التطبيع السعودي الإسرائيلي.. من يريد ماذا ولماذا؟

- ‎فيعربي ودولي

قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنه "يجري التفاوض على صفقة من شأنها، في حال إتمامها، أن تؤدي إلى إقامة المملكة العربية السعودية للمرة الأولى، علاقات دافئة مع دولة الاحتلال".

وأضافت الصحيفة في تقرير لها، أن الشيء الرئيسي الذي سيحصل عليه السعوديون في المقابل – الضمانات الأمنية – لن يأتي من الاحتلال، ولكن من أقرب حليف لها الولايات المتحدة، وستلعب دولة الاحتلال، وهي قوة ذات تكنولوجيا عالية، دورا رئيسيا في الخطط السعودية الطموحة لنقل اقتصادها إلى ما هو أبعد من النفط.

وأوضح التقرير أنه من المتوقع أيضا أن تقدم تنازلات لسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في الضفة الغربية، وسوف تستعيد الولايات المتحدة بعض نفوذها على المملكة العربية السعودية، مما يوقف الجهود التي تبذلها الصين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.

وأشار التقرير إلى أن الاتفاق يقدم مكافآت كبيرة للحكومات الأربع، ليس أقلها طرق إضافية للتعامل مع النشاط العسكري الإيراني في المنطقة، لكن احتمال الاتفاق يثير قوى شعبوية بين جميع دوائرها الانتخابية، مما يشكل مخاطر على من هم في السلطة.

1. من يتحدث؟

وعلى الرغم من أن لديهم اتصالات سرية في الماضي، إلا أن الإسرائيليين والسعوديين لا يتحدثون مع بعضهم البعض بشكل مباشر، بل من خلال الأمريكيين، ووفقا لمصادر مطلعة على المحادثات، فإنها تشمل، من الجانب الأمريكي، مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونائبيه بريت ماكغورك وآموس هوكستين، بالنسبة للسعوديين، وزير الدفاع خالد بن سلمان، وهو شقيق ولي العهد محمد بن سلمان، وكذلك مستشار الأمن القومي مساعد العيبان، بالنسبة للإسرائيليين، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، السفير السابق لدى الولايات المتحدة والمساعد الأكثر ثقة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولم تتم دعوة الفلسطينيين حتى الآن لكنهم كانوا على اتصال مع السعوديين، ويقول مسؤولو الحكومات الثلاث المتفاوضة إن التعقيدات تجعل التوصل إلى اتفاق أمرا صعبا للغاية، ولكنه يستحق المحاولة إلى حد كبير.

2. ماذا تريد السعودية من الصفقة؟

أولا وقبل كل شيء، يريد السعوديون الحماية من إيران، ويقال إن ولي العهد محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة، أصيب بصدمة بسبب الهجمات المدمرة على منشآت إنتاج النفط السعودية في عام 2019 والتي تقول حكومته: إن "إيران كانت وراءها، كانت المملكة العربية السعودية وإيران على خلاف منذ عقود، على الرغم من أن الصين ساعدت في أوائل عام 2023 في التوسط لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع دام سبع سنوات ، إلا أنهما لا يزالان متنافسين على السلطة في الشرق الأوسط، السلطات السعودية قلقة بشأن ترسانة الصواريخ الإيرانية الكبيرة. ميليشياتها الوكيلة في اليمن والعراق ولبنان المجاورة؛ وبرنامجها النووي، الذي يشتبه الغرباء منذ فترة طويلة في أن إيران تستخدمه لتطوير أسلحة نووية.

وتريد المملكة العربية السعودية اتفاقا مع الولايات المتحدة يكون أقرب ما يكون إلى اتفاقية دفاع مشترك ، حيث ستنظر واشنطن إلى أي هجوم على المملكة على أنه هجوم على الولايات المتحدة، أحد النماذج المحتملة هو المعاهدة بين الولايات المتحدة واليابان التي تمنح اليابان بموجبها الولايات المتحدة الحق في نشر قوات عسكرية في البلاد مقابل وعد بأن أمريكا ستدافع عنها إذا تعرضت لهجوم.

كما تمتلك دولة الاحتلال أيضا قدرات دفاعية يمكن أن تكون مفيدة للدفاع عن حقول النفط السعودية.

وكما هو موضح في خطة رؤية 2030 للمملكة، جعل محمد بن سلمان، التقدم الاقتصادي والاجتماعي هدفه، لتحريك اقتصاد البلاد إلى ما بعد اعتمادها على النفط الخام ، الذي تعد أكبر مصدر له في العالم ، يريد التركيز على الابتكار، لهذا الغرض، كما يقول المسؤولون الأمريكيون، يعتقد  من الضروري الاندماج اقتصاديا مع دولة الاحتلال، التي أصبحت قوة في صناعة التكنولوجيا.

