مجزرة رابعة.. العقد الاجتماعي التأسيسي لجمهورية السيسي الجديدة

- ‎فيأخبار

نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا سلط خلاله الضوء على مجزرة رابعة العدوية أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ البلاد الحديث، في ذكرى مرور عشر سنوات عليها.

 وبحسب التقرير، فقبل عشر سنوات في وضح النهار، ارتكبت داخلية الانقلاب وقوات الجيش أكبر مذبحة في تاريخ البلاد الحديث، وتم إرسال الجرافات لهدم مخيم احتجاج أقامه أنصار محمد مرسي ، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد ، والذي انقلب عليه الجيش في عام 2013.

وقال التقرير: إن "كتائب من قوات الأمن المسلحة التي ترتدي ملابس سوداء فتحت النار على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل 817 شخصا على الأقل في يوم واحد، وتشير تقديرات أخرى للخسائر إلى الآلاف".

وأضاف التقرير أن المذبحة جاءت في أعقاب التحريض المستمر من قبل وسائل الإعلام التي تديرها الأجهزة الأمنية والمملوكة للقطاع الخاص، والتي صرخ صحفيوها ومعلقوها لأسابيع حول كيفية تحول معسكر الاحتجاج المناهض للانقلاب إلى نوع من مركز "الإرهاب". والأسوأ من ذلك، أصدرت المعارضة اليسارية بيانا مشتركا قبل أسبوع من المجزرة، انتقدت فيه الدولة لعدم تحركها بسرعة كافية لتعليق معسكرات الاحتجاج الإرهابية الفاشية.

وأوضح التقرير أنه في الذكرى 10 لهذه الأحداث الدموية ، فإن السؤال ليس ما حدث ، حيث تم توثيق ذلك جيدا بالفعل، ما لا يزال محيرا بالنسبة للكثيرين هو سبب حدوثه، لماذا شعر الجنرال عبد الفتاح السيسي بأنه مضطر لإطلاق العنان لموجة القتل هذه، التي تم بثها على الهواء مباشرة إلى كل منزل مصري؟

وأشار التقرير إلى أن الرئيس السابق حسني مبارك كان مستبدا حكم مصر بقبضة من حديد، لكن نهجه في الحكم اعتمد على إدارة المعارضة، كان المجتمع المدني النابض بالحياة موجودا كحاجز بين الدولة ومواطنيها، تم الاستعانة بمصادر خارجية لضبط المعارضة لمجموعة واسعة من المؤسسات المدنية، وليس فقط الأجهزة الأمنية.

ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من أن هذه المؤسسات كانت قد تم تفكيكها جزئيا بالفعل، ولم تكن قوية مثل تلك التي أنشأها مؤسس جمهورية الضباط، جمال عبد الناصر، لكنها كانت لا تزال فعالة في حماية الدولة من التهديدات الوجودية.

 

فرض هيمنة الدولة

وتابع: " إذا وقعت فظائع في فلسطين، يمكن لمبارك الاعتماد على الإخوان المسلمين لنزع فتيل الغضب الشعبي في مصر من خلال تنظيم احتجاجات مناهضة لإسرائيل تقتصر على المساجد والجامعات، بدلا من الخروج إلى الشوارع أو الهتاف ضد مبارك وتواطئه، وإذا ارتفعت أسعار السلع الأساسية، يمكن لمبارك الاعتماد على السلفيين لتحويل الغضب عن النظام من خلال إلقاء اللوم على النساء غير المحجبات أو المسيحيين. إذا اندلعت التحركات الصناعية ، فيمكنه الاعتماد على النقابات العمالية المدعومة من الدولة لمواجهة التشدد في أماكن العمل".

