“واشنطن بوست”: جرافات العسكر دمرت حدائق القاهرة الشهيرة وشوهت مظهرها الحضاري

- ‎فيأخبار

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا سلطت خلاله الضوء على اختفاء حدائق القاهرة واحدة تلو الأخرى، وتحول المساحات الخضراء المورقة إلى مواقع بناء مدفونة في الخرسانة والصلب، بسبب أعمال التجريف التي تنفذها حكومة السيسي.

وقال التقرير: إن "تعبيد الحدائق العامة والحدائق لإفساح المجال للجسور والطرق والمقاهي ومحطات الوقود أصبح سياسة أمر واقع في ظل حكومة عبد الفتاح السيسي ، الذي قاد الانقلاب العسكري بسلفه المنتخب ديمقراطيا الشهيد محمد مرسي في عام 2013".

وأضاف التقرير أن نظام السيسي، الذي غالبا ما يوصف بأنه جيش له دولة مرتبطة به، يتبنى شعار "قم ببنائه وسيأتي المال"، مضيفا أن فالقوات المسلحة، التي كانت تكلف بحماية حدود البلاد، تضع الآن يدها الثقيلة على كل جانب من جوانب إدارة البلاد، بما في ذلك تراثها المبني والطبيعي، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تم نقل مئات الآلاف من الكيلومترات من الأراضي إلى الجيش، بما في ذلك المواقع التاريخية والحدائق العامة والمتنزهات، إلى جانب ضفاف النيل. الأساس المنطقي العام هو التنمية وتعظيم استخدام الأراضي لتحقيق مكاسب اقتصادية، وقال السيسي "الفلوس، الفلوس ، الفلوس، أهم شيء في العالم".

وأوضح التقرير أنه حتى مع إعلان حكومة السيسي عن أجندة خضراء في الأشهر التي سبقت استضافة البلاد لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في العام الماضي، استمرت في إعادة تقسيم المتنزهات العامة والحدائق من أجل التنمية التجارية في حي مصر الجديدة شمال القاهرة، موطن ملايين المصريين، يصف الأصدقاء حيهم الذي كان مليئا بالأشجار بأنه متاهة خرسانية من الجسور العلوية والطرق السريعة مع سلسلة مقاهي تحتها.

وأشار التقرير إلى أن جمعية محلية لحماية التراث تقدر أنه من عام 2017 إلى عام 2020 ، فقد ما يقرب من 272000 متر مربع – ما يقرب من 3 ملايين قدم مربع – من المساحات الخضراء في مصر الجديدة ، واختفى المزيد منذ ذلك الحين، يبدو الأمر وكأنه اعتداء على حقنا في التنفس ، بحسب تصريحات أحد السكان لمراسل الصحيفة منذ فترة طويلة.

ولفت التقرير إلى أن هليوبوليس ليست وحدها، ويجري هدم المباني التراثية، وتسوية الأحياء التاريخية والمقابر القديمة  بما في ذلك مدينة الموتى التي يبلغ عمرها 1400 عام  بالأرض، مما يؤدي إلى تشريد آلاف العائلات التي عاشت هناك لأجيال، الأضرحة التاريخية تختفي أيضا ، وفدادين من الحدائق، يتم استبدال أكثر الزخارف سحرا في هذه المدينة القديمة بعلامات لطيفة للرأسمالية المعاصرة ، بما في ذلك بالقرب من هضبة الجيزة التي لم تمسها من قبل  والتي يتم بناؤها الآن مع منافذ البيع بالتجزئة والمواد الغذائية، ويدير الجيش معظم هذه المشاريع، مع تقسيم العقود المربحة بين رعاته وأصدقائه. وعلى الرغم من أننا نعرف منذ فترة طويلة أن هذه الحكومة تفضل المشاريع العملاقة على الناس، إلا أن تاريخنا الآن أصبح لقمة سائغة أيضا.

ونوه التقرير بأنه في القرن 19، خلال ذروة حكم الخديوي إسماعيل باشا، أصبحت القاهرة أكثر خضرة  في واحدة من العديد من الجهود لتصميم المدينة على غرار العواصم الأوروبية العظيمة. وزرعت حدائق واسعة حول القصور واصطفت الطرق بالأشجار، ومن بين أشهرها حديقة الأورمان الشبيهة بالغابات، المؤثثة بحديقة ورود وبركة لوتس صمم مصممو المناظر الطبيعية الفرنسيون على غرار Bois de Boulogne في باريس وفي مكان قريب، عرضت حديقة الجيزة التي تبلغ مساحتها 52 فدانا نباتات مستوردة من الهند وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، واصل إسماعيل ما بدأه جده محمد علي باشا زراعة ضفاف النيل بالنباتات الكثيفة والأشجار، بما في ذلك شجرة الكينا المهيبة التي اشتهرت بها القاهرة.