وتحسبا لليوم الذي ينفد فيه نفطها، تضع المملكة العربية السعودية خططا للاعتماد بشكل أكبر على الطاقة النووية لتشغيل اقتصادها وتسعى للحصول على مساعدة الولايات المتحدة في ذلك.

وعلنا، قالت المملكة العربية السعودية: إن "الشرط المسبق للاعتراف بدولة الاحتلال كحليف هو دولة فلسطينية مستقلة، الصفقة التي تجري مناقشتها لن تقترب من تحقيق ذلك، لكنها ستحتاج إلى احتواء مواد تحلية من نوع ما للفلسطينيين حتى تتمكن السلطات السعودية من القول لشعبها – والعالم الإسلامي بأسره – إنها لا تزال تقاتل من أجل القضية الفلسطينية.

3. ماذا تريد إسرائيل من الصفقة؟

وقال نتنياهو مرارا وتكرارا: إنه "بعد حصوله على علاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في عام 2020 في اتفاقيات إبراهيم التي توسطت فيها الولايات المتحدة ، فإن الجائزة الكبرى لدولة الاحتلال هي علاقة عميقة مع المملكة العربية السعودية، إنها أغنى وأقوى دولة عربية، وعلى نفس القدر من الأهمية مكانة المملكة كمهد للإسلام وموقع أقدس الأماكن الدينية، إن اعتراف المملكة العربية السعودية بدولة الاحتلال من شأنه أن يتعارض مع وجهة النظر بين العديد من الشرق أوسطيين بأن وجود دولة يهودية في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة غير شرعي، ومن المرجح أيضا أن تفتح الأبواب في دول إسلامية كبيرة أخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا.

ولدى نتنياهو أسبابه الخاصة لتقديم بعض التنازلات على الأقل للسلطة الفلسطينية، وهي الهيئة المكلفة بالحكم الذاتي المحدود بموجب اتفاقيات السلام المبكرة مع الاحتلال، وهي تحكم في الضفة الغربية بعد أن فقدت السلطة في قطاع غزة لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس). غادرت القوات الإسرائيلية والمستوطنون غزة في عام 2005، رغم أن دولة الاحتلال تحتفظ بالسيطرة على المجال الجوي والبحري لغزة، وأعلن نتنياهو في يوليو أن حكومته ستفعل المزيد لدعم السلطة الفلسطينية خشية تدخل حماس المدعومة من إيران في الضفة الغربية، وفي الوقت الحالي، يعني ذلك في الغالب المساعدة في التنمية الصناعية والسماح بتدفق المزيد من عائدات الضرائب التي تجمعها سلطات الاحتلال نيابة عن السلطة إلى خزائنها.

ويواجه نتنياهو أيضا انقسامات داخلية عميقة حول سياسات ائتلافه الحاكم اليميني المتطرف ولوائح الاتهام ضده بالاحتيال والرشوة، ومن شأن التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية أن يحول التركيز إلى مصدر للفخر والوحدة الوطنية.

4. ما الفائدة من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة؟

بالنسبة للولايات المتحدة، تمثل الصفقة فرصة للرد على مكانة الصين الصاعدة في الشرق الأوسط، ومن شأن ذلك أن يساعد دولة الاحتلال، الحليف الرئيسي، على الاندماج مع جيرانها وتعزيز تحالف مناهض لإيران، مع قيام الولايات المتحدة بدور مركزي، وإذا حصل السعوديون على نوع الضمانات الأمنية التي يريدونها من الولايات المتحدة، فإن العلاقات بين البلدين، التي توترت، ستتحسن بشكل كبير. وهذا يمكن أن يمنح الولايات المتحدة المزيد من النفوذ على مستوى إنتاج النفط السعودي، الذي يحدد إلى حد كبير سعر النفط وبالتالي البنزين.

بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن الصفقة المكتملة ستكون إنجازا كبيرا في السياسة الخارجية لحملة إعادة انتخابه عام 2024 ويقول مسؤولون مشاركون في المحادثات إنه "يجب التوصل إلى اتفاق بحلول الربيع المقبل، بعد ذلك، ستهيمن انتخابات نوفمبر على اهتمام كل من بايدن والكونجرس، الذي سيتردد أعضاؤه الجمهوريون في دعم أي اتفاق يتوسط فيه الرئيس، خوفا من أن يفيده سياسيا".

