أعادت سلطات الانقلاب اعتقال الطالب محمود محمد أحمد حسين، المعروف إعلاميًا بـ«معتقل التيشيرت» الأربعاء الماضي، 30 أغسطس 2023م، أثناء عودته للقاهرة، بزعم وجود حكم غيابي بحقه في القضية التي حبس احتياطيًا على ذمتها أكثر من عامين قبل إخلاء سبيله في مارس 2016م. وكانت سلطات الانقلاب اعتقلت حسين أول مرة في يناير 2014م؛ بسبب ارتدائه تيشرت مكتوباً عليه "وطن بلا تعذيب"، وشالاً مكتوباً عليه "25 يناير"؛ وظل محبوسًا لمدة 588 يوما رغم انقضاء مدة حبسه الاحتياطي المقررة في القانون كاملة دون إحالة إلى المحاكمة أو التصرف في القضية.
إعادة اعتقال غير مفهومة
وحسب المحامي والحقوقي خالد علي، نُقل حسين من قسم شرطة حدائق أكتوبر إلى قسم شرطة العياط، حيث فقدت أسرته ومحاموه الاتصال به، فيما داهمت قوة شرطية منزله بالعبور فجر الجمعة، معبرًا عن خوف أسرته ومحاميه على سلامته الجسدية والصحية، خاصة مع معاناته من مشاكل صحية بساقه اليمنى تسببت في تغييره لمفصل الفخذ مرتين، بالإضافة لمعاناته مع نوبات الهلع التي تلازمه منذ فترة احتجازه السابقة. وتساءل المرشح الرئاسي السابق، في بيان نشره عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، اليوم الجمعة: "إذا كان القبض على حسين، بزعم تنفيذ حكم غيابي لم يعلم بصدوره وسوف يقوم بتقديم طلب لإعادة الإجراءات لمحاكمته من جديد ليتمكن محاموه من تقديم دفاعهم، فما هو سند مداهمة منزله وتفتيشه؟!".
إعادة اعتقال حسين تبعث رسالة واضحة بأن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي يكن العداء الصارخ لثورة "25" يناير وكل من شارك فيها، بعيدا عن ديباجة الدستور التي تمجد في الثورة ؛ فالعبرة بالأوامر والتوجيهات العليا  وليس بنصوص الدستور والقانون. وقد أفصح السيسي عن عدائه المتأصل لثورة يناير مرارا وتكرارا حتى حملها ولا يزال المسئولية كاملة عما آلت إليه أوضاع البلاد من سوء وتدهور تحت حكمه الدكتاتوري على مدار العقد الماضي (2013 ـ2023).
كما يبعث إعادة اعتقال حسين رسالة أخرى مفادها أن نظام السيسي لا يخجل من جرائم التعذيب الذي تحول إلى سياسة ممنهجة في جميع السجون ومراكز وأقسام الشرطة وأقبية الأمن الوطني.
ممارسات قمعية
وهو ما يتسق تماما مع ممارسات النظام العسكري الذي صوت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلسة الثلاثاء 18 مايو 2021م، بإلزام الدول بحماية المواطنين ومنع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وهو الموقف الذي كان صادما وكاشفا، لكنه في ذات الوقت متسق تمام الاتساق مع طبيعة النظام وفلسفته باعتباره نظاما عسكريا اغتصب الحكم بانقلاب عسكري وارتكب آلاف الجرائم ضد الإنسانية سفك خلالها دماء آلاف المصريين ولا يزال حتى اليوم يمارس أبشع صور الطغيان والعنصرية والتمييز أملا في ضمان بقائه واستمراره. «القرار الأممي ـ الذي رفضه نظام السيسي ـ تضمن مجموعة من التوصيات، منها أن تتعهد الدول والحكومات بحماية السكان من التعرض لأي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية، وإدراج هذه الجرائم ضمن ولاية مجلس حقوق الإنسان، وضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل، وإدراجها أيضا كجزء من التقارير الوطنية، إضافة إلى توصيات أخرى خاصة بدور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، ودور أجهزة وآليات المكتب المعني بمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية في تعزيز الجهود الجماعية الرامية إلى منع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية».
اعتقال حسين يتزامن مع استمرار تجديد حبس المئات من المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا سياسية. ورصدت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، خلال النصف الأول من العام الحالي في دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة، انعقاد 3 دوائر إرهاب خلال 67 جلسة. ونظرت هذه الدوائر بما لا يقل عن 19718 قرار تجديد حبس، موزعين على 1661 قضية أمن دولة. وذكرت "الجبهة" في تقرير نُشر في 28 أغسطس الماضي، أن هذه الدوائر أخلت سبيل 3 متهمين فقط، بنسبة لا تتجاوز 0.015 في المائة من إجمالي أوامر الحبس المنظورة، في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، فيما أصدرت قرارات بتجديد الحبس تلقائياً لمدة 45 يوماً للباقين.
رسالة مسربة
كما يتزامن اعتقال حسين مع رسالة مسربة من معتقلي سجن بدر "3"، والتي نشرها مركز الشهاب لحقوق الإنسان؛ الجمعة غرة سبتمبر 2023م؛ والتي تكشف أنّ "الأوضاع السيئة التي يعاني منها أكثر من 500 معتقل في سجن بدر 3 لا تزال كما هي رغم مرور أكثر من 4 أشهر على قيام المعتقلين بتهدئة الأجواء على أمل تحسين أحوال السجن". وأشارت الرسالة المسربة إلى أنّ المعتقلين "تقدموا بمذكرة جماعية لإدارة السجن، يحتجون فيها على تردى الأوضاع، وعدم تنفيذ أي من الوعود (البراقة) التي أقسم مسؤولو الداخلية على تنفيذها، وأولها فتح الزيارة بشكل طبيعي، ولكل المعتقلين في السجن، وأن تكون الزيارة مثلها مثل باقي السجون الأخرى، وكذلك التريض والتشمس، بالإضافة إلى خدمات السجن السيئة للغاية، وملفات التعيين المزري، وكافتيريا وكانتين السجن". وحمّل المعتقلون ضابط الأمن الوطني، مروان حماد، المشرف على منطقة سجون بدر والعاشر من رمضان، والضابط أحمد يحيى، المسؤول عن سجن بدر 3، "المسؤولية الكاملة لعدم تحسين الأوضاع نتيجة (عنادهما المستمر) و(تعاليهما) في التعامل مع المعتقلين، والدعم غير المحدود الذي تلقياه من وزارة الداخلية".