وتابع التقرير: "منذ سبعينيات القرن العشرين ، تمت حماية هذه الحدائق بموجب قوانين التراث، لكن الحكومة الحالية كانت تقوم بشطبها بشكل منهجي ووضعها تحت سيطرة الجيش، في كثير من الحالات ، تم بيعها بالمزاد العلني للتطوير التجاري في يوليو، وعلى الرغم من أشهر من الاحتجاج من دعاة حماية البيئة والسياسيين المحليين والناشطين الحضريين، أغلقت حديقة الجيزة أبوابها لإجراء إصلاح شامل، وهو الغرض المعلن جعل المؤسسة عالمية المستوى، ولا يزال مصير الحيوانات غير مؤكد ، ويتوقع علماء البيئة أن يتم تدمير مستودعات حديقة الحيوان الواسعة من الأنواع النباتية النادرة والقديمة، ومن المقرر أن تتبعها حديقة الأورمان، وفي الوقت نفسه ، تم محو معظم حدائق المدينة على جانب الطريق والطرق التي تصطف على جانبيها الأشجار".

وأردف: "إذا كان حكام مصر في القرن 19 يحلمون بحدائق باريس، فإن حاكم  اليوم يطمع في أفق دبي، محور السيسي هو عاصمة جديدة في وسط الصحراء، تم بناء هذه المدينة الفضائية بتكلفة تقدر ب 59 مليار دولار حتى الآن ، ومن المقرر أن تفتخر بأكبر وأفضل ما في كل شيء  أطول ناطحة سحاب في العالم ، وأكبر منبر مسجد ، وأكبر ثريا وأطول خط حديدي أحادي. ومن المفارقات أن مئات الأفدنة من المساحات الخضراء قد زرعت في جميع أنحاء العاصمة، مع خطط لحديقة كبيرة مستوحاة من فرنسا، وغابة عائمة ونهر اصطناعي، ويشير علماء المدن إلى أن المساحات الخضراء قد زرعت دون مراعاة المناخ الصحراوي القاسي في مصر، وبالتالي تتطلب كميات مذهلة من المياه، وينطبق تجاهل مماثل للجدوى على مساحات البيع بالتجزئة، التي تواجه الحكومة مشكلة في ملئها، ويبقى السؤال لمن كل هذا  في بلد يعيش ربع سكانه في الأحياء الفقيرة في المدن، لا يزال الإسكان الميسور التكلفة في العاصمة الجديدة لا يمكن تحمله باستثناء الطبقة الوسطى المتقلصة؟".

وأكمل: "وسط كل الإنفاق على البنية التحتية، تواجه حكومة السيسي أكبر أزمة ديون خارجية في تاريخها الحديث، ارتفعت أسعار المواد الغذائية هذا العام حيث بلغ التضخم 40 في المائة، وحذر صندوق النقد الدولي الحكومة مرارا من تقليص الإنفاق العام، ومع ذلك، تستمر حملة السيسي للتحديث بسرعة فائقة، على التلفزيون الوطني ، تفاخر السيسي بأنه بنى ما يقرب من 1000 جسر جديد و 7500 كيلومتر حوالي 4700 ميل من الطرق منذ توليه منصبه، ومع ذلك، فإن الأرقام لا تروي القصة كاملة، تم تصميم أحد تلك الطرق السريعة الجديدة التي تبلغ تكلفتها مليار دولار على طول الساحل الشمالي للبلاد على عجل مع دوارات مرتفعة محفوفة بالمخاطر، مما تسبب في سلسلة من الحوادث المميتة".

وقال التقرير: إنه "على الرغم من أن البنية التحتية العامة في مصر آخذة في التدهور منذ عقود كما يدرك حماة التراث تماما أن الطرق السيئة لم تعد قادرة على احتواء الانفجار السكاني، لكن من المعروف أن توسيع الطرق لا يحد من الازدحام، كما أنها لن تجلب السياح عندما يتم بناؤها على حساب تاريخ مصر".

واختتم التقرير: "حتى ساحة التحرير، الدوران الأخضر الشهير والنافورة حيث اعتاد الناس التنزه، تم استبدالها الآن بمسلة يحرسها الأمن على مدار الساعة، ولم تسلم الأشجار الضخمة المزهرة الوردية التي ظللتنا خلال ثورة 2011 تم قطع آخرها في وقت سابق من هذا العام ، تاركة جذعا وحيدا كتذكير بما كان في السابق".

 

https://www.washingtonpost.com/opinions/2023/08/01/cairo-gardens-disappearing-development-military/