5. ما الفائدة من ذلك بالنسبة للسلطة الفلسطينية؟

وبالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فإن الاتفاق لن يرقى إلى تحقيق حلم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكنه سيوفر فرصة لإبطاء أو تعطيل الإجراءات الإسرائيلية التي تجعل هذا الحلم غير محتمل، وعلى وجه التحديد، سيرغب المفاوضون الفلسطينيون في أن تحد حكومة نتنياهو من بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وأن تؤجل خطط ضم المستوطنات القائمة إلى دولة الاحتلال، كما يمكن أن يؤدي التوصل إلى اتفاق إلى إضعاف نفوذ إيران الزاحف في الضفة الغربية، وعلى الأرجح، سيؤدي إلى مساعدة مالية كبيرة من المملكة العربية السعودية.

6. ما هي القوى الشعبوية ضد الصفقة؟

وتواجه الحكومات الأربع احتمال حدوث رد فعل عنيف محليا.

على الرغم من أن استطلاعا للرأي أجري في وقت سابق من هذا العام وجد أن 40٪ من السعوديين لا يعارضون العلاقات الاقتصادية مع الاحتلال، إلا أن الجمهور السعودي ليس لديه رغبة كبيرة في احتضان الدولة اليهودية بالكامل، وخاصة تلك التي تقودها حكومة يمينية متطرفة تعارض إقامة دولة فلسطينية.

وفي الولايات المتحدة، ينتقد الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه بايدن دولة الاحتلال بسبب احتلالها المستمر للضفة الغربية وسياسات الحكومة التي يقودها نتنياهو الآن، إنه أكثر توبيخا للمملكة العربية السعودية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان ، بما في ذلك مقتل كاتب العمود في واشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء سعوديين، كما أن الطلبات السعودية من الولايات المتحدة كبيرة  للحصول على طائرات مقاتلة متطورة وأنظمة دفاع جوي على رأس اتفاقية الدفاع ، وللمساعدة في برنامج نووي مدني يمكن استخدامه يوما ما لصنع أسلحة نووية، سيكون الديمقراطيون الليبراليون حذرين من تسليم مثل هذه الأدوات إلى محمد بن سلمان ، وهو زعيم يتمتع بسلطة مطلقة خلصت المخابرات الأمريكية إلى أنه وافق على الأرجح على عملية القبض على خاشقجي أو قتله، وقد نفى محمد بن سلمان أي تورط بينما قبل المسؤولية الرمزية بصفته الحاكم الفعلي للمملكة.

أما عباس الذي انتخب رئيسا في عام 2005 واحتفظ بالمنصب على الرغم من انتهاء ولايته في عام 2009  لا يحظى بشعبية بالفعل بين الفلسطينيين، وفي استطلاع للرأي أجري في الضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو، قال 80٪ من المستطلعين إنه يجب أن يستقيل، وفضلت الأغلبية (52٪) أن يكون العمل المسلح هو أفضل وسيلة لإنهاء الاحتلال، مشيرة إلى أن العديد من الفلسطينيين سيعتبرون الاتفاقات الدبلوماسية المستقبلية مع الاحتلال خيانة لقضيتهم الوطنية.

وفي دولة الاحتلال، يعتبر اليمينيون الدينيون الذين يشكلون جزءا من حكومة نتنياهو ضم الضفة الغربية مهمة أكثر أهمية من الحصول على قبول المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، يمكن أن تكون معارضتهم نعمة للأطراف التي تتفاوض عليها.

7. كيف يمكن أن تكون معارضة الصفقة نعمة للأطراف المتفاوضة؟

إذا تقدمت المحادثات وبدا نتنياهو مستعدا لتقديم تنازلات للفلسطينيين لا يقبلها شركاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم، فقد يهددون بالاستقالة، وهذا من شأنه أن يعطيه فرصة أخرى لتشكيل حكومة أكثر وسطية مع أحزاب أكثر اعتدالا، كان هذا هو ما يفضله عندما تمت دعوته لتشكيل حكومة بعد انتخابات نوفمبر، رفضت تلك الأحزاب الجلوس معه في ذلك الوقت، لأنه يخضع للمحاكمة ويعتبره الكثيرون غير جدير بالثقة.

وسيتعين على الطرفين إعادة تقييم موقفهما إذا أتيحت لهما الفرصة التاريخية للتوصل إلى اتفاق سلام سعودي، ومن المرجح أن يتبع الائتلاف الحاكم الأكثر اعتدالا سياسات في الضفة الغربية أكثر قبولا للسلطة الفلسطينية، وكذلك للسعوديين والأمريكيين، ومن المرجح أيضا أن يسقط مثل هذا الائتلاف مبادرة الحكومة الحالية للحد من سلطات القضاء الإسرائيلي، الأمر الذي أثار مخاوف في الاحتلال والولايات المتحدة من تهديد الديمقراطية في البلاد.

 

https://www.washingtonpost.com/business/energy/2023/08/22/a-saudi-israeli-peace-deal-who-wants-what-and-why/ad09133e-40c2-11ee-9677-53cc50eb3f77_story.html