وأردف:" علاوة على ذلك، كان هناك الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، الذي كان أحادي الإيولوجية وعديم الأسنان مقارنة بالاتحاد الاشتراكي العربي بقيادة عبد الناصر، ومع ذلك كان له وجود في كل حي في مصر لفرض هيمنة الدولة، وحل النزاعات المحتملة، وتوجيه المظالم المحلية إلى صناع القرار في النظام، بعبارة أخرى، كانت هناك شبكة معقدة من المؤسسات التي يمكن أن يعتمد عليها مبارك لإدارة المعارضة، قبل أن يفكر في إرسال القوات أو شرطة أمن الدولة التي يخشاها لقمع مثيري الشغب".

وأكمل:" كان عنف الدولة في عهد مبارك محسوبا في الغالب، وهو ما يتوافق مع المستوى المتصور للتهديد الذي يتعرض له النظام. لقد ذهبت آلته الدعائية بعيدا في محاولة إخفاء أي انتهاكات، من الإنكار إلى التضليل، هذه الحسابات المنحرفة للقمع مكنت نظام مبارك من الازدهار لمدة ثلاثة عقود، لكن في نظر السيسي وجنرالاته، كان هذا بالضبط ما أدى في النهاية إلى سقوط مبارك واندلاع ثورة 2011".

 

إرسال رسالة

وقال التقرير: إن "السيسي ومعظم ضباطه الذين قادوا انقلاب 2013 تخرجوا من الكلية الحربية بعد انتهاء حرب 1973، وارتقوا في الرتب في أوقات السلم، وبحلول ذلك الوقت، أصبح الجيش المصري منظمة بيروقراطية متضخمة، مهووسة بالاستقرار الداخلي والتربح، لم تخجل بسبب الهزائم العسكرية، ولم تشهد أخطاء الحكم العسكري في عهد عبد الناصر.

وأضاف أنه في نظر الجيش، حدثت الثورة لأن مبارك كان متساهلا للغاية، وقد ساعدت تجربة المرحلة الانتقالية 2011-2013 على ترسيخ هذه القناعة في عام 2012 وحده، سجل المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 3800 تحرك صناعي وتعبئة اجتماعية في البلاد  أكثر من العدد الإجمالي للاحتجاجات في العقد الممتد من 2000 إلى 2010.

وأشار إلى أن البلاد أصبحت غير قابلة للحكم ، وقرر الجنرالات تهدئتها بالقوة مرة واحدة وإلى الأبد لإنقاذ الدولة من الفوضى، أو الأسوأ من ذلك ، ثورة جديدة يمكن أن تهدد امتيازاتهم، كان عدد القتلى في يوم واحد ، 14 أغسطس 2013 ، مساويا تقريبا لإجمالي عدد الوفيات خلال حملة القمع في عهد مبارك عام 1990. خلال الأشهر السبعة الأولى بعد انقلاب السيسي، خلف عنف الدولة أكثر من 3200 قتيل.

واستطرد:" كان الحجم الهائل لإراقة الدماء في رابعة ومذابح ما بعد الانقلاب رسالة واضحة من الجنرالات إلى الأمة، أن العمل الجماعي المستقل لم يكن موضع ترحيب ولا مسموحا به، وفي حين شهدت البلاد أكثر من 4,500 احتجاج في الأشهر الستة الأولى من عام 2013، انخفض هذا العدد إلى 665 خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام".

وواصل التقرير:"اليوم، يترأس السيسي مجتمعا بلا حواجز أحزاب معارضة مشلولة، وبرلمان شكلي، ولا حزب حاكم رسمي، ولا مؤسسات مدنية على الإطلاق تتمتع بسلطات حاكمة، وبدلا من ذلك، تفرض الأجهزة القمعية الجيش والشرطة والمخابرات العامة الحكم المباشر، وتدير المجتمع على أساس يومي".

واختتم التقرير:" السيسي لا يدير المعارضة، بل يقضي عليها لم تكن رابعة مجرد مذبحة، كانت العقد الاجتماعي التأسيسي لجمهورية السيسي الجديدة".

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-rabaa-massacre-founding-social-contract-sisi-new-republic