمر في ميزان المدفوعات الناجم عن العجز التجاري، لقد قبلت الإدارة المصرية دائما هذه السياسات وطبعتها ولم تبذل أي جهد حقيقي لتحسين أو توسيع صادراتها الضئيلة.

الفقاعة “انفجرت”

ونوه التقرير بأنه بدءا من جائحة كوفيد 19 وما تلاها من إغلاق وتعليق السفر، تآكل الدخل من القطاعات الرئيسية ـ السياحة وتحويلات المغتربين – وحتى إيرادات قناة السويس انخفضت نتيجة الانخفاض الأولي في التجارة العالمية.

كما ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية، التي أعقبت الإغلاق العالمي، في ارتفاع تكاليف الغذاء، وخاصة بالنسبة للحبوب والزيوت النباتية، مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم من أجل الغذاء ، مما تسبب في استنزاف أكبر للعملات الأجنبية، كما انخفضت إيرادات مبيعات النفط والغاز في هذه البيئة.

وأدت الجائحة العالمية أخيرا إلى فشل البنك المركزي المصري ، مما كشف عن استراتيجيته على أنها قصيرة النظر ومعيبة ، مع استمرار تفاقم عجز ميزان المدفوعات.

وظل سعر صرف الجنيه المصري مع الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية الأخرى مستقرا في ذلك الوقت من قبل البنك المركزي باستخدام احتياطياته المتبقية من العملات الأجنبية لشراء الجنيه المصري في السوق المفتوحة.

وفي الواقع، من يونيو 2020 إلى مارس 2022، تمكن الجنيه المصري من الاحتفاظ بسعر صرفه، ولكن لسوء الحظ على حساب رصيد احتياطي العملات الأجنبية الحرج في البلاد.

وفي أعقاب استنفاد احتياطياته من النقد الأجنبي، مارس البنك المركزي ضغوطا على المستوردين الأجانب من خلال اشتراط خطاب اعتماد وعملية موافقة على جميع طلبات الاستيراد.

وقد فرض ذلك ضغوطا لا مبرر لها على القطاع الصناعي من حيث النقص الحاد في المواد الخام وقطع الغيار التي دمرت قطاع التصدير ووسعت اختلال ميزان المدفوعات.

انفجرت الفقاعة وانخفضت قيمة الجنيه المصري بأكثر من 50 في المائة بين مارس 2022 ووقت كتابة هذا التقرير نتيجة لكل هذه الظروف والإدارة السيئة.

الحلول الممكنة

وبالنظر إلى الوضع الحالي، فإن حكومة السيسي لديها خيارات قليلة جدا، وهذا هو السبب في أنها تتطلع إلى جيرانها الأثرياء في الخليج والمملكة العربية السعودية، الذين صرحوا في عدة مناسبات أنهم لن يقدموا شيكات على بياض بعد الآن.

وبدأت دول الخليج للتو في إتباع إستراتيجية صندوق النقد الدولي (IMF) وأصبحت أقرب إلى المقرض الدولي، لقد دفعوا سلطات الانقلاب لقبول عرض صندوق النقد الدولي وقدموا مطالب لحكومة السيسي، بما في ذلك في مجالات الخصخصة.

دول الخليج مستعدة لتقديم استثمارات بمليارات الدولارات بشروط، أهمها خفض قيمة الجنيه المصري، مع تخفيف سيطرة الجيش وحكومة السيسي على الاقتصاد.

الشروط مماثلة لتلك التي وضعها صندوق النقد الدولي والتي كانت حكومة السيسي بطيئة في تنفيذها بعد الموافقة على قرض بقيمة 3 مليارات دولار في أوائل عام 2022.

تتعرض سلطات الانقلاب حاليا لضغوط لاتخاذ قرارات صعبة، هذه القرارات تثير غضب الشعب، الذي يعتقد أن بيع قدرات الدولة يرقى إلى التنازل عن سيادتها، ومع ذلك، فإنها تقوض أيضا مصالح القوات المسلحة ، التي تعمل كداعمين رئيسيين للنظام.

عند النظر إليها بموضوعية، فإن بيع بعض الشركات المهمة إلى الخليج لا يتعارض بالضرورة مع مصالح عامة السكان، بل على العكس من ذلك، فإنه يحل مشكلة عمرها 70 عاما، في حين أن الإدارة الجديدة للقطاع الخاص تزيد من فرص المنافسة على السلع المصرية في السوق الدولية.

واختتم التقرير: “الميزة الرئيسية الأخيرة هي أن حكومة السيسي لن تقلق بعد الآن بشأن منح شركات الجيش إعفاءات ومعاملة تفضيلية، وسيؤدي ذلك إلى عشرات المليارات من الدولارات من الإيرادات من تلك الشركات ويساعد في تقليل عجز الميزانية الحكومية”.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-economy-army-grip-loosening-